بفضلِ حماسهِ واندفاعهِ الشديدين؛ تمكّن من الصعود إلى سطح الثكنة العسكرية وأنزل العلم الفرنسي ورفع علم الوطن بدلاً منه؛ لكن رصاصة الغدر كانت بانتظارهِ وأصابت إحدى ساقيه وذلك خلال الانتفاضة التي قام بها أهالي مدينة "البوكمال" ضد قوات الاحتلال الفرنسي عام /1946/م.
"عبد الله الدبس" سجّل يومها اسمه بين كبار الوطنيين الذين تحدّث عنهم التاريخ فيما بعد، لذلك كان لا بد من وقفةٍ أمام حياة هذه الشخصية المعتبرة، فبتاريخ 27/2/2010م التقينا الحاج "صبحي صبري عجيل الدبس" أحد المُعمرين من آل "الدبس" وهو رجلٌ يبلغ من العمر نحو ثمانين عاماً ليحدّثنا قائلاً: «ولد "عبد الله الدبس" في مدينة "البوكمال" عام /1919/م نشأ وسط عائلةٍ مُحافظة ذات سُمعةٍ طيبة في المدينة، ويُعتبر والده رجل دينٍ مُقتدر ومعروفٌ بأخلاقهِ وكرمه وحبه للناس، فربّى ابنه على ذات التربية.
على الرغم من أن "عبد الله" كان أكبر مني في السن إلا أنني أتذكر عندما أُصيب بطلقٍ ناري في ساقهِ اليسرى حينما بدأ برفع العلم الوطني وإنزال العلم الفرنسي من فوق الثكنة العسكرية، وذلك أثناء انتفاضة أهالي مدينة "البوكمال" في وجه المحتل الأجنبي، وقد نُقِلَ "عبد الله" على أثر تلك الإصابة إلى المشفى الأميركي في "دير الزور" للمعالجة؛ وبقي مُمدّداً في الفراش نحو ستة أشهر
كان "عبد الله" مثال الشاب المهذب والمستقيم المُتحلّي بالأخلاق القويمة والفاضلة؛ برز مُبكّراً كرجلٍ وطني بين أبناء مدينته وذلك أثناء وجوده كعضوٍ بارز في اللجنة المُشكّلة عام /1941/م لاستقبال المجاهدين والثوار القادمين من بقية المدن والمناطق السورية والدول العربية المجاورة للإشراف على عبورهم إلى داخل الأراضي العراقية لمساندة ثورة "رشيد عالي الكيلاني" التي قامت في "العراق" في ذلك العام».
وأضاف خلال حديثه: «على الرغم من أن "عبد الله" كان أكبر مني في السن إلا أنني أتذكر عندما أُصيب بطلقٍ ناري في ساقهِ اليسرى حينما بدأ برفع العلم الوطني وإنزال العلم الفرنسي من فوق الثكنة العسكرية، وذلك أثناء انتفاضة أهالي مدينة "البوكمال" في وجه المحتل الأجنبي، وقد نُقِلَ "عبد الله" على أثر تلك الإصابة إلى المشفى الأميركي في "دير الزور" للمعالجة؛ وبقي مُمدّداً في الفراش نحو ستة أشهر».
ثم تابع قائلاً: «وخلال فترة السبعينيات وحتى قبل وفاته بعدة أعوام كان "عبد الله" يقوم بحل الخلافات والنزاعات القائمة بين أبناء مدينته؛ وذلك لحنكتهِ وقدرتهِ الكبيرة على الإقناع، فكان ديوان العائلة مقصداً لجميع المتخاصمين، لأنهم كانوا يعلمون جيداً بأنه ما من مشكلةٍ أو نزاعٍ إلا ويكون طرفاً في الحل؛ فاستطاع بفضلِ كلمتهِ المسموعة ومكانته الرفيعة بين الناس أن يكون بمثابة القاضي لحل تلك النزاعات عشائرياً.
توفي "عبد الله الدبس" بتاريخ 3/11/1983م عن عمرٍ يناهز 64 عاماً؛ وبوفاته خسرت المدينة رجلاً من خيرة رجالها، وقد شيّعته المنطقة في جنازةٍ كبيرة خرجت خلالها جموع الأهالي تودع ابن مدينتهم البار».
كما التقينا بالأستاذ "ناصح عبد الله الدبس" الابن الأوسط لـ "عبد الله" وهو رجلٌ في العقد الخامسِ من العمر ويحمل إجازة في التاريخ والذي تحدّثَ قائلاً: «والدي كان الأكبر سنّاً بين أفراد أُسرتهِ التي تتألف من شقيقين وأخت واحدة، الشقيق لا يزال على قيد الحياة؛ أما الأخت فقد توفيت عام/2001/م، لهُ من زوجته أربعة أبناء وأربع بنات، الابن الأكبر توفي عام /2006/م خريج كلية التجارة والاقتصاد؛ أما الابن الثاني توفي هو الآخر عام /1995/م وكان يعمل في بيع وشراء السمن العربي مثل مهنة والدي تماماً؛ كذلك الابن الأصغر يعمل الآن في نفس المهنة؛ حصل والدي على شهادة الصف الخامس (كانت أعلى شهادة في ذلك الوقت) وقرّر إكمال دراسته خارج "البوكمال" لكن ظروف العائلة لم تسمح له بالسفر. كانت حادثة عام /1946/م نقطة تَحوّلٍ في حياتهِ جعلته أحد أبطال تلك الفترة، لم يكن ينسى فضل أحدٍ عليه أبداً لذلك بقي وفياً ومخلصاً للطبيب "بيتر مانوكيان" الذي عالج مكان إصابته دون الحاجة إلى قطع رجله، بعد أن عجِز الأطباء الآخرون عن مداواته، فكان يسافر إلى "بيروت" في كل عام لزيارة ذلك الطبيب حاملاً له الكثير من الهدايا القيّمة».
ثم تابع قائلاً: «عَمِلَ والدي في محلٍ لتجارة الأقمشة حتى عام /1967/م بعد ذلك اشترى محلاً وخصّصه للتجارةِ بالسمن العربي؛ وقد استلمنا نحن من بعده هذا المحل ولا يزال موجوداً حتى الآن، كان له الفضل الأكبر في إنارة مدينة "البوكمال" عام/1952/م عندما طرح فكرة إنشاء محطة كهرباء على مجموعة من الشخصيات في المدينة آنذاك؛ وبالفعل استطاع أن يحصل على موافقتهم وكلُ واحدِ منهم كان له نسبة في هذا المشروع، بقيت شركة الكهرباء هذه تابعة للقطاع الخاص المؤلف من مجموعة مساهمين بما فيهم والدي الذي كان رئيساً لمجلس الإدارة؛ حتى تم تأميمها من قِبل الدولة عام /1963/م. وله الأجر والثواب أيضاً عندما تبرّع بقطعةٍ من الأرض عام /1970/م لصالح بناء مسجد "الصحابة" الذي أُكمِلَ بناؤهُ عام /2008/م».
وبدورهِ أشاد الباحث التاريخي "حميد السيد رمضان" بهذه الشخصية من خلال كتابهِ عن مدينة "البوكمال" حيث جاء فيه: «اُعتُبِرَ "عبد الله الدبس" من الرجال الوطنيين والبارزين في مدينة "البوكمال" خلال فترة الخمسينيات، فقد كان أحد أعضاء الكتلة الوطنية التي شُكّلت عام /1944/ ضد فرنسا وأمين سر للجنة التبرعات فيها، أُصيب في ساقهِ نتيجة إطلاق النار عليه من بارودة أحد الجنود الفرنسيين أثناء هجوم المواطنين على الثكنة العسكرية الفرنسية؛ حيث كان وقتها "عبد الله" يَهمّ بإنزال العلم الفرنسي ويرفع بدلاً عنه العلم الوطني. اختير في فتراتٍ لاحقة كعضو في الاتحاد القومي زمن الوحدة مع "مصر"، وكانت له أيادٍ بيضاء في مساعدة المحتاجين والفقراء في المنطقة».