عندما يتم الحديث عن البحث التاريخي لمنطقة الفرات الأوسط فأول ما يتبادر لأذهان المثقفين اسم الباحث "أسعد الفارس"، وذلك لما قدمه هذا الرجل من تراجم ومؤلفات لولاها لبقي كثير من الوقائع التاريخية في هذه المنطقة، وما تخفيه من أسرار طي النسيان أو الكتمان.
eSyria التقى هذا المبدع، ليحدثنا عن تجربته البحثية الكبيرة والتي تنوعت بين العلوم والتاريخ والتراث، فتفضل بداية بالقول:
أقول لهم لا تكتبوا شيئاً قبل أن تملكوا أدوات الكتابة، والوقوف فوق أرضية صلبة من المعلومات والخبرات، فالكتابة لمجرد الرغبة بالكتابة دون ما ذكرت كأنك تذهب للحرب دون سلاح
«ولدت في بلدة "السوسة" التابعة "للبوكمال" عام 1947، حيث درست مرحلة التعليم ما قبل الجامعي في محافظة "دير الزور"، ثم تابعت تعليمي الجامعي في دمشق، وحصلت على بكالوريوس في العلوم من جامعة دمشق عام 1969، نلت بعدها درجة دبلوم في التربية من نفس الجامعة عام 1970 ، ثم عملت مدرساً للعلوم في ثانويات محافظة "دير الزور" ما بين عامي 1972-1992.
وقد ساهم نشاطي البحثي في هذه الفترة سواء أكان في مجال الترجمة أم في مجال التأليف في حصولي على عضوية اتحاد الكتاب العرب، وكذلك عضواً في الجمعية السورية لتاريخ العلوم عند العرب».
أما تجربة الاغتراب فقد بدأت متأخرة نسبياً لدى الباحث "أسعد الفارس"، إذ يشرح لنا ذلك بقوله: «سافرت للكويت عام 1992 حيث عملت باحثاً تربوياً في مجال تدريس تأليف كتب العلوم في المركز العربي للبحوث التربوية لدول الخليج العربي في الكويت مابين عامي 1992-2004 ولي في هذا المركز أبحاث علمية محكمة.
وأعمل حالياً مساعد أبحاث في معهد الكويت للأبحاث العلمية منذ عام 2005، ولا أزال أمارس البحث العلمي في هذا المعهد في مجال البيئة والمحميات الطبيعية، وتحديداً في مجال التصنيف العلمي للحيوانات والنباتات.
كما أني أقوم بكتابة المقالة العلمية والتراثية بالصحف والمجلات السورية، وفي مجلات وصحف الخليج: كمجلة الفيصل السعودية، ومجلة الكويت الكويتية، ومجلة التقدم العلمي الكويتية، ومجلة العلوم والتكنولوجيا في الكويت وغيرها، مما خولني لأن أكون عضواً في جمعية الصحفيين في الكويت».
وبداية الاهتمام بالبحث لدى "أسعد الفارس" ترجع إلى سنوات إقامته في دمشق لأجل الدراسة الجامعية، إذ يخبرنا تفاصيل ذلك بالقول: «كانت بداية الاهتمام بالبحث العلمي والأدبي والتراث في أواخر الستينيات من القرن الماضي عندما كنت طالباً في كلية العلوم في جامعة دمشق، وكانت البداية في محورين: الأول منها تعلم اللغة العربية كأداة للتعبير ويعود الفضل في هذا المجال لنخبة من شيوخ مساجد دمشق، فقد كنت أرتادها لتعلم علوم الدين واللغة العربية بآن واحد.
والمحور الثاني الاهتمام بالمصطلح العلمي وشراء الموسوعات والكتب العلمية باللغة الانكليزية كمصادر مساندة لتحصيلي العلمي، وخصوصاً الكتب المصورة الملونة عن الحيوان والنبات.
يضاف إلى ذلك كله تعلقي بأخبار وتاريخ المنطقة الفراتية، وحكايات وقصص وأشعار البادية العربية، لأنني بالأساس قد ولدت في بادية الفرات، وترعرعت في مضافة والدي "عبيد الفارس" التي كان يرتادها الضيوف من البدو ومن مختلف شرائح المجتمع، وكان الوالد رحمه الله له حضوره المميز في تاريخ المنطقة ومقاومة الاحتلال البريطاني والفرنسي في القرن الماضي مع غيره من ثوار المنطقة. وباستثناء بعض المقالات والمحاضرات والمساهمات المتواضعة لم أمارس الكتابة بشكل جدي إلا بعد عام 1975 وهكذا أرى بأني قد بدأت متأخراً والسبب هو أني كنت أنصت لمقابلة إذاعية للأديب المصري المعروف توفيق الحكم، وقد سأله المذيع بالقول: «بماذا تنصح الكتاب الشباب الذين يريدون خوض غمار الكتابة».
فأجابه الحكيم: «أقول لهم لا تكتبوا شيئاً قبل أن تملكوا أدوات الكتابة، والوقوف فوق أرضية صلبة من المعلومات والخبرات، فالكتابة لمجرد الرغبة بالكتابة دون ما ذكرت كأنك تذهب للحرب دون سلاح».
ولعل الفترة التي كرست نفسي فيها للتعلم والمطالعة واكتساب الخبرات وأدوات الكتابة كانت مابين عامي 1975- 1985 ثم انطلقت في ميدان الكتابة، وأنا وفقاً لمعطيات السؤال لا أدعي بأني قد وصلت لمرحلة الإبداع، فهذا التقييم أتركه للنقاد والقراء والمتابعين لما يكتبه "أسعد الفارس"، على الرغم من أن الذي قدمته في هذا المجال ليس بالقليل».
أما مؤلفات الباحث التراثي "أسعد الفارس" المنشورة فهي بحسب ما عددها لنا: «تهذيب وتصنيف حياة الحيوان الكبرى للدميري، من إصدار دار "طلاس"، دمشق 1990.
ترجمة كتاب " قبائل بدو الفرات" للرحالة البريطانية "آن بلنت" بالتعاون مع الأستاذ "نضال خضر معيوف"، من إصدار دار "الملاح"، دمشق 1991.
"شعب ومدينة على الفرات الأوسط"، من إصدار دار "الملاح"، دمشق 1993.
– ترجمة كتاب "مشاهدات في بوادي العرب" لضابط الفرسان البريطاني أبيتون بالتعاون مع "نضال خضر معيوف"، من إصدار الكويت 2002.
"رحالة الغرب في ديار العرب"، وهو من أشهر كتبه الدولية الهامة المؤلفة، من إصدار صقر الخليج في الكويت 1997.
"الخيل العربية في مذكرات السياح والرحالة"، من إصدار "الكويت" 1999.
"محمية صباح الأحمد الطبيعية" بالاشتراك مع عدة باحثين، من إصدار "الكويت" 2008.
"الغطاء النباتي في الكويت" بالاشتراك مع عدة باحثين، من إصدار "الكويت" 2007.
"الكولونيل ليشمان والدرب الطويل إلى بغداد"، من إصدار "الكويت" 2009».
وبالنسبة للجوائز ومراتب التكريم التي نالها "الفارس" من داخل القطر وخارجه، فهي كثيرة ذكر لنا أهمها: «في الحقيقة هناك جائزتان الأولى من مؤسسة التقدم العلمي في الكويت عن اشتراكي في تأليف وتحرير كتاب الغطاء النباتي في الكويت لي وللزملاء المشاركين بالبحث.
والجائزة الثانية شخصية من سمو الشيخ "سلطان القاسمي" عن كتاب "الخيل العربية في مذكرات السياح والرحالة" فهذا الرجل دعاني وكرمني ولا يزال يكتب لي ويشجعني، ويوقع لي في رسائله المتكررة باسمه المجرد من الألقاب والمناصب "أخوك سلطان" فنعم الرجل ونعم التواضع».
وقد رافق هذه المسيرة البحثية الحافلة بالإنجازات حضور كم كبير من المؤتمرات الدولية، فهي كما ذكرها لنا "الباحث الفارس" - شاركت في أكثر من عشرين مؤتمرأ وندوة علمية تربوية في مجال مناهج العلوم في دول الخليج بإشراف "المركز العربي للبحوث التربوية لدول الخليج" في الكويت، عقدت في مختلف العواصم الخليجية.
– وشاركت في خمس مؤتمرات لتاريخ العلوم عند العرب أقامها معهد التراث العلمي في جامعة حلب في مختلف المحافظات السورية، وقد منحت شهادات تقدير لأبحاثي المتميزة في هذه المؤتمرات.
إضافة إلى ندوة الرحلات إلى شبه الجزيرة العربية التي عقدت في "الرياض" في تشرين الأول عام 2000 ميلادية في المملكة العربية السعودية، وكانت هذه المشاركة من أجرأ المشاركات التي قدمتها، فقد حاضرت عن أهداف وغايات الرحالة الغربيين في الوطن العربي بصراحة أمام أكثر من خمسين باحثاً دولياً من العرب والأجانب وطالب في تلك الندوة بكتابة التاريخ العربي بحلوه ومره دون تدخل من السلطات، وقد لخصت جريدة الرياض بحثي ونشرته وكتبت بالخط العريض "أسعد الفارس يطالب بكتابة التاريخ العربي بحلوه ومره دون تدخل من أحد".
وشاركت في ندوة المحميات في الكويت عام 1996
وقد كان آخر مؤتمر دولي حضرته هو مؤتمر المنظمة الدولية للجواد العربي- منظمة "الواهو"- الذي عقد في دمشق بحضور أكثر من ستين دولة عام 2007 وكنت أسعد الفارس أتحدث عن الخيول العربية السورية نيابة عن القطر العربي السوري مع باحثين آخرين».
وللحديث عن الخصوصية البحثية التي تميز بها منهج "أسعد الفارس" التقينا بالباحث الدكتور "عدنان عويد" ، فتفضل قائلاً:
«"أسعد الفارس" هو أحد الكتاب الذين اشتغلوا على تاريخ منطقة المشرق العربي، عموماً وتاريخ منطقة الفرات الأوسط على وجه الخصوص، وقد تميز هذا الباحث باستخدامه لأدوات البحث العلمي سواء في كتبه المؤلفة والمترجمة بعيداً عن العاطفة وترجيح كفة جماعة بشرية على حساب الجماعات الأخرى، فساهم بذلك في التوثيق وإعادة كتابة تاريخ هذه المنطقة بالصورة الصحيحة».
ومن الناس الذين عايشوا تجربة الباحث "أسعد الفارس" في المغترب التقينا الروائي السوري "عدنان فرزات" فأخبرنا عنه قائلاً :«الباحث "أسعد الفارس" هو الخيمة الأصيلة المتبقية في حياتنا المعدنية، تابعت أعماله في الصحف الكويتية، فهو باحث دقيق المعلومة، وأنيق الطرح، يضع التراث بين ناظريك كحكاية جرت بين الأصدقاء، أي لا تعقيد فيها ، وفي المقابل فهو متابع جيد لما يكتب، ومحاور راق وصاحب حجة يعتد بها، يقدم كل هذا الصخب بروح هادئة صامتة، وحين تلتقيه تدرك ماذا يعني تواضع العقلاء».
و"لأسعد الفارس" مكانة كبيرة في الوسط الثقافي في "دير الزور" فهو رغم غيابه عن مدينته، لكنه حاضر بما قدمه لإغناء الحراك الثقافي في هذه المدينة، كان هذا ما بينه لنا الأستاذ "عبد القادر سلامة" مدير الثقافة في محافظة "دير الزور" بقوله:
«"أسعد الفارس" واحد من الباحثين القلائل الذين وثقوا للذاكرة الفراتية في العصر الحديث، ورغم أن اغتراب بعض المبدعين و"أسعد الفارس" واحد منهم يحرم جمهور "دير الزور" من التفاعل المباشر معهم، إلا أن هذا الباحث حاضر بنتاجه المميز والغزير، ونحن باسم الوسط الثقافي في هذه المحافظة نوجه له الدعوة في زياراته لإتحافنا ببعض المحاضرات القيمة التي عودنا عليها في السنوات السابقة».