رغم التطور الكبير الذي حصل في حياة أبناء الفرات، إلا أنهم لا يزالون يؤمنون بالكثير من مفردات موروثهم الشعبي القديم، ولعل الإصابة بالعين من أهم تلك الاعتقادات. ولتكوين رؤيا حول الموضوع من كافة نواحيه، التقى eSyria مع الباحث "غسان رمضان" الذي تكلم لنا قائلاً:
«يؤمن سكان وادي الفرات بشكل كبير بالإصابة بالعين، وهي عقيدة قديمة آمنت بها الحضارات التي تعاقبت على المنطقة كحضارة السومريين والأكاديين.... الخ، وقديماً كان يعتقد أن أرواحاً شريرة هي التي توقع الأذى نتيجة الاصابة بالعين، وتتلخص فكرة الإصابة بالعين بصورتها الحالية في أنه إذا شاهد إنسان ما خيراً عند إنسان آخر أو شاهد شخصاً أو شيئاً جميلاً أعجبه، ولم يقل "ما شاء الله" أو "يصلي على النبي" فإن خطراً ما سيصيب ما وقع عليه بصره، وعين العاين تصيب بمجرد وقوع النظرة على الشيء، وإن لم يتعمد صاحبها الأذى، ولذا اتخذت الحمائل الخاصة بمقاومة عين الحسود أيضاً.
إن وضع نضوة الحصان أو حذاء صغير على باب الدار أو على العربات، تستخدم لمنع الإصابة بالعين وكأنها رد على كل من يريد أن يصيب أصحاب هذا الملك بأي أذى أو ضرر
ولا تقتصر الإصابة بالعين بين البشر، فقديماً كان يعتقد أن بعض الحيوانات التي لعيونها بريق تستطيع الإصابة بالعين كالحية والثعلب والقط والطاووس.. الخ».
ولحماية النفس من العين، استخدم الناس الخرز والتعاويذ، وهي كثيرة عند أبناء وداي الفرات، وهذا ما أوضحته لنا السيدة "يسرى العلوش" بقولها: «تعالج "الخطفة" أو "النظرة" لدى الصبيان، بتعليق سن ثعلب أو سن هرة على الصبي، لأن تلك الإسنان تجعل الجن يهرب، كما يهرب الجن أيضاً من تنقيط شيء من صمغ "السمرة" وهي شجرة من شجر الطلح بين عيني النفساء، وخط شيء منه على وجه الصبي خطاً فلا تجرؤ الجنية على الاقتراب من الصبي، ويقال لذلك "النفرات"».
وأكثر ما يخاف أهالي وادي الفرات من الإصابة بالعين على أطفالهم، وخصوصاً الذكور منهم، فنجد لديهم العديد من التمائم لدرء هذا الخطر بينتها لنا السيدة "زينب السليمان" بقولها: «يضع الناس في وادي الفرات بعض التمائم لطرد العين الشريرة عن الأطفال، كأن يعلقون "خضرمة" "وهي عبارة عن قطعة صغيرة من الزجاج الأزرق الخشن مثقوبة من الوسط" بشعر رأس الطفل من فوق أذنيه، وممكن أن تعلق في شعر ناصية الطفل.
كما يعلقون حلياً ذهبياً إما على قبعة الطفل أو كتفه، أو بشكل طوق يلبسه في حلقه، وتسمى "جنادة" أو "محمدية" وذلك لصرف العيون إليها بدلاً من التحديق بوجه الطفل، ومن هذه الحلي قطعة ذهبية تسمى "ما شا الله" مكتوب عليها عبارة "ما شاء الله"، وسن ذئب ملبس بالذهب ما عدا طرفه، ومعلق به شراشيب ذهبية».
وهناك طريقة قديمة للاستشفاء من الإصابة بالعين أوضحتها لنا السيدة "غازية العبد الله" بقولها: «إذ مرض الطفل وقدر أهله أن مرضه بسبب عين أصابته، وهذا التقدير ليس عشوائياً إذ إن هناك عرافات مختصات بهذا الموضوع، فتقوم إحدى هذه النساء بوضع غربال فوق رأس الطفل، وتضع في وسطه طاسة تحتوي على ماء، وتضع حول الطاسة قطع خبز وقشور بصل وأعواد حطب، ثم تذيب قطعة رصاص صغيرة في ملعقة نحاسية بتسخينها على النار ثم تصب الرصاص المذاب في الطاسة وتعيد هذه العملية سبع مرات، وفي كل مرة يتجمد فيها الرصاص في الماء تشبّه العرافة ناتج التجمد بشكل شخص تعرفه تتوقع أنه هو الذي أصابه بالعين، ثم تحضر ورقة ودبابيس فتأخذ دبوساً وتغرسه بالورقة وتقول في عين فلان حتى يصبح عدد الدبابيس المغروسة بعدد الأشخاص الذين تشك بهم أنهم وراء إصابة الطفل بالعين وتردد أثناء هذا الطقس مجموعة من الأبيات نذكر منها:
يا عين عنك جنبي/ ألف الصلاة على النبي.
يا عين عنك صدي/ مقلوعة بالود».
ويذكر الباحث المرحوم "عبد القادر عياش"، بعض طرق الوقاية من الإصابة بالعين والتي يستخدمها الناس في وادي الفرات إذ يقول: «يضع الأهالي سكيناً صغيرة، وملحاً في كيس صغير تحت وسادة الطفل مع مقص وقطعة خبز يابسة، وبعضهم يضع قرآناً صغيراً.
كما يلبسون الطفل طاقية تسمى "قبعاً" عليها ريش نعام أو ديك من الأمام لطرد الجنية، وعرف الديك من المنفرات أي الأشياء التي تخيف الجن فينفرون أي يهربون، ولا يتقربون من حامل المنفرات».
ومن الأشياء التي تبعث للطرافة لدرء الإصابة بالعين، أن يعلق بعض الأهالي نضوة حصان أو حذاء صغير على باب الدار، أو على العربات التي تجرها الدواب أو السيارات، هذا ما أكده لنا السيد "رداد الخليفة" بقوله: «إن وضع نضوة الحصان أو حذاء صغير على باب الدار أو على العربات، تستخدم لمنع الإصابة بالعين وكأنها رد على كل من يريد أن يصيب أصحاب هذا الملك بأي أذى أو ضرر».
مصادر تم الرجوع إليها: