(أبو رياح) هكذا عرفته الشَّاشة "السّورية"، وهكذا أطلَّ على النّاس بزيِّه الشَّامي الأصيل، وهكذا تواصل مع أبناء جيله العظام من أمثال الفنان "دريد لحام" (غوَّار) ، والفنان "رفيق سبيعي" (أبو صيّاح)، والفنان "نهاد قلعي" (حسني البورزان)، والفنان "عبد اللطيف فتحي" ( أبو كلبشة )، الفنان "ناجي جبر" (أبو عنتر)، والفنان "ياسين بقوش"، ليقدموا للجمهور العربي أروع ما أنتجته الشّاشة "السّورية" في تلك الفترة من مسلسلات، ومسرحيات، وتمثيليات لاقت قبولاً ليس على الصَّعيد المحلي فقط، وإنما على الصَّعيد العربي أيضاً.
هذه الأعمال التي لا زال صداها وتأثيرها إلى الآن، وإن دلَّ هذا على شيء إنما يدلُّ على صدق ممثِّليها وتفاعلهم الحقيقي والمباشر مع هذه الأعمال التي ظلَّت بصماتها حيّة إلى الوقت الحاضر وخصوصاً بعد أن أعُيد عرضها عدَّة مرَّات، و لا زال الجمهور مقبلاً في الاستمتاع بهذه المسلسلات الجميلة.
ضيفنا هذه المرّة، هو أحد هؤلاء الأبطال الذين زرعوا بصماتهم بقوة على الشّاشة "السورية"، إنّه الفنان "محمد الشّماط" المعروف بـ (أبو رياح) الذي كان أحد النجوم ابتداءً من مسلسل (حمام الهنا) ومسلسل (صح النوم) و(حارة القصر) و( زقاق المايلة) و(مذكرات حرامي) و(دولاب) و(حكايا الليل ) وانتهاءً وليس نهاية بـ (ليالي الصّالحية) و(الخوالي) و(باب الحارة) بأجزائه الثلاثة. والذي حلَّ ضيفاً عزيزاً في مدينة "دير الزور"، فكان ل eDair-alzor بتاريخ 20/8/2008 هذه الوقفة القصيرة معه:
**البداية كانت في المسرح عندما ذهبت إلى (العسكرية) قمتُ بالانتساب إلى المسرح العسكري، حيث شاركت بتمثيل العديد من المسرحيات، والتي نطوف بها في "سورية" كافة وبقيت في المسرح العسكر /35/عاما، وتحديدا منذ العام /1956/ ولغاية عام/1995/، ( ثم استطرد قائلاً ) على فكرة : لقد خدمتُ عسكريتي في مدينة "دير الزور"، ولا زلت أتذكَّر كلَّ شيء فيها (الجسر المعلَّق، والشارع العام، والجراديق، والمشفى الوطني)،كلما زرتُ "دير الزور" أقوم بالمرور على مكان خدمتي وأتفقَّد الأماكن التي عشت فيها ومكان (شرب الأركيلة كذلك).
**كانت هذه الأسماء هي أوَّل ما عرفه النّاس عنا وأوّل ما استقبلونا به، لقد كان عدد "التلفازات" قليل جداً، وكانت الحارة كلها تجتمع على تلفاز واحد، وأقولها بصراحة إن وصولها لقلوب الناس وتفاعلهم معها وصدق هذه الأعمال وبساطتها جعلت هذه الأسماء محفورة في أذهانهم، وصدِّقني أنَّ هناك الكثيرين ممن ألتقي معهم يجهلون اسمي الحقيقي ولا يعرفونني إلا باسم (أبو رياح) ..
** كانت هذه المسلسلات هي اللبنة الأولى للدراما "السورية"، وقد لاقت قبولاً واسعاً على الصعيد العربي، فأصبح هناك أناس من "الخليج" و"مصر" و"المغرب" يقلِّدون اللهجة "الشَّامية"، وكل هذا بسبب المصداقية التي قُدِّمت فيها هذه الأعمال، لقد كنّا نمثِّل بروح عالية بحب لا مثيل له لهذه الأعمال التي أفتخر بها كثيراً.
** قمتُ بأعمال كثيرة فقد كنا نشتغل حتى لم يعد لنا القدرة على الشغل، لديَّ /34/ مسلسلاً ، و/7/ أفلام، والعديد من الأعمال التلفزيونية والإذاعية الأخرى، وبصراحة جميعها هامة بالنسبة إلي.
** أحياناً الأدوار تفرض نفسها، فمثلاً مسلسل (حمام الهنا) و(صح النوم) و(الخوالي) و(ليالي الصالحية) و(باب الحارة) كل هذه الأعمال "شامية" ولها ميزة خاصة والملاحظ أن اسم (أبو رياح) قد طغى على الرغم من تسميتي بـ (أبو جمعة) في الخوالي، و(أبو مرزوق) في باب الحارة.
** (أنتيكا) ، للمخرج "وليد الخالدي"، وهو أستاذ يدرِّس في جامعة "دالاس بأمريكا"، وهو عبارة عن حلقات يتم فيها تسليط الضوء على القضايا التراثية والشعبية والفلكلورية الشرقية والعادات والتقاليد العربية الأصيلة التي تعبِّر عن أصالتنا وعراقتنا، وهو كما أسلفت بالاشتراك مع الفنان "ياسين بقوش"، وسيباشر العمل به في الأيام القليلة القادمة بعد التحضير والتجهيز له.
** الفرق كبير، فقد حدثت هناك قفزات نوعية، فالحلقة كانت تستمر أسبوعين أو أكثر لتصويرها أما الآن فالوضع مختلف مع التقنيات الحديثة وأعمال الدوبلاج والمونتاج ومع ذلك فلكل مجتهدٍ نصيب وأتمنى من كل قلبي للدراما "السورية" المزيد من التطور والتقدم والنجاح، والفضل في كل هذا النجاح وأقولها بدون مجاملة هو للإعلام الذي سلَّط الضوء على هذه الأعمال حتى أخذت المكانة التي تستحقها .
** في الحقيقة السبب في هذه التجربة لصديق لي بأمريكا، وقد أنشأ مصنعاً للصابون، وطلب منّي أن أقوم بهذا الدور، في البداية وجدت الأمر صعباً، لأننا نحن "السوريون" ليس لدينا تجربة في الإعلانات، فقال لي، بالعكس تماماً إنَّ كبار الممثِّلين في "هوليوود" هم الذين يقومون بالإعلانات، فأقنعني وقمت بها ونجحت، ولكنني لم أعيدها لأن الناس لم يعرفوا "أبو رياح" إلا من خلال الصابونات (صابون الأهلية).
** كل فنان يحب العمل في "مصر"، لأن "مصر" رائدة في هذا المجال، وكان هناك مشاركة "لفريد شوقي" مع فنانين "سوريين"، وقد شاركت أنا بفيلمين معه، وقد أثبت الفنانون "السوريون" جدارتهم وتمكنهم في أداء هذه الأدوار، وقد كان الفنان "السوري" موفقاً غاية التوفيق في هذا المجال، أما بالنسبة لنا فنحن نفتح بابنا لكل الناس للتعاون والتمثيل المشترك.
** بالتأكيد دليل صحة، وكامل العافية، إن وجود المسلسلات هذه وانتشارها بهذه الكمية وتنقلها ضمن مراحلها وصعودها للسلم درجة درجة حتى توصلت وتربعت على قمة الهرم، وأتمنى أن تستمر هذه السلسلة من النجاحات إلى الأبد.
** ليست هذه التجربة الأولى في الفضائيات "العربية" بل سبقه مسلسل (كساندرا) والذي ساعد مثل هذه المسلسلات على النجاح هو جمالية اللهجة "الشامية" وقبولها عند الجمهور، والبيئة "التركية" تختلف عن البيئة "العربية" وقد ظهرت في المسلسل الكثير من المشاهد المنافية للقيم والأخلاق "العربية" وهذا يعتبر دخيل علينا، وأؤكد أن نجاح مثل هذه المسلسلات الفضل فيه "سوري" (أي لعمليات الدبلجة)، أما عني شخصياً فلم أتابع ولا أي حلقة منه ولم يعجبني أبدا.
** في الحقيقة لم يكن سفري برغبة مني، بل كان للعلاج، فقد تعرضت لمرض صعب قبل عشر سنوات تقريباً، وبما أن أبنائي مستقرون في أمريكا فقد سافرت إلى هناك للعلاج وها أنا الآن سليم معافى بين أهلي وأحبابي وجمهوري، أما أنا فلا أستطيع العيش بعيداً عن هواء "الشام" ولكن للضرورة أحكام.
** من أغرب ما حصل لي في "دير الزور" هو أنني دُعيت مرةً إلى (الثرود) وعندما توجهت إلى الوليمة مع بعض أصحابي وجلسنا بانتظار الغداء... شعرت وكأن شيئاً يدخل تحتي ويخرج من بين قدمي فنظرتُ فإذا هي أفعى.... فطار صوابي... لقد كان صاحب الدار مولعاً بتربية الأفاعي و.. و .. بكل الحيوانات المخيفة، يومها استقبلتنا جميع أنواع الحيوانات... وحتى المنقرضة منها، لقد ذهبتُ لآكل الثرود ، فخرجت لنا القرود.
ومن الطريف أيضاً أنني أقضي الساعات في الطريق لأن شعب "دير الزور" يوقفني ويطلب مني صورة للذكرى، لقد ذهبت لأحلق ذقني فامتدت لأكثر من ساعتين.
** أحبُّ أن أوجِّه تحية كبيرة إلى جميع أهالي "دير الزور" فرداً، فرداً، لأنَّ لهم عندي معزَّة خاصة.
الفنان في سطور:
"محمد الشَّماط" مواليد "دمشق العمارة" 1936
لديه ستة أولاد: "محمد عدنان"، "محمد عرفان"، "محمد رضوان"، "محمد غسان"، "محمد غزوان" ،"ناهد".