لا يزال الخيال الشعبي ينقل العشرات من الصور للذئب، إما بطلاً لقصة ما أو طرفاً مهماً فيها، وقد جاء ذكره في كثير من أساطير ميثيولوجيا ما بين النهرين وفي كافة الكتب السماوية. جاء في مختار الصحاح في شرح كلمة "ذأب": «يهمز ولا يهمز، والأنثى ذئبة، وجمع القليل أذؤب وجمع الكثير ذئاب وذؤبان».
eSyria حاول تسليط الضوء على هذا المخلوق وصورته في الفلكلور الشعبي الفراتي من زوايا عدة، فالتقى الباحث في التراث الشعبي الأستاذ "عامر النجم" الذي شرح خصوصية الذئب في منطقتنا بقوله: «تقع "دير الزور" في بادية الشام، والبادية- كما هو معروف- موطن الذئاب، كما تشتهر المحافظة بتربية المواشي، فلا بد من توارد ذكر الذئب بكثرة، وهو قرين الماشية، لذا احتل الذئب مكانة كبيرة في حياة الناس من قصص حول اعتدائه على الماشية إلى قصص ومغامرات مع الصيادين لذا احتل مكانة في الشعر الشعبي الفراتي، كقول الشاعر: «أنا والذيب والبومة على حد/ سوا وهموم دلاّلي على حد/ رماني الدهر ما دحج على حد/ وعاتبت الزمان على الجرى».
ونمت كنوم الذئب في ذي حفيظة/ أكلت طعاماً دونه وهو جائع. ينام بإحدى مقلتيه ويتقي/ بأخرى الأعادي فهو يقظان هاجع
وللذئب أسماء كثيرة في العربية منها "الخاطف" و"السرحان"، و"ذؤالة"، و"العملس" و"السلق" والأنثى "سلقة"، و"السمسام"، وكنيته أبو "مذقة" لأن لونه كذلك، قال الشاعر:
"حتى إذا جن الظلام واختلط/ جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قط".
والذئب صبور على الجوع، وجوفه يذيب العظم ولا يذيب نوى التمر وهو لا يعود على فريسة شبع منها، ومن عجيب أمره أنه ينام بإحدى مقلتيه والأخرى يقظة حتى تكتفي العين النائمة من النوم فيفتحها وينام بالأخرى.
قال الشاعر "حميد بن ثور": «ونمت كنوم الذئب في ذي حفيظة/ أكلت طعاماً دونه وهو جائع.
ينام بإحدى مقلتيه ويتقي/ بأخرى الأعادي فهو يقظان هاجع».
كما ذكر الباحث عبد القادر عياش مجموعة من المعتقدات الشعبية المتعلقة بالذئب، ومنها: «عندما يقع الطفل على الأرض أثناء سيره أو عندما ينهض من نومه تقول له أمه: "الله، اسم الذيب، الحاضر ما يغيب" وهذه الكلمات بمثابة تعويذة أو رقية ترقي بها الولد الذي تعتقد أن سبب وقوعه هو أن الجن أصابته، فإذا تلت هذه التعويذة هرب الجن وزالت الإصابة، لأن الجن عندهم يخاف الذئب.
يعتقد السكان أن الذئب عدو للجن، وأنه كلما شاهد نيزكاً يسقط على الأرض يركض باتجاه سقوطه الذي لا يسقط إلا حيث يتجمع الجن، ويحاولون الصعود إلى السماء بارتقاء بعضهم فوق بعض، ليسترقوا أنباء السماء التي ترسل النيازك لتصعقهم، والذئب يركض باتجاه نزول النيزك لكي يدرك بقايا الجن التي أهلكها النيزك، ويبحث بأظافره في الأرض عنها ليأكلها، وهو بذلك يشارك السكان اعتقادهم هذا.
تعلق الأمهات سن الذئب على ثياب الطفل أو على شعره، لاعتقادهن أنها تحمي الطفل من إصابة العين الشريرة التي يصوبها بعض الناس إلى الطفل، أو الأذى الذي يمكن للجن أن يلحقه بالطفل، وبعض الميسورين يصلون السن بالذهب في وسطه ويعلقون معه "ودعة" و"خضرْمة" و"خرزة زرقاء" "تعلق مجتمعة على كتف المولود الجديد" وهذه عادة شائعة في ريف الفرات في سورية والعراق وهو حرز "أي تميمة" من الحروز عندهم.
يتشاءمون من سماع عواء الذئب، فهو دليل شؤم ونذير بفقدان قريب، كما يتشاءمون من صوت الغراب.
يعلقون قسماً من ذنب الذئب على طاقية "قبعة" الطفل في ريف الفرات يكون بمثابة عرف وتميمة لحماية الطفل من العين الشريرة ومن الجن.
ينزعون العين اليسرى للذئب ويجففونها، يحملها من يريد أن يساهر الليل، وأما الذي يريد أن ينام الليل فيحمل العين اليمنى للذئب.
يعلقون جلد الذئب في البيت كتميمة لأنه يطرد الجن، وللزينة، ويصلون عليه.
يعتقد سكان بادية الفرات أن ذئاب بعض المواقع تُآخي الإنسان السالك في البرية، ترافقه ولا تؤذيه وتبره بجمل أو أكثر ويسمى خوي الذئب. فإذا رأت أشخاصاً قادمين ذهبت في حين أن ذئاب مناطق معينة مثل منطقة "البشري" في الشامية، و"الريجة" في الجزرة الفراتية، شرسة.
يعتقد السكان أن الشيطان يمكن أن يظهر بهيئة ذئب، ويخدع نظر الناس دون أن يستطيعوا كشفه، ولكن الذئب إذا شاهده يكشفه ويمزقه، وكذلك قالوا إن المنطقة التي يعيش فيها الذئب لا يقيم بها الشيطان ولا يمر بها».
كما التقينا الراعي "زياد ربيع الناصر" من فخذ "البو ناصر" المنتمي لعشيرة "المعامرة"، والذي لخص علاقة الذئب بقطيع الأغنام بالوقت الحاضر بقوله: «لاشك أن تطور الخدمات في وقتنا الحالي ساعد في تراجع الأذى الذي تلحقه الحيوانات المفترسة بقطعان الماشية، من وجود أسوار معدنية لحماية هذه القطعان، وكذلك استخدام الأسلحة النارية، إضافة لنقل الماشية أحياناً باستخدام شاحنات كبيرة، ولكن هذا كله لا يقلل من الخطر الذي قد يقع من قبل الذئب عند أي إهمال في حماية قطيع الأغنام، وكل راعي يحفظ عشرات القصص عن الذئب والأغنام، فطالما هناك أغنام تربى في مراعي فإن هناك ذئاب تتربص بها».
كما ذكر الذئب في الكتاب السماوية ففي التوراة: جاء ذكره في سفر إشعيا، الفصل12: «روحُ القوَّةِ والمَعرفةِ والتَّقوى، يبتَهِجُ بمخافةِ الرّبِّ. لا يقضي بحسَبِ ما ترَى عيناهُ ولا يحكُمُ بحسَبِ سَماعِ أُذُنَيهِ، 4بل يقضي للفُقراءِ بالعَدلِ، ويُنصِفُ الظَّالِمينَ بكلام العصا، ويُميتُ الأشرارَ بنَفخةٍ مِنْ شَفَتيهِ. 5يكونُ العَدلُ حِزاماً لوَسطِهِ والحَقُّ مِئزَراً حَولَ خَصرِه. 6فيَسكُنُ الذِّئبُ معَ الخروفِ، ويبيتُ النَّمرُ بجانِبِ الجَدْي».
أما في الكتاب المقدس فقد ورد ذكر الذئب أيضاً: «وما الأجيرُ مِثلُ الرّاعي، لأنَّ الخِرافَ لا تَخصُّهُ. فإذا رأى الذِئبَ هاجِماً، ترَكَ الخِرافَ وهرَبَ، فيَخطف الذِئبُ الخِرافَ ويُبدِّدُها». "مَثَل الراعي والخراف".
كما ورد الحديث عن الذئب في القرآن الكريم في سورة سيدنا يوسف عليه السلام، في قوله تعالى: «قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون (13) قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون (14) فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون (15) وجاؤوا أباهم عشاء يبكون (16) قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين (17)».
مصادر تم الرجوع إليها:
التوراة: جاء ذكره في سفر إشعيا، الفصل12.
الكتاب المقدس: مثل الراعي والخراف.
القرآن الكريم، سورة يوسف، الآيات من 13إلى17.
من التراث الشعبي الفراتي، مختارات من أعمال الباحث "عبد القادر عياش"، الجزء الثالث، الصفحة 342.