تزخر الموائد الفراتية عموماً والبوكمالية خصوصاً بأنواعٍ لذيذة من الأطعمة والمأكولات التي تطبخها أيادي الأمهات والجدات؛ وكل من له نصيب في تناولها لا بد أن يطلب المزيد رافضاً منح الراحة لمعدته، ومن أكثر هذه الوجبات دلالاً وغنجاً هي "الباجة" لما لها من مذاقٍ ونكهةٍ مُميّزة عن باقي المأكولات، فهي تحتاج إلى جهدٍ مضاعف وتعاون من جانب النساء أثناء التحضير؛ فتقول السيدة "وداد القاسم أم محمد":

«هذه الوجبة هي الأكثر إرهاقاً لربة المنزل إذ يحتاج تحضيرها إلى وقتٍ طويل؛ فعملية تنظيف أحشاء الخروف قد تستغرق بضع ساعات بالإضافة إلى الوقت اللازم للطهو وتجهيز الرز؛ لذلك تتعاون النسوة في إعداد هذه الوجبة المُتعبة لكنها بالنهاية طيبة المذاق».

هذه الوجبة هي الأكثر إرهاقاً لربة المنزل إذ يحتاج تحضيرها إلى وقتٍ طويل؛ فعملية تنظيف أحشاء الخروف قد تستغرق بضع ساعات بالإضافة إلى الوقت اللازم للطهو وتجهيز الرز؛ لذلك تتعاون النسوة في إعداد هذه الوجبة المُتعبة لكنها بالنهاية طيبة المذاق

ليست ربات البيوت وحدهنّ يعانيْنّ التعب والإرهاق عندما تكون وجبة اليوم هي "الباجة"؛ بل حتى أرباب المنازل يشكون من هذه الوجبة أثناء الإعداد لتحضيرها، لذلك يقول السيد "قتيبة إبراهيم":

منسف "الباجة" بعد التحضير

«عندما تُقرر زوجتي تحضير "الباجة" تُخبرني قبل ذلك بيومين حتى أُجهز نفسي؛ لأنه يجب عليّ الاستيقاظ باكراً والتوجه إلى سوق اللحامين للظفر بمتطلبات هذه الوجبة، فإن تأخرت عن الساعة السادسة صباحاً لن أحصل على شيء وسأعود فارغ اليدين ثم أستعد لمعركةٍ أخرى مع الزمن في صباح اليوم التالي».

تتألف "الباجة" من عدة أجزاء ذكرها القصّاب "خضر حسين" بالقول: «أفضل مواسم بيع توابع هذه الوجبة هو فصل الشتاء لأنها تمنح حرارة لجسم الإنسان أثناء تناولها، وتتألف من (رأس الغنم أو البقر ثم الكوارع أو الأرجل وأخيراً الأمعاء مع الكرش) حيث تتفنّن ربات البيوت في طبخها، كل واحدةٍ منهن على طريقتها، وما نلاحظه في عملنا هو أن سكان المدينة يُفضّلون شراء رأس الغنم، وذلك لسهولة الطهو لأنهم يعتمدون على أفران الغاز؛ أما أبناء الريف فيرغبون بالحصول على رأس البقر لاعتمادهم على مواقد الحطب. وكلما كان الخروف صغيراً في العمر كانت عملية الطهو أسرع وأسهل».

توابع "الباجة" أثناء وجودها في السوق

بدورها وصفت لنا السيدة "أمونه الأشعب" كيفية تحضير هذه الوجبة الدسمة؛ بالقول: «قبل كل شيء نقوم بتسخين وعاءٍ من الماء لدرجةٍ متوسطة، ثم نبدأ بتنظيف توابع هذه الوجبة (الرأس؛ الكوارع؛ الكرش؛ الأمعاء) بشكلٍ جيد وتستغرق هذه العملية نحو ساعتين أو أكثر، بعد الانتهاء نجهز حشوة الأمعاء والكرش والتي تتألف من رز مخلوط بلحمٍ ناعم، حيث يتم تتبيلها حسب رغبة ربة المنزل؛ ومعظم النساء يستخدمون (الفلفل الأسود؛ الهيل؛ نعنع يابس؛ بقدونس وبهارات مشكّلة) وفي هذه الفترة نكون قد وضعنا الرأس والكوارع في وعاء من أجل الطهو وتستغرق هذه العملية نحو ساعة تقريباً؛ بعدها نضيف "الكرش" و"الأمعاء" إلى ذات الوعاء بعد ملئهما بالحشوة حيث تكون هذه المرحلة هي الأخيرة يتم عبرها طهو توابع الوجبة، ثم تأتي مرحلة تجهيز الرز وتتم بالطريقة الاعتيادية كما تطبخه ربات البيوت عادةً. أخيراً نأتي بهذا الرز المطبوخ ونضعه داخل صحنٍ كبير (منسف) ثم نوزع عليه ما تم طهوه في الوعاء الأول بعدها نرش عليه من أجل الزينة بعض المواد مثل "الزبيب" و"الصنوبر" و"السمن العربي" وبهذا تكون وجبة "الباجة" جاهزة للأكل».

بما أن تجهيز هذه الوجبة يحتاج إلى وقتٍ طويل يسبق عملية الطهو من تنظيف وغسيل أحشاء ورأس الخروف؛ فقد ترفض الكثير من ربات المنازل المُقيمات في المدينة القيام بهذه المهمة الشاقة؛ لذلك أصبحت هذه العملية مصدر رزقٍ لبعض الأُسر ميسورة الحال، فتقول السيدة "عائشة خليل" /45/ سنة: «توفي زوجي منذ /10/ أعوام بعد أن ترك بعهدتي أربعة أطفال دون معيل؛ لذلك فكرتُ بالعمل لتأمين لقمة العيش لهم ولم أجد أي عملٍ يناسب وضعي وأطفالي إلا القيام بتنظيف وتجهيز توابع وجبة "الباجة" لأن الكثير من الزوجات إما موظفات وليس لديهن وقت أو يتقززن من رائحتها أثناء التنظيف، فكل وجبة أحصل على مبلغ /200/ أو /300/ ليرة ولا تستغرق سوى ساعتين أو أكثر بقليل وبالنهاية كله عمل».

شكل آخر لمنسف"الباجة"

الحاج "كسرى الأشعب" /58/ سنة بحسب معرفته ونتيجة سفره الدائم إلى "العراق" يرى بأن موطنها الأصلي هي بلاد الرافدين؛ فيقول: «كنا نسمع من أجدادنا منذ زمن بأن العراقيين هم أكثر الشعوب شهرةً بهذه الوجبة ومنهم انتقلت إلى دول الجوار؛ وخلال سفري المتكرر إلى "بغداد" لاحظت كثرة الإقبال عليها حيث تختص بعض المطاعم بتقديم "الباجة" لزبائنها، ومن أشهرها مطعم "باجة الباشا" والذي يقدم هذه الوجبة في الصباح الباكر عند الساعة /7.30/ وأيضاً في المساء الساعة /7.30/ ونادراً ما يأكلونها عند وجبة الغداء. وطريقة تحضيرها هي نفس الطريقة التي تتم لدينا هنا في "البوكمال" وتسمى بالطريقة "العانية" نسبةً إلى مدينة "عانة" العراقية».