لوحة فنية ومشهد رائع يحمل عبق الطبيعة وعناق المنجل مع سنابل القمح الصفراء تداعبها فيه خيوط الشمس وتحتويها تلك التربة، وذلك العرق المتصبب من رؤوس الفلاحين الذي تمسحه تلك الأيدي التي تشققت بفعل كثرة العمل، والسنابل التي تناثرت على الرأس والوجه، هذا هو موسم الحصاد موسم الخير، والذي بدأ منذ عدة أيام.
وللتعرف على هذا الموسم الذي يحمل بطياته كل الخير والبركة، والذي ينتظره الفلاح بفارغ الصبر، تحدث لموقع "eSyria" الفلاح "عبد الحسن" من قرية "العبد" قائلاً: «بدايةً يتم تجهيز الأرض لزراعة المحاصيل الشتوية من القمح والشعير، وتتم عملية الحراثة العميقة والتنعيم وبعدها تتم عملية زراعة المحصول مع إضافة الأسمدة، والسقاية فتتم عملية سقاية المحصول وبمعدل وسطي أربع ريات خلال الموسم تقريباً، وتختلف حسب طبيعة الأرض، فالأراضي الرملية تحتاج إلى عدد ريات أكثر من الأراضي الطينية والتي تحتفظ بالمياه لفترة أطول، وكذلك تحدد عدد الريات كمية الأمطار الهاطلة أثناء الموسم، ففي هذا العام كانت كمية الأمطار جيدة مما قلل عدد الريات وتكاليف السقاية.
إن إقبال الفلاحين على التسويق جيد لأن أسعار الحبوب المسوقة إلى مؤسسة الحبوب "بدير الزور" مرتفعة قياساً بالحبوب المباعة في السوق إلى التجار، ويتم التسويق حتى في أيام العطل لعدم تأخير الفلاح وتسهيل عمله، ويتم استقبال الأقماح من الفلاحين بنوعيها القاسية والطرية
وفي بداية الشهر الخامس تبدأ عمليات حصاد الشعير لأنه ينضج مبكراً قبل القمح، وفي نهاية الشهر تقريباً أو أقل من ذلك بحدود عدة أيام تبدأ عملية حصاد القمح، وحصاد القمح يتم بعدة طرق منها الطريقة اليدوية باستخدام المنجل، والمنجل عبارة عن قطعة حديدية هلالية الشكل ذات مقبض خشبي وتكون أطرافها الداخلية حادة، يمسكها الفلاح من المقبض الخشبي وينحني ويمسك بيده الأخرى مجموعة من السنابل ويقوم بتحريك المنجل باتجاه جسمه، وهنا تقطع السنابل من سيقانها وتتم بحركة فنية سريعة، فيتم تقسيم الحقل إلى شرائح طولانية وكل فلاح يأخذ شريحة محددة له إلى أن ينهيها، ويتم الحصاد مع الأهازيج الحماسية والتي تزيد من نشاط الفلاحين ومن هذه الأهازيج.
وان هلهلتي ههلنالج وطكينا البارود اكبالج/ وان هلهلتي يالديرية واحد منا يكابل مية».
ويضيف "الحسن" عن المرحلة التالية قائلاً:
«يجمع القمح المحصود على شكل بيادر، وهي أكوام كبيرة، بعدها يداس "يدرس" ففي القديم كان يستخدم "الحيلان" الذي تجره الخيول والبغال فيقوم بفصل الحبوب عن السنابل، ومن ثم يذرى وينقى من القش بواسطة الغرابيل اليدوية، وكذلك باستغلال التيارات الهوائية التي تساعد على إبعاد التبن عن القمح والذي يسقط مباشرةً لثقل وزنه، بعدها يعبأ القمح بأكياس.
أما الطريق الثانية فهي استخدام "الدراسة" وهي آلة تأخذ حركتها من الجرار بواسطة قشط، ويتم وضع السنابل فيها فتقوم بعزل الحبوب عن القش وغربلتها وتعبئتها بأكياس، أما التبن فيبقى على شكل أكوام خلف الدراسة ويتم نقله إلى الحظائر ليستخدم علفاً للحيوانات.
وعملية الحصاد اليدوي بواسطة المنجل ما زالت مستخدمة ولكنها اقتصرت على الحيازات القليلة للأراضي، وكذلك تستخدم في الأراضي الوعرة التي لا تدخل إليها الحصادة الآلية.
وأما الطريقة المستخدمة للمساحات الواسعة والمزارع فهي استخدام الحصادة الحديثة، وهي آلة متكاملة تقوم بعمليات الحصاد والدراس والغربلة والتعبئة للقمح والتبن كل على حدة وبشكل آلي وهي لا تحتاج إلى أيدٍ عاملة كبيرة كما هو الحال في الحصاد اليدوي».
وأضاف "عبد" قائلاً: «إن موسم القمح لهذا العام جيد مقارنة بالمواسم السابقة، بسبب كمية الأمطار المرتفعة قياساً بمواسم الجفاف في السنوات السابقة، ولأن القمح لم يتعرض لموجات الحر التي تجفف الحبوب قبل أوانها، ومن الأدلة على أن الموسم جيد هو أن الحبوب كبيرة وممتلئة وكاملة وذات مظهر برّاق».
وعن الموسم هذا العام التقينا المهندس "صالح مطر" وهو مسؤول عن عملية التسويق حيث قال: «إن إقبال الفلاحين على التسويق جيد لأن أسعار الحبوب المسوقة إلى مؤسسة الحبوب "بدير الزور" مرتفعة قياساً بالحبوب المباعة في السوق إلى التجار، ويتم التسويق حتى في أيام العطل لعدم تأخير الفلاح وتسهيل عمله، ويتم استقبال الأقماح من الفلاحين بنوعيها القاسية والطرية».
والتقينا التاجر "أحمد شحاذة" من تجار منطقة "الصالحية" حيث قال: «بالنسبة لموسم الحبوب هذا العام موسم جيد بالمقارنة بالأعوام السابقة، لأن هذا العام عام خير على جميع المحافظات السورية لذلك زادت كمية الحبوب وزاد الإنتاج بالنسبة للزراعات البعلية والمروية، أما بالنسبة لبيع القمح في الأسواق هذا العام فهو قليل لأن الأسعار في مؤسسة الحبوب أعلى مما هو عليه في الأسواق وعند التجار، لذلك يرغب الفلاح بالتسويق إلى المؤسسة لزيادة مردوده المادي، فالكميات المباعة للتجار إفرادية وتقتصر على عدة أكياس تعرض للبيع للذهاب بها إلى المطاحن الخاصة من أجل طحنها لصناعة خبز التنور، ونتمنى لفلاحينا مزيداً من الخير والعطاء لأن الخير يعم على الجميع ويفتح سوق عمل لشرائح مختلفة من الناس».