مربى "القرع" أحد مكونات المونة في المطبخ "دير الزور"، وتتفنن ربات المنازل في الماضي بطريقة إعداده، إذ يقدم للضيوف ويعتبر مؤشراً على براعة النساء في فن الطهو، ولكن هذا الحال تغير بسبب ندرة تصنيع هذا المربى من قبل ربات المنازل لغلاء السكر بالدرجة الأولى، إضافة لوجود ورشة خاصة لتصنيعه في "دير الزور" بحيث يشتريه المستهلك جاهزاً.
eSyria التقى واحدة من ربات المنازل الديريات وهي السيدة "أمل العبيد" فشرحت لنا هذا التفصيل بقولها: «امتنعت أغلب ربات المنازل عن صناعة مربى "القرع"، بسبب غلاء السكر بالدرجة الأولى واستهلاك هذا النوع من المربى لكميات كبيرة منه مما يجعل سعر الكيلو غرام من هذا المربى باهظ الثمن، الأمر الذي يجعلنا نتوجه لصناعة أنواع أخرى من المربيات».
يباع الكيلو غرام من خشاف "القرع" في الموسم بـ300 ليرة سورية، وبعد أن يوضع بصناديق خاصة يضاف له جوز الهند، والمكسرات "كالكاجو والقستق الحلبي، والبندق"
أما السيد "داوود العبود" وهو أحد أهالي مدينة "دير الزور"، فأضاف لنا عامل آخر لتراجع صناعة هذا النوع من المربيات، إذ يقول: «لعب انتشار تصنيع أنواع المربيات من قبل عدد كبير من معامل الكونسرة سبباً أساسياً في تراجع تصنيع الناس للمربى في المنازل إذ يتم شراؤه جاهزاً ودون بذل جهد لتصنيعه، وخصوصاً أنها تتوفر بأنواع مختلفة وأسعار معقولة طيلة أيام السنة».
وعن تقديم مربى "القرع" كطبق للضيوف عند أهل "الدير" خصوصاً في العقود الماضية، حدثتنا السيدة "زينب السليمان" قائلة: «تتفاخر ربات المنازل بصناعتهم لأنواع المربيات، ومربى "القرع" واحد من أصعب أنواع المربيات صناعة، لذا تعمد سيدة المنزل البارعة لتقديم طبق مربى "القرع" لضيوفها بعد أن ترش عليه جوز الهند للزينة وتنكيه الطعم».
وكان لابد لموقعنا من أن يلتقي بصاحب ورشة تصنيع القرع الوحيدة في محافظتنا، وهو الشاب "أحمد ملحم" من تجار "القرع" بدير الزور، فحدثنا عن الخطوات التي يحتاجها تصنيع مربى "القرع"، قائلاً: «بداية يتم تقشير "القرع" بقشارة حادة، ثم يتم إحداث فتحة دائرية من الأعلى والأسفل، وسحب كامل البذور، مع الألياف المحيطة بها، بعد ذلك يتم تقسيم "القرعة" إلى أقسام تسمى "بالحزوز" ومفردها "حز"، ثم إزالة اللحاء الملتصق بلب "القرع"، بعدها يقطع الناتج إلى قطع صغيرة، وهناك شكلين لتقطيعها إما بشكل "زيكزاك" أي "متعرج"، وذلك باستخدام أداة حادة متموجة الشكل، أو قطع عادية بشكل متوازي مستطيلات، وهناك طريقة ثالثة لحشو قطع "القرع" بالجوز وهنا تكون القطع سميكة عندها تحفر بمحفارة خاصة تجعل القطعة مجوفة لسهولة وضع الحشوة في داخلها».
ويخضع "القرع" ضمن مراحل تصنيعه إلى مربى لعملية تسمى "التكليس"، تعطيه القساوة وتمنع ما يسمى "بالتشكير" أي "تحول القطر إلى سكر" مما يسيء لمواصفات المربى المصنعة، وقد شرح لنا "الملحم" هذه العملية بقوله: «يوضع "القرع" في إناء ويضاف لكل 10 كغ قرع 300 غرام كلس حي، بعدها يطفأ الكلس بماء كافٍ لغمر "القرع" ونتيجة تفاعل الكلس مع الماء ترتفع درجة حرارته، بعدها يترك فترة حتى يبرد، ويبقى سبع ساعات بعد التكليس ويسحب من الكلس».
كما يحتاج مربى "القرع" إلى طريقة طهو خاصة تتطلب ساعات طويلة من الطبخ على نار هادئة، إذ يقول "الملحم" ملخصاً هذه الخطوة من التصنيع: «يتم تنشيف "القرع" من الماء بوضعه بمصفاة خاصة بعدها يغسل الناتج بالماء الفاتر لمدة ربع ساعة حتى تزول آثار الكلس، ونضع عيار الماء المخصص لطهو "القرع" فيضاف لكل 5 كيلو غرام قرع 5 كيلو غرام سكر، أما الماء فيضاف ضعفي السكر، وبعد أن يوضع الماء مع السكر تضاف ملعقة شاي صغيرة من ملح الليمون، وأيضاً هذه العملية تفيد في منع حدوث "التشكير"، ويوضع على النار حتى يغلي، ثم يوضع به "القرع" لمدة أربع ساعات متتالية، بعدها تضاف ربع ملعقة شاي من مادة "الشب"، مع المزيج قبل ربع ساعة من إطفاء النار وفي نفس الوقت يضاف قشر "برتقال" أو "يوسفي"، وعشر حبات "هيل"، وثلاثة أعواد من "القرفة"، ثم يسكب بعد تبريده بمرطبانات سعة 2.5 كغ بحيث ترصف قطع مربى "القرع" فوق بعضها البعض، ثم يضاف القطر».
وهناك طريقة أخرى لتصنيع "القرع"، والذي يقدم على شكل ضيافة كنوع من الحلويات يسمى "بخشاف "القرع"، بينها لنا "الملحم" بقوله: «وتكون هذه الطريقة بإضافة 5 كيلو غرام قرع يقابلها 7 كيلو غرام سكر، والماء ضعفي الكمية، بعد أن تمضي الأربع ساعات من الطهو يتم عزل "القرع" عن القطر بمصافي ثم يغلى حتى "يعقِّد" "أي يصبح لقطره سماكة بالقوام"، ثم يرجع "القرع" من جديد مرة أخرى ولمدة نصف ساعة ثم يصفى "القرع" عن القطر بمصافي، والغاية من هذه العملية هي زيادة تركيز السكر في خلطة "الخشاف" لتصبح غير صالحة لنمو الفطريات، "وتفسيرها العلمي هو أن يقوم السكر بسحب المحتوى الخلوي من الماء أو ما يعرف "بالبلزمة"».
كما أخبرنا السيد "أحمد الملحم" عن أسعار هذه المربيات في السوق "الديرية" بقوله: «يباع الكيلو غرام من خشاف "القرع" في الموسم بـ300 ليرة سورية، وبعد أن يوضع بصناديق خاصة يضاف له جوز الهند، والمكسرات "كالكاجو والقستق الحلبي، والبندق"».