"محمد سعيد الزعيم، فقيد الاقتصاد العربي" هذا الوصف أطلق عليه من قبل أصدقائه التجاريين والصناع السوريون أثناء وفاته. هو أحد الرحالة الاقتصاديين الذي ساهموا في ازدهار النهضة الاقتصادية في سورية، له بصمة واضحة في عالم البنوك والأعمال وتطور "علم المسالك والممالك" أو ما يسمى "أدب الرحالات".

كما كان من أكثر الناس تقديراً للأدب والأدباء، وخير دليل على ذلك دعوته "للأخطل الصغير" الذي نظم في "الشهباء" و"المتنبي" قصيدة لم ينظم أجمل أو أروع منها، وقد كان فيها بيتاً يشير إلى "محمد سعيد الزعيم" يقول: «"أيقنت أن سعيداً آخذ بيدي/ لما سما بي إلى إخوانه النجبا" تقديراً للرجل عن تكريمه للشعر والشعراء».

"أيقنت أن سعيداً آخذ بيدي/ لما سما بي إلى إخوانه النجبا" تقديراً للرجل عن تكريمه للشعر والشعراء

للتعرف على "محمد سعيد الزعيم" وإسهاماته في تطور علم الاقتصاد في سورية التقى موقع eSyria في مدينة "حلب" السيدة "أمية الزعيم" ابنة "محمد سعيد الزعيم" التي تحدثت في البداية عن نشأته بالقول: «ولد "محمد سعيد الزعيم" في "حماة" سنة 1905 ميلادية. كان من أبرز الشخصيات الوطنية في العشرينيات، حيث ساهم في الثورة السورية الكبرى وقاوم الاستعمار الفرنسي وألّف كتاباً عنوانه "كتاب مع ثورة حماة لسنة 1925 وفي غياهب سجونها وخواطر عن الحركة الفكرية القومية في مدينة أبي الفداء" الذي صدر في "حلب" عام 1962.

من اليسار إلى اليمين عمر ابو ريشة،محمد سعيد

عن نشاطه الاقتصادي تضيف "أمية الزعيم": «له في الميدان الاقتصادي جولات تذكرها "حلب" وسورية ودنيا العرب، خلال السنين الأخيرة لم يعقد اجتماع أو مؤتمر اقتصادي في سورية إلا وكان أحد أركانه أو الداعين إليه. ابتدأ نشاطه العلمي في خدمة الاقتصاد عام 1928 ولم يخفّ نشاطه خلال ثلث قرن كامل. تأسست بحلب نقابة تجارية بالعام 1928 وكان من أعضائها المؤسسين، وانتخب في العام نفسه أميناً لسر جمعية الاتحاد الاقتصادي وهو أصغر الأعضاء سناً في هذه الجمعية وفي تلك النقابة. انتدبته حلب وغرفة صناعتها- قبل أن يكون عضواً في مجلس إدارتها- لحضور المؤتمر الصناعي الاقتصادي الذي عقد في دمشق عام 1929 وانتخب أميناً لسر المؤتمر ومقرراً للجنته التنفيذية».

أما ما يخص رحلاته فيقول "خالد الزعيم"، الابن الأكبر للسيد "محمد سعيد"، «كان يقوم برحلات إلى البلدان الأجنبية لمدة أسابيع وأشهر، وقد زار "أوروبا الغربية والشرقية وأميركا الشمالية والبلاد الأفريقية وشرقي آسيا وأميركا الجنوبية واستراليا"، وما إن يتمم زيارته لدولة ما حتى ينصرف إلى تدوين مذكراته متضمنة ملاحظاته وتوجيهاته المبنية على الدقة والدراسة.

السيد خالد الزعيم، الابن الأكبر لمحمد سعيد الزعيم

كان "محمد سعيد الزعيم" مشغوفاً بدراسة كل سؤال يدور حول العلاقة بين الغرب والعرب، وهو الأمر الذي دفعه إلى تخصيص جائزة مالية كبيرة سنة 1931 بهدف القيام بدراسة حول مدى تآثر الآدب العربي بآداب الغرب، وقد اشترط أن يكون المتسابقون من حلب وحدها. وهذه الجائزة ساهمت في تسليط الضوء على شخصية "محمد سعيد الزعيم" وفهمه للثقافة والحياة. وقد اعتبرت تلك الدراسة على أنها واحدة من محطات تاريخ الأدب المقارن في سورية».

وعن هاجس "محمد سعيد" النهضوي يقول "خالد الزعيم": «كان هاجسه البحث عن إجابات حول التأثير والتأثر وحدود الخصوصية ومحاذير الانفتاح، ومدى تأثر الشخصية العربية التي كانت تبحث عن مخرج لها في معمعة السياسات العالمية وما تلاها من صراع بين القوى. وهذا تمهيد لفهم الإلحاح على فكرة الارتحال في كتابات "محمد سعيد الزعيم" من مبدأ أن الرحلة هي الطريق إلى معرفة الحقيقة».

السيدة أميمة الزعيم في إحدى ندوات تكريم والدها

وعما تمتاز به شخصية "محمد سعيد الزعيم" أضاف "خالد": «كان يتمتع بمميزات تؤهله للخوض في هذا الميدان الصعب، فهو عدا أنه لديه من العلم والمعرفة قلما نجده عن أحد، إلا أنه أيضاً يمتلك ثقافة موسوعية لم تتوافر للكثيرين. كما أن تجاربه الاقتصادية والصناعية والتجارية لم تمنعه من جمع مكتبة فيها أهم كتب الأدب العربي القديم والحديث، كما أنه رجل خبر الحياة بكافة أشكالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وقد دفع ثمن مواقفه الوطنية وتقلد أعلى المناصب الحكومية والنقابية».

وأضاف: «رافق "محمد سعيد الزعيم" النهضتين الاقتصادية والسياسية في مطلع شبابه في صف "الرعيل الأول" الذي كان يقوده في شمالي سورية الزعيمان المرحومان "ابراهيم هنانو" و"هاشم الأتاسي". ولما خلفهما في القيادة المرحوم "سعد الله الجابري" انضم "محمد سعيد الزعيم" إلى الكتلة الوطنية في "حلب" ودعمها بصندوق مالي مستقل يشرف على تنظيمه وتوفير موارده حتى غدا من أنشط الفروع العاملة. لما تأسست الجامعة العربية سنة 1945 كانت دراسته في مقدمة برامج أعمالها، وقد دُعي مع إخوان له كثيرين وانبثق عنها أول مؤتمر تجاري واقتصادي عربي أصبحت له اليوم دورات سنوية.

ساهم "محمد سعيد" في تأسيس أكثر من نقابة اقتصادية منها النقابة التجارية التي تأسست بحلب سنة 1928 وغرفة التجارية السورية- الرومانية- اللبنانية التي تأسست ببيروت سنة 1937 وتأسيس الغرفة التجارية المصرية- السورية- اللبنانية سنة 1939 وتأسيس أول نقابة لأصحاب معامل النسيج الميكانيكي بحلب سنة 1945. هذا عدا تمثيله "حلب" وبعض الدول العربية في أكثر من مؤتمر صناعي واقتصادي وتجاري».

بعض الكلمات التي كتبت عن "محمد سعيد الزعيم" كلمة "عبد المجيد شومان"، المدير العام للبنك العربي قائلاً: «انضم المرحوم إلى عضوية مجلس إدارة البنك العربي لحقبة طويلة امتدت ما بين الأعوام 1947 إلى 1962، فهو من الرجال الذين خدموا أمتهم بكل تفان وإخلاص وأصبح وزيراً للمالية لسورية في الخمسينيات حيث كان له الباع الطويل في الاقتصاد الوطني في سورية. وقد قاوم المرحوم الاستعمار الفرنسي وعذب في سبيل وطنه العربي مثل باقي الشخصيات السورية والعربية التي قاومت الاستعمار، وكان من الذين يدعون إلى التعاون العربي والوحدة العربية"».

وقال "بدر الدين الشلاح"، الاقتصادي السوري: «"محمد سعيد الزعيم" هو مهندس حقيقي للحياة الاقتصادية السورية، كان يدرك أنه بلا سوق عربية فإن اقتصاد كل جزء من أجزاء الوطن العربي سيكون ضعيفاً ومعرضاً للهزات، وكنا معاً ومع عدد من الاقتصاديين الكبار كالسيد "علي شكري خميس" من "مصر" و"عبد الحميد شومان" من "الأردن" وغيرهما نعمل على وضع أسس هذه السوق العربية المشتركة».

ومن الجدير ذكره أن للأستاذ "محمد سعيد الزعيم" عدد من المؤلفات منها "تاريخ حلب الاقتصادي"، "رحلة إلى الشمال الإفريقي ووقفة على أطلال الأندلس"، "مع ثورة حماة وفي غياهب سجونها". ومن الأوسمة التي نالها الوشاح الأكبر من نيشان النيل ووسام الكوكب الأردني من الدرجة الأولى سنة 1953 والاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة سنة 1953 ووسام الأرز اللبناني سنة 1956، وحمل معه أكبر وسام يوم افتتاح أول جلسة لمجلس إدارة الغرفة بحلب بعد وفاته، وتم إقرار وضع صورته في قاعة الاستقبال الكبرى اعترافاً منهم وتقديراً للجهد الذي بذله الرئيس الراحل في سبيل هذه الغرفة وفي سبيل تجار "حلب" والاقتصاد السوري.