يعتبر صيد السمك في منطقة الغاب التابعة لمحافظة حماة من الهوايات المفضلة لدى سكان المنطقة, وقد دأب الأهالي على الخروج للصيد للترويح عن أنفسهم وتأمين وجبة غذائية ثمينة لذويهم, وفي حالات قليلة للتجارة والبيع.

وفي مهرجان ربيع حماة بدورته الحادية عشرة كان صيد السمك من الفعاليات الحاضرة في المهرجان حيث تم تنظيم مسابقة لهذه الهواية, شارك فيها /12/ شخص من أهالي منطقة الغاب, وبعيداً عن نتائج المسابقة كان لموقع eHama وقفة مع الصيادين الذين شاركوا بالمسابقة للحديث عن صيد السمك في المنطقة والخصوصية التي يمتاز بها.

بداية التقينا الصياد محمد شحود مشهور البالغ / 58 / سنة من العمر حيث حدثنا عن صيد السمك بقوله:" صيد السمك بالنسبة لي هواية مستمدة من تراث الآباء والأجداد, حيث يذهب المرء منا إلى الصيد مصطحباً معه الشاي وقرطل القصب لوضع السمك الذي يصطاده, وببساطة هي رحلة للترويح عن النفس بعد عناء يوم كامل من العمل المضني في الأرض أو المهنة, ومع قضاء عدة ساعات بالصيد يعود المرء لمنزله مصطحباً معه صيده, وفي الغالب لا يتجاوز هذا الصيد كمية تصلح لتكون وجبة للعشاء, وباعتبار أني أمارس الصيد كهواية وليس مهنة فليس من المهم الكمية التي اصطادها من الأسماك بل المهم عندي هو جمالية الوقت والمتعة التي أحصل عليها من صيدي, وأنا أمارس هذه الهواية منذ أكثر من ثلاثين عام, ومع ذلك فأني أشعر بالحزن والأسى حين أعود للبيت مكسور الخاطر دون أي صيد, وهذه الحالات نادرة الحدوث, أحياناً يأتي أبنائي معي للتسلية حيث نقضي وقتاً ممتعاً في الصيد".

الصياد خليل درويش

من جهته قال الصياد يحيى العلي ابن الخامسة والسبعين من العمر لنا:" اليوم أجلس مراقباً الصيادين حيث أرى فيهم عزيمة الشباب, وفي أيامنا كان الصيد يتم في ( الشقة) " مكان لتجميع المياه " حيث كان بإمكان أي شخص أن يمارس الصيد, والصيد كان يتم بوساطة " الشواليف" ( شبكة للصيد تصنع من خيطان النايلون أو الحرير والقصب) حيث يقوم أحد الصيادين بمطاردة الأسماك بضرب المياه بعصا المكنس ( نوع من النبات يكثر في منطقة الغاب ) فيهرب السمك باتجاه ( الشواليف ) ويعلق بها, أما اليوم فقد تعددت وسائل الصيد, ومنها الصنارة أو القصبة حيث يضع الصياد الطعم للسمك في نهاية الخيط الموصول بالصنارة وينتظر وصول السمك إليه".

في حين استرجع الصياد خليل درويش ابن الخامسة والثمانين من العمر, ذكريات الصيد في زمنه أثناء حديثه معنا فقال:" كان الصيد في زماننا يحتاج إلى مهارة أكثر ودقة وصبر وشدة, حيث كنا نصطاد بوساطة الحديد ( أداة تشابه الرمح ذات رأس مدبب ) وكان الصيد متوفراً في أي بقعة من الغاب, حيث كانت المياه وفيرة في المنطقة, وكان يوجد أنواعاً من الأسماك التي نفتقدها اليوم مثل السلمون والسلور والشبوط , وكانت هذه الأنواع متوفرة بكثرة ".

ولم ينسى الصياد العجوز خليل درويش أن يعتبر الصيد بوساطة الصنارة والقصبة أمراً متطوراً بالنسبة لما كان عليه الصيد في زمانه, متمنياً أن يعود به الزمن ليشارك الصيادين في مسابقتهم هذه.

المهندس محمد علي صالح نقيب المهندسين الزراعيين بحماة وفي حديثه معنا قال :" صيد السمك بالنسبة لأهالي منطقة الغاب عموماً وأفاميا خصوصاً يعتبر من الهوايات القديمة والتي استمرت لليوم, ومن المعلوم أن الغاب كان مملوءاً بالمياه وكان الصيادون يذهبون للصيد مع حلول المساء وبخاصة في الليالي المقمرة, حيث كان يسمع أهازيجهم وغنائهم في المنطقة طيلة فترة الصيد, وكانت لهم أهازيج خاصة بالصيد, كان الصيد بالنسبة للأهالي نوع من أنواع التفاعل الاجتماعي فيما بينهم حيث يلتقي الرجال والشباب في الصيد يتسامرون ويضحكون ويقصون الحكايات ويتناقلون الأخبار, وكان الصيد بالنسبة للبعض ترويح عن النفس, وتمضية للوقت للبعض الآخر, ووجبة عشاء دسمة لآخرين, واليوم نحن بإدراج مسابقة صيد السمك إنما نحاول الإبقاء على هواية صيد السمك والحفاظ على تقاليدها بعيداً عن طمع التجار واستغلال ضعاف النفوس ثروات مياهنا بطرق دنيئة".

وحتى الأستاذ عبد الرزاق القطيني محافظ حماة حاول ممارسة صيد الأسماك ومشاركة الصيادين هذه المتعة بعد انتهاء المسابقة, وفي حديثه معنا قال:" هذه أول مرة ندرج فيها فقرة صيد السمك بمهرجان ربيع حماة, وهي فقرة تهدف لإعادة الذكريات لمن شارك فيها أو شاهدها من الصيادين عندما كان سهل الغاب مغموراً بالمياه, ونتيجة لتفاعل الأهالي مع هذه الفقرة تشكلت لوحة فنية جميلة كانت مفرداتها الصنارة والسمكة والصياد وقرطل القصب حيث غلة الصيد, ونحن استمتعنا بهذه الفقرة كثيراً كما استمتع بها ضيوف المهرجان".