في رحلته التي تبدأ أوائل شهر "أيلول" تجد الطيور الجارحة نفسها في صراع من نوع جديد، صراع ليس للبرد وقساوته علاقة بما يجري، إنما هو هاجس الإنسان في تطويع من يحلق في الأعالي، لا يرانا سوى نقاط تتحرك، وإن امتاز بحدة النظر، فإن العين البشرية ترصده وهو المسيطر في الأعالي.
واليوم وفي موسم الصيد نلتقي أحد الصيادين الذي ما إن يأتي موسم الصيد إلاّ وتراه منشغلاً في التحضير لرحلة قد تمتد لشهر أو أكثر وربما ليوم إن وقع على صيد فور وصوله، فكل شيء مرتبط بالحظ أحياناً كما يعتقدون. إنه "نادر سليمان الآغا" "صائد الحر" وموقع eHama التقاه قبل بدء الرحلة11/9/2008، ليضعنا على أدق تفاصيل ما يجري، قبل، وأثناء، وفور انتهاء موسم الصيد.
في إحدى المرات اصطدت طائراً نشب عليه خلاف كما ذكرنا سابقاً، وكان أن تشاركنا مع /12/ فريقاً، قسّم ثمنه على الجميع
عن التحضيرات يقول لنا: «في كل عام وفي مثل هذه الأيام من شهر "أيلول" يبدأ موسم صيد "الحر"، وأول ما نقوم به، هو تشكيل الفريق المتضامن بكل شيء، ثم نقوم بشراء "خبز أسمر" وحاجتنا في الرحلة قد تحتاج إلى /300/ رغيف، نقوم بوضعها تحت أشعة الشمس كي تصبح يابسة، بعد ذلك نلف كل ثلاثة أرغفة، على شكل مثلث، وبعدها توضع في مكان محفوظ لا يدخله الهواء، وهناك في الصيد بمجرد أن نرش بعض رذاذ الماء على الرغيف يعود طرياً. كذلك لا بد أن تكون "شباك" الصيد جاهزة، وهي مجهزة لصيد الطائر الحر (الصقر) بحيث نضعها على ظهر الطريدة وهي تتكفل بمسك مخالب الطير الذي لن يستطيع أن يحط على الأرض ومخالبه مكبلة، فيضطر لقطع مسافات ترهقه في نهاية الأمر، فيضطر للهبوط، وانتظارنا كي نمسك به، لأنه لن يكون بمقدوره الطيران من جديد ومخالبه مكبلة بالطريدة، وهناك خيمة للمنامة وللأكل، حيث يوضع فيها كل المؤن التي نأخذها معنا، ولا ننسى احتياطي الوقود للسيارة».
وعن فترات الصيد، يقول السيد "نادر الآغا": «هناك فترتي "قنص" صباحية، ومسائية، و"مقناص" الفترة الصباحية ، تبدأ عند الساعة /الخامسة/ صباحاً وتنتهي عند الساعة /التاسعة/ ، ثم نعود للخيمة في فترة استراحة، لنعود في "مقناص" الفترة المسائية، والتي تبدأ من الساعة /الرابعة والنصف/ مساءً، ولغاية مغيب الشمس، وعدم وضوح الرؤية».
وعن الطرائد التي يستخدمونها في استدراج "طير الحر" يذكر لنا: «أكثر ما نستخدم كطُعم للطيور، طائر "الحمام" ومعروف عن "الحمام" أنه يخاف عندما يشعر بوجود طائر جارح، فيضطر للهرب، ولا ينزل الأرض، وهذا هو المطلوب، فهو يساعدنا في الإيقاع بالطائر الذي نريد اصطياده، وهناك عبارة شائعة تقول: (طير الحمام بينكسر ضهرو إذا شعر بوجود طير جارح). يمكننا أن نستخدم طائر "الباشق" وهو من فصيلة "الجوارح" لكنه أقل قيمة من "طائر الحر" وهذا نضع على عينيه ما يمنع الرؤية (البرقع). كما نسمي الطعم، أي "الحمام" و"الباشق" نسميه "نكل" بلفظ حرف الكاف "جيماً" على الطريقة "المصرية"».
وعن المسافة التي يستطيع "طائر الحر" أن يقطعها والطعم في مخلبيه يقول: «عندما يعلق الطائر بالشبكة، يعرف أنه وقع في المصيدة، فيضطر للهرب أبعد مسافة، وهو الذي يرى السيارات من تحته تنطلق بسرعة حيث يتجه هو، وكثير من الطيور قطعت مسافة تصل لـ /30/ كيلومتر. وأحياناً لـ كيلو متر واحد، وهذا يعود لقدرة الطائر على الطيران وهو مكبل من مخلبيه».
وعن أنواع الطيور التي يرغب باصطيادها أكثر من غيرها، يقول السيد "نادر": «للطيور أنواع كثيرة، ولكن أهمها "طير الحر" أو المعروف بـ "الصقر" يليه طائر "الشاهين" ومن ثم "الغوسيّة" ولطائر الحر أنواع تعتمد في أهميتها على لون الطائر، فأهمها نزولاً (الأبيض ـ الأسود ـ الترابي ـ الأحمرـ الأصفرـ الأخضر). ومن أشهر أنواع "الشاهين" هو ذو اللون "السماوي" و"الشاهين" يكون على الأغلب "أنثى" ولكن حجمها كبير، وهي أم لـ "الغوسيّة" وهذه الأخيرة، أنثى بحجم أصغر، وبألوان عدة أشهرها (البيضاء ـ فالسوداء ـ وأخيراً "المزرزرة")».
وعن أسعار الطيور، يقول ضيفنا: «أغلى أنواع الطيور هو "الحر" ذو اللون (الأبيض) يليه (الأسود) والأسعار يتحكم بها شكل الطائر، ولونه، وطوله، ولكي يباع الطير يجب ألاّ يقل ارتفاع رأسه عن الأرض وهو واقف، عن /38/ سم. وما دون ذلك فلا يُرغب بشرائه. أما عن أسعار الطير فقد تبدأ من /150/ ألف "ليرة سورية" وتصل إلى /20 أو 30/ مليون "ليرة سورية"».
وعن أكثر الدول التي تشتري الطيور يذكر لنا السيد "نادر الآغا": «بالنسبة لنا كصائدي طيور، نعرض ما نصطاده على مكاتب متخصصة في شراء الطيور، وبيعها، وهناك مكاتب منتشرة في كل من "دمشق" و"حلب" ومنطقة "الرحيبة" شرق "دمشق" وهذه المكاتب تقوم ببيع الطيور، وأكثر الدول التي يباع لها "طائر الحر" هي دول "الخليج العربي" ويستخدمونها هناك في اصطياد "اللؤلؤ" ويقال أن هناك "سمك" يحمل في داخله "لؤلؤاً" يستطيع "طير الحر" أن يصطاده، وهي التي تبقى قريبة من الشاطئ».
وعن المشاكل، والنزاعات التي تحدث بين الصيادين يقول السيد "نادر":
«قد يقع خلاف على طائر، يدّعي كل فريق أنه رأى الطائر قبل الفريق الآخر، وينطلق الفريقان خلف الطائر، ومتى تم اصطياده ينشب الخلاف على من هو صاحب الطير، وفي النهاية يضطر أصحاب النيات الحسنة بالتدخل، وحسم الخلاف، وفي النهاية، الحكم النهائي، هو الشراكة».
وإن كان ممن حالفهم الحظ ووفقوا في الصيد، يقول السيد "نادر الآغا": «في إحدى المرات اصطدت طائراً نشب عليه خلاف كما ذكرنا سابقاً، وكان أن تشاركنا مع /12/ فريقاً، قسّم ثمنه على الجميع».
ومن الحوادث المؤلمة يذكر لنا قصة حدثت مع والده، فيقول: «كنت برفقة والدي رحمه الله، وكان أن اصطاد طائراً يتوقع أن يضرب رقماً قياسياً في سعره، وعدنا لفورنا فرحين، لكن المنطقة بعيدة عن "سلمية" وداهمنا الليل، فاضطر والدي أن يكون ضيفاً عند معارفنا من "البدو" وفرح أصحاب أبي، ونحرت الذبائح، وأقيم حفل في "بيت الشعر" طبعاً والطائر لا يرى ما يحدث حوله، لأن "البرقع" على عينيه، إلاّ أنه يسمع
وبعد أن خلدنا إلى النوم، استيقظنا صباحاً على هول الفاجعة، لنجد أن الطائر قد مات، مع العلم أن أحد الحاضرين تلك الليلة قد دفع مبلغ مليون ونصف المليون ليرة سورية ثمناً له. هذه الحادثة لم ولن تذهب من مخيلتي، وكم كان الموقف حزيناً، فالبارحة كنا في قمة السعادة، واليوم، في لحظة لا يمكن تفسيرها، أو وصفها».