«لا أعلم بالضبط كم عمر مهنتي "الفرواتي"، ولكنني أعتقد أنها من أقدم المهن لأن الإنسان لجأ إلى الطبيعة أولاً ليغطي جسده، ثم إلى الحيوانات وجلودها، وما زال إلى حد اليوم على الرغم من انحسارها من جراء الصناعات المتطورة للنسيج والأقمشة والفرو والجلود الصناعية، لذلك فقد أصبحت يوماً بعد يوم مورداً للتعب أكثر من كونها مورد رزق.. خاصة أنني أجوب يومياً كيلو مترات عديدة باحثاً عن زبائن، ومع ذلك فأنا ماض في خوضها كمهنة تشبه الحياة، ولن تتوقف بالنسبة لي حتى يتوقف النبض في صدري».

هذا ما قاله السيد "محمد عبد الله الحموي" عن مهنة "الفرواتي" لموقع eSyria بتاريخ 15/5/2009 الذي التقاه في مدينة "حماة" وهو يبيع قطع الفرو المصنوعة من جلود الأغنام والذي حدثنا عن نفسه وعن عمله بهذه المهنة القديمة قائلاً: «أنا من سكان محافظة "حلب"، ومهنتي هي مهنة "الفرواتي" أي تصنيع جلود الأغنام إلى قطع يستفيد منها الآخرون، فإن والدي لديه محل خاص بهذه المهنة أي محل صباغة ودباغة للجلود في مدينة "حلب"».

إن المدة الزمنية لإنهاء القطعة الواحدة من الجلد تختلف ما بين فصل الصيف وفصل الشتاء، ففي الصيف تكون المدة من 15 إلى 20 يوماً حتى نجهز القطعة بينما في الشتاء تستغرق 30 يوماً

ويتابع السيد "محمد" الحديث عن كيفية شرائهم لجلود الأغنام وتنقيتها فيقول: «يوجد العديد من الجلود ولكل واحدة ثمنها الخاص، فالأغلى ثمناً هو جلد الخروف الصغير الذي يسمى بالخروف "الوردي" وجلد الخروف الصغير يصنع منه "الفروات العربية" و"النصاصي"، أما عن تنقيتها وتصنيعها فتفرز الجلود المضروبة والناقصة مع بعضها وتصنع كي تباع في داخل القطر والاستفادة منها في المد العربي وغيرها من هذه الأمور، وتفرز الجلود المكتملة مع بعضها أيضاً وتصدر إلى خارج القطر لتصنيعها "حقائب" و"أحذية" و"معاطف جلدية"».

تجوله في محافظة"حماة"

وعن طريقة تنظيف الجلود التي يشترونها يقول: «يتم تنظيف هذه الجلود بغسلها بالماء والملح ومادة "الشبة"، فمادة "الشبة" نستعملها من أجل تنشيف الجلد والملح نستخدمه من أجل تنظيفه من الرائحة المنفرة التي تصدر عن الجلود عادة، ولا بد من ذكر أن دباغة الجلود القديمة تتم بمادة "الشبة" والملح بينما الدباغة الحديثة تتم على طريقة "الكروم" وهي طريقة أوروبية».

ويضيف: «إن المدة الزمنية لإنهاء القطعة الواحدة من الجلد تختلف ما بين فصل الصيف وفصل الشتاء، ففي الصيف تكون المدة من 15 إلى 20 يوماً حتى نجهز القطعة بينما في الشتاء تستغرق 30 يوماً».

مع أحد الزبائن

وعن متاعب مهنته من حيث عمله بها كبائع متجول وليس صاحب محل ثابت ومعروف يقول: «يوجد الكثير من الناس الذين يسألونني في اليوم الواحد، فمنهم من يشتري والآخر يسأل فقط فعذابنا يكمن في التجوال والتنقل من مكان إلى آخر وتقديم الشروح المطولة عن هذه الأعمال، فتقريباً من أصل 100 شخص يسأل يوجد منهم 10 أشخاص يشترون، لذلك وصلنا إلى مرحلة بتنا نعرف فيها من ملامح الزبائن إن كان سيشتري أم أنه يسأل فقط».

أما عن عائلته وعن الشيء الذي تعلمه من تجواله بين المحافظات ببيع هذه القطع يقول: «نشأت في عائلة مؤلفة من 10 أشخاص ذكور منهم 6 أشخاص تابعوا العمل معي بهذه المهنة التراثية، أما عن الشيء الذي تعلمته من التجوال ببيع القطع الجلدية هو الصبر والمعاملة الحسنة مع الآخرين والرضى بالرزق القليل».

يحلم بأن يصبح لديه محل دباغة خاص به

وفي رد على سؤالنا حول أكثر الشرائح الاجتماعية شراءً لمنتجاته يقول: «أكثر الذين يقبلون على شراء يضاعتي هم كبار السن.. والبدو بشكل خاص، لأنهم ما زالوا يحافظون على زيهم، إضافة للقرويين، فالفروة العربية الشهيرة تعد من أهم ما يحتاجه البدوي في الشتاء، وأعتقد أنها مهنة باقية ما دام البدوي باق، أيضاً هناك اهتمام من قبل النساء لوضعها في صالون المنزل كديكور أو على الكراسي الهزازة».

وقبل أن ينهي السيد "محمد" حديثه قال: «لعل جل ما يتمناه المرء من مهنته هو أن تجعله يعيش حياة كريمة، من هنا فأي تحسن يطرأ على حركة البيع والشراء بشكل عام فإنه ينعكس على هذه المهنة وعليّ بالفائدة، فهي تعتبر من المهن التراثية الأصيلة، وبقاؤها يعني مؤشر خير يدل على اهتمام الناس بتراثهم».