تعد صناعة الفخار من أبرز الصناعات التقليدية اليدوية التي اشتهرت بها منطقة الجزيرة، ولا تزال عائلة السيد "ميساك انترانيك بيدروسيان" في مدينة القامشلي العائلة الوحيدة المستمرة في مزاولة هذه المهنة. فقد استلزمت طبيعة الحياة في الجزيرة قيام مثل هذه الصناعة وذلك بالاعتماد على الطين المحلي بعد المرور بمراحل تصنيع عديدة تحول خلالها الطين إلى أدوات منزلية كالبرادات وآنية الطبخ.

السيد "ميساك انترانيك بيدروسيان" الذي أتقن هذه المهنة عن والده وتفنن في إتقانها وعلمها لأبنائه. وباعتباره خبير تربة فقد جال بين المناطق والمحافظات السورية كافة ثم عاد إلى مدينته العريقة القامشلي ليتم ما بدأ به جده وأباه من عمل ألا وهو صناعة الفخار.

حبي لهذه المهنة التي ورثتها عن أجدادي هو الذي دفعني إلى مزاولتها

صنع العم "ميساك" تماثيل لبعض الشخصيات السورية البارزة، واخترع ألواناً خاصة به لتزيين الفخار المصنع من قبله، كما صنع آلة يدوية لعجن الطين، واليوم يتركز عمل العم "ميساك" وأبنائه على تصنيع الفخار الذي يطلبه التجار كمصدر للرزق ولأنه يحب هذه المهنة المتوارثة العريقة.

العم ميساك يعلمنا طريقة صنع الفخار وابنه يصنعها

وعن الأدوات والمواد الأولية المستخدمة لتصنيع الفخاريات يقول العم "ميساك": «تتألف أدوات صنع الفخار من حفرتين واحدة لوضع التراب فيها والثانية لتصفيته من الشوائب، والقاعدة المعدنية والميل المعدني أيضاً ومن دولاب من الخشب لتدويره بالأرجل والقرص المعدني الذي يوضع عليه الطين لصناعة الأشكال المطلوبة، والخيط لتقطيع الفخار حسب الشكل المطلوب، وأكياس من الخيش لتنشيف الطين، وأخيراً الفرن المؤلف من طابقين الأول للحرق والثاني لوضع أشكال الفخار الكبيرة فيه ثم الصغيرة.

أما المواد الأولية المستخدمة في صناعة الفخار فهي التراب والماء ولإكساب هذا التراب الألوان يستخدم الحديد للون الأحمر، والنحاس للون الأخضر، والبرونز للون السماوي، الحديد والنحاس معاً للون الباذنجاني، الرصاص أو الحجر النبكي لصناعة البورسلان، والملح للون الأبيض».

لعم ميساك يفتح فوهة الفخارة لوضع النقود فيها

أما عن عملية صنع الفخار فيتابع العم "ميساك" حديثه بالقول: «يجلب التراب (البيرون) ويحرك في الحفرة الأولى ويغربل بالماء ثم يصفى بالحفرة الثانية حيث يترك لمدة أسبوع ليجف ويتحول إلى طين (صلصال) يقلب ثلاث مرات مع العجن بالأرجل ليكتسب قوة وقساوة، وبعد ذلك يعجن باليد ليصبح شكله بيضوياً ويسمى هنا (جوم).

وبعد أن يأخذ الشكل البيضوي يوضع على القرص المعدني الأملس ليصنع بالشكل المطلوب عندها توضع الفخاريات في غرفة التدفئة لمدة أسبوع لتجف وبعدها توضع بالفرن (الكور) حيث تكون درجة الحرارة 60 درجة وترتفع تدريجياً لتصل إلى 1200 درجة ويترك الفرن مغلقاً لمدة /24 ساعة/ ثم يستخرج الفخار من الفرن ويرش بالماء مرتين ليصبح قاسياً وقوياً كالكلس، عندها يعرض للبيع».

الأفران

يضيف العم "ميساك" قائلاً: «إن سر بقاء هذه المهنة هو الإبداع، والإبداع لا حدود له ويكمن سر المهنة في حركة الأنامل وتناغمها مع حركة الأرجل وحينها يشعر الفخاري أنه يعزف على آلة موسيقية وأن الفخار ينطق بكلمات شاعرية».

وعندما سألنا الشاب "ناريك" ابن العم ميساك عن السر في مزاولته لهذه المهنة المنقرضة تقريباً والتي لا تلبي احتياجات الجيل الحالي من الشباب فأجابنا: «حبي لهذه المهنة التي ورثتها عن أجدادي هو الذي دفعني إلى مزاولتها».

تعاني فاخورة العم "ميساك" وأبنائه من قلة اليد العاملة الخبيرة بالتربة، وقلة المواد الأولية، ومن عدم اهتمام الدولة بهذه المهنة الأصيلة المهددة بالانقراض. ويأمل العم "ميساك" من الجهات المعنية كوزارة الاقتصاد مثلاً أن تسهم بتمويل المشاريع الخاصة بهذه المهنة والمساهمة بإنتاج الفخاريات لما تمثله هذه المهنة من جدوى اقتصادية كبيرة في حال تسويقه في الأماكن السياحية.

تهتم فاخورة العم "ميساك" حالياً بصنع أنواع من الحصالات وبعض أدوات المطبخ وبعض أنواع جرار الماء حيث تمتاز الأواني الفخارية بجعلها للأطعمة ألذ وأشهى.

يسمى الفخاري (قواق) وهي كلمة من اللغة السريانية حيث تعني فخاري وكانت تتركز الفاخورات قرب الأنهار لقلة الآبار وفي الوقت الحالي لم يبق سوى فاخورة العم "ميساك" لعدم وجود من يهتم بهذه الصناعة.