"أحمد محمد سرجين" الفنان الذي هزم قساوة النحت في الطين ويهزمهُ المال في إبداعه، لا ينكسر أمام هول الهزيمة فتجده حاملاً أدواته البسيطة بحثاً عن الجديد ليُلبِسَه القديم في مناظر تبهر الناظرين، وتخطف أبصارهم، لا تخفي إبداعه الغيوم والليل وعندما تشاهد أعماله عدَّة مرَّات تشعر بأنك تراها للمرة الأولى.
موقع eHasakeh تسلَّل إلى ملجأ الفنان، ليلتقي به، فيحدثنا عن بدايات دخوله إلى عالم الإبداع قائلاً: «بدايتي كانت في الرسم منذ أن كنت طالباً في الدراسة الابتدائية، حيث كنت أرسم على الورق المقوَّى أو على دفاتر أصدقائي في المدرسة، ومن ثم بدأت أرسم على الزجاج، وتدرّجت من الرسم وبمبادرة ذاتية مني إلى النحت في الخشب، الحجر والفخار إلى أن أتقنت النحت في ما يسمى "الطينة الكورية" حيث شغِلَت معظم وقتي لأنها بطبيعتها تحتاج إلى مجهود ووقت كبيرين».
المادة التي أقوم بتركيبها هي ليست مادة سحرية بطبيعة الحال ولكنها تستطيع مقاومة الرطوبة والظروف الجوية لأكثر من ثلاثة أعوام وفي الظروف العادية لأكثر من عشرة أعوام دون أن تتقشر، ويبقى لي أحقية الاحتفاظ بتركيبة تلك المادة
وحول العمل في "الطينة الكورية" يتحدث: «الطينة الكورية هي عبارة عن عدَّة مكوِّنات نقوم بخلطها لنحصل على مزيج يسمى باسمها وتلك المكوِّنات هي نحاتة قاسية تسمى نحاتة "قرقوزات" وهي الطبقة الثالثة من الأرض تسمى "الأمازوتية" تذوَّب في الماء ويضاف إليها الرمل النبكي وإسمنت من النوع المقاوم ونقوم بمزجها جيداً لنحصل في النهاية على مادة طرية ممتعة عند العمل بها».
وعن بقية المراحل يضيف: «قبل أن نقوم بتحضير الطينة نقوم بتلبيس المناطق التي سنعمل بها بالشبك المعدني وخاصة حول المناطق الهشَّة في البناء وذلك حسب سماكة الطين التي سنعمل به ثم نقوم بإعداد الطينة وهي المرحلة الثانية ونقوم بتلبيس البناء المقرر بها وفق المخطط والتصميم المقترح، فمثلاً عندما يكون الديكور المطلوب عبارة عن مجسَّم لأحجار تراثية اضطر إلى زيادة سماكتها لإبرازها عن السطح المستوي، أما المرحلة الثالثة فهي تأتي بعد أن تجِّف الطينة قليلاً وأقوم بنحتها بعناية وذلك بواسطة "سكين ومبرد" مخصص لذلك وفي هذه المرحلة يظهر إبداع الفنان وخبرته».
وعن المرحلة الأخيرة يقول: «حتى نصل إلى المرحلة النهائية من العمل وهي مرحلة التلوين نحتاج إلى عدَّة أيام لكي يتم سقي العمل بالماء جيداً وينشف تماما من الرطوبة، أقوم بتحضير الألوان التي سأضيفها إلى الديكور لنحصل في النهاية على الديكور المطلوب والذي غالباً ما يكون عملاً يجسِّد تراث المنطقة والمناطق الأخرى من سورية كالآثار التدمرية مثلاً».
وبالنسبة للجهات التي ينفِّذ الأعمال الفنية لها أجاب: «عُرِض عليَّ أعمال في "دمشق" ولكن الظروف لم تساعدني في ذلك، وحتى الآن الأعمال التي قمت بتنفيذها كانت لمنازل وفلل يملكها بعض الأغنياء في المحافظة، أما في الفترة الأخيرة فطلب مني رئيس بلدية مدينة "الحسكة" وبعد أن أقوم بإعداد بعض المخططات لمشروع تجميل دوَّار "المشيرفة" ومشاريع أخرى مستقبلاً وتكريماً لأعمالي عرض عليّ العمل في مشاريع البلدية».
أخبر بعض المقرَّبين من "أحمد" موقعنا بأن الألوان التي يستخدمها هي من تركيبه وتقاوِّم الرطوبة لسنوات طويلة وعنها سألناه فأجاب: «المادة التي أقوم بتركيبها هي ليست مادة سحرية بطبيعة الحال ولكنها تستطيع مقاومة الرطوبة والظروف الجوية لأكثر من ثلاثة أعوام وفي الظروف العادية لأكثر من عشرة أعوام دون أن تتقشر، ويبقى لي أحقية الاحتفاظ بتركيبة تلك المادة».
وعن الحركة الفنية في "الحسكة" قال: «أنجبت "الحسكة" العديد من الفنانين أمثال المرحوم "عمر حسيب" والفنان المغترب "حسن العساف" وغيرهم الكثيرين الذين نعتبر أنفسنا طلاباً نتطلع إلى خبراتهم، ولايزال هناك الكثيرين الذين ينتظرون لمسة الحنان من الجهات المعنية للاهتمام بهم لخدمة بلدهم، ذلك أفضل من الاغتراب في الدول الأخرى والنظر إلى بلدانهم وكأنها تدفن فيهم الإبداع ليتحول على صفقة تجارية تفقدها بريقها وتميُّزها».
وبخصوص مشاريعه المستقبلية يختتم "أحمد محمد سرجين": «هناك بعض الأعمال الخاصة التي أعمل فيها الآن، سوى ذلك أقوم بإعداد مخطط لمشروع طالما أحلم أن أقوم بتنفيذه وهو عبارة عن غابة بكل مكوناتها الطبيعية من أشجار وشلالات الماء الضخمة ومجسّم لجبل وطيور وحيوانات الغابة وهي كلها بواسطة النحت في الطينة الكورية، ونجحت في اختبار فكرة عمل توهم الناظرين بمشاهدة القوس قزح وذلك بواسطة بعض التقنيات التي تضاف إلى شلال الماء».
السيد "سليمان محمد" من الذين انبهروا بأعمال "سرجين" فعن أعماله يحدثنا: «مررت أمام أحد الأبنية التي نُفِّذ لها واجهة من "الطينة الكورية"، واندهشت لروعة التنفيذ وجمال الديكور، وعندما كنت في المنزل عند المساء، زارني "أحمد" فبدأت أُحدِّثه عن روعة العمل الذي شاهدته، ولكنني اندهشت عندما قال "أحمد" إنه هو الذي قام بتنفيذ العمل، بداية لم أُصدِّقه إلى أن دعاني إلى أحد المواقع الذي بدأ به العمل حديثا عندها تأكدَّت من صدقية ما قاله وشاهدت إبداعه».