ما إن تشرق شمس الربيع على منطقة "القامشلي" وريفها، حتّى تبدأ خيراتها والأعشاب المفيدة بالظهور، وخاصة إذا كان الشتاء كريماً بأمطاره، ومن تلك الخيرات نبتة "القنيبر" التي تنبت في أطراف المدينة والأرياف، بعد هطول أمطار شتوية مناسبة، فتتحوّل إلى أكلة شهية المذاق وبفوائد غنية لصحة الإنسان ومجانية الشراء.

موقع eHasakeh التقى أحد أبناء مدينة "القامشلي" السيد "أحمد محمود" الذي تحدّث عن تلك النبتة قائلاً: «عمري الآن يقارب الستين عاماً، قضيت أكثر من نصفه في العيش بريف "القامشلي" وتعرفنا على تلك الأكلات خلال تواجدنا هناك، ومنها أكلة "القنيبر" التي نحافظ على أكلها في كل فصل ربيع، زمن ظهورها فقط، فبخلاف طعمها اللذيذ عند الاستواء، فأجدادنا أكّدوا فوائدها العديدة ومنها: مادة الحديد الموجودة فيها، وتقويتها لمعدة الإنسان، وتنقية الأمعاء، وإضافة إلى ذلك شراؤها لا يحتاج إلى أي مبلغ مادي، فهي تظهر في الساحات الخضراء، والنساء يذهبن لقطعها وجلبها للدور السكنيّة، مع العلم أننا في أغلب الأحيان نتناولها في جميع الأوقات أي في الصباح والظهيرة والمساء».

بالنسبة لأكلة "القنيبر" التي تعرفنا عليها من خلال الآباء والأجداد، فقد استهويناها كثيراً، وارتبطنا بها وبضرورة تناولها أثناء ظهورها في فصل الربيع، فالإقبال عليها كبير وهي لا تحتاج لتعقيدات كثيرة لحين تجهيزها، فالنبتة تُوضع معها بعض البيضات، والزيت القليل، وتكون جاهزة لأكل مادة دسمة وغنيّة ورخيصة جدّاً

أمّا السيد "علي صالح" فقد تحدّث عنها قائلاً: «بالنسبة لأكلة "القنيبر" التي تعرفنا عليها من خلال الآباء والأجداد، فقد استهويناها كثيراً، وارتبطنا بها وبضرورة تناولها أثناء ظهورها في فصل الربيع، فالإقبال عليها كبير وهي لا تحتاج لتعقيدات كثيرة لحين تجهيزها، فالنبتة تُوضع معها بعض البيضات، والزيت القليل، وتكون جاهزة لأكل مادة دسمة وغنيّة ورخيصة جدّاً».

مرحلة تقطيع القنيبر

أما أحد زوّار المدينة السيد "علوان حسين" فقد تحدّث عن تلك النبتة بالقول التالي: «أنا من سكان العاصمة "دمشق" منذ زمن بعيد، واتجه لعند الأصدقاء في ريف "القامشلي" أثناء فصل الربيع فقط، وأحد الأسباب المهمة للزيارة في ذلك الوقت تناول بعض الأكلات التي تصنع من أعشاب البرية، ومنها "القنيبر" التي نعتبرها كأغلى وأشهى أكلة، علماً أننا أحياناً نطلب إرسالها إلى العاصمة لتناولها هناك، فعند حضورها تلغى جميع الأكلات».

وكان لنا وقفة مع ربة المنزل السيدة "لامية يوسف" بتاريخ 7/3/2011 لتتحدّث عن مراحل صنع مادة "القنيبر" فبدأت بالقول التالي: «في الأيام المشمسة، وبعيدة عن أيام الأمطار لأن الأرض إذا كانت موحلة فيصعب الذهاب إلى البرية، وتحديداً في شهري آذار ونيسان نذهب مجموعة من النساء إلى الحقول والبساتين للبحث عن نبتة "القنيبر" التي تظهر هناك، ونبدأ بقطعها من الجذور من خلال آلة حادة، علماً هي عشبة خضراء لا يتجاوز طولها 6سم، ونحاول قدر الإمكان قطعها بمفردها بعيدة عن التراب والأعشاب الأخرى التي تكون معها، وحتّى تكون النبتة لوجبة غداء رئيسية يجب ألا تقل الكمية عن 5 كغ، وبعد جلبها للدار نبدأ بتنظيفها بشكل جيد واهتمام مميز، لأنه من الطبيعي أن تكون معها أعشاب أخرى».

وتابعت السيدة "لامية يوسف" عن مراحل صنعها قائلة: «ثمّ نبدأ بتقطيعها إلى قطع صغيرة جدّاً لكي يُستلذ بها بشكل أكبر خلال تناولها، وبعد التقطيع يتم غسلها لأكثر من مرّة من خلال إعادتها لمصفاية تنقية المياه، وتبقى فيها لفترة زمنية تُقدر بربع ساعة كي لا تبقى فيها أية نقطة ماء، وبعد ذلك نضعها في وعاء يناسب حجم وكمية "القنيبر" ويتم غليه مع الماء، والغلي من أجل القضاء على بعض المرارة التي تكون موجودة في "القنيبر" وبفترة زمنية تُقدر بنصف ساعة، ومن ثمّ نعاود تنقيته من الماء المغلي وتبقى في المصفاية ربع ساعة أخرى، ونبدأ بقلي البصل مع كمية قليلة من الزيت وبعض من البيض ودبس البندورة لفترة عشر دقائق، ومن ثم نضع "القنيبر" معهم وإضافة التوابل إليهما وبعد نصف ساعة تكون الأكلة جاهزة».