عمره عشرات السنين، وتحتفظ ذاكرة الأجيال البعيدة بصوره وذكرياته الجميلة فقد كان السرير المتميز للمولود حديثاً، ولم يبق من "الدركوش" حالياً إلا أعداد قليلة، ومنهم من يضعه في المعارض الفنية.

مدوّنة وطن eSyria وبتاريخ 24/9/2013 فتحت إحدى صفحات الماضي البعيد للوقوف عند "الدركوش" والذي احتضن الطفل عند ولادته ليكون سريره وموطن هدوئه وذلك قبل سنين طويلة وبعيدة، وتحدّثت السيّدة "عائشة سعد السالم" عن ذكرياتها مع المادة المذكورة عندما بدأت بالقول التالي: «حتّى قبل خمسة عشر عاماً كان هذا النوع من السرير عند أسر كثيرة، وخاصة عند أهل الريف، ولكنه منذ نهاية التسعينيات بدأ يتلاشى وينقرض من المنازل شيئاً فشيئاً حتّى وصلنا لهذه الأيّام التي يكاد يتواجد بمنازل يستطيع الشخص أن يعدها على الأصابع، وأنا أعتبر غياب "الدركوش" بنسبة كبيرة من المنازل وعدم احتفاظ الأهالي به من الأخطاء، فمن المفروض البقاء عليه ضمن الدار حتّى لو لم يعد يناسب الوقت الحالي، فهناك أسرة حديثة ومتطورة بدأت تصنع وتتواجد في الأسواق الخاصة بالطفل الحديث، ولكن ذكريات الماضي وأدواته يجب ألّا تغيب عنّا وعن جميع الأجيال الحاضرة واللاحقة».

تزوّجت منذ عامين، وكنتُ على علم بأن جدتي تحتفظ "بدركوش" خشبي قديم جدّاً، وبشتى الوسائل حصلت عليه وأضع طفلتي فيه، بعد أن أعطيتُ عهداً لجدتي بعدم بيعه أو التخلي عنه مهما كانت الأسباب

أمّا إحدى كبيرات السن من ريف "القامشلي" السيّدة "منال علي خليل" صاحبة الثمانين عاماً فقد سردت قليلاً عن ماضي الدركوش وبعض من ذكرياته عندما تحدّثت بالقول التالي: «قبل ولادتي أيضاً كان النوع الوحيد لسرير الطفل ما يسمى "الدركوش" وهو يعني أن عمره طويل جداً، كان يصنع بطريقة سهلة ودون تعقيدات وبأياد محلية حتّى إن المرأة كانت تتساعد مع الرجل في صناعته وتجهيزه، والدركوش لا يحتاج إلا للخشب بقطع وأحجام مختلفة فقط، وحتّى عملية التصنيع كانت بسلاسة وبساطة دون رتوش أو زينة وتعقيدات كبيرة وكثيرة، وكان الرجل هو من يقطع الخشب ويجهّز ما يلزمه من قطع وأحجام، والمرأة تساعده بتأمين الخشب ومسك القطع مع بعضها بعضاً ليقوم الرجل بشدهما عن طريق المسمار فقط، ومع ذلك لم تكن العملية تستغرق أكثر من ثلاثة أيّام، ولكن لغياب نوعية الخشب المناسبة كانت في كل قرية قطعتين أو ثلاث من الدركوش».

عمره أكثر من سبعين عاماً

وأضافت على كلامها السيّدة "منال خليل": «ولأن أفراد القرية كلها وحتى اليوم يشكلون أسرة واحدة في أفراحهم وأحزانهم فقد كانوا يتبادلون "الدركوش" فيما بينهم عندما يولد مولود جديد عند عائلة ما، واستخدامه لم يكن يطول لفترة بعيدة، فالمرأة كانت تحاول تعويد مولودها الجديد على النوم على وسادة خفيفة وعلى الأرض، أمّا مزايا الدركوش فكان يصنع بطريقة مائلة وعند هزّه يجد الطفل سعادة كبيرة فيخلد للنوم مباشرة، حتّى عندما يبكي يتم وضعه في السرير ليستأنس وينسى البكاء، والمرأة كانت تقوم بتجهيز الطعام أو غير ذلك وهي جالسة ومن خلال حركة قدميها كانت تقوم بهز السرير، وطفلها ضمنه لا يزعجها نهائياً، بالإضافة لميّزة أخرى أنه خفيف ونقله من مكان لآخر سهل وبسيط جداً، حتّى حمله لا يحتاج لجهد كبير».

واختتمت الحاجة "منال" قائلة: «ما يسعدنا ولو جزئياً أن البعض من عشّاق الماضي يقدمون

متعة الأطفال بالتقرب الدائم مع الدركوش

"الدركوش" في معارضهم الفنيّة التراثية، وبما أن وجوده نادر تقريباً فان البعض من الفتيات واللواتي يتزوجن حديثاً يأخذن ذلك النوع من السرير إلى بيوت أزواجهن بعد أن يحصلن عليه من الوالدة أو الجدة».

الشابة "نوال خالد" قالت عن سبب تعلقها بالدركوش: «تزوّجت منذ عامين، وكنتُ على علم بأن جدتي تحتفظ "بدركوش" خشبي قديم جدّاً، وبشتى الوسائل حصلت عليه وأضع طفلتي فيه، بعد أن أعطيتُ عهداً لجدتي بعدم بيعه أو التخلي عنه مهما كانت الأسباب».