قد يذهب المرء من النظرة الأولى إلى أن ألعاب الأطفال؛ ما هي إلا ابتداع من قبل الأطفال للتسلية، لكن الحقيقة التي تأتي بعد قليل من التمعن، تبين أنهم يحاكون الكبار من خلال استشراق المستقبل وتقليد نمط الحياة.
مدونة وطن "eSyria" زارت أحد منازل الأطفال بتاريخ 29 كانون الثاني 2015، والتقت الطفلة "وئام مرعي" لتتحدث عن منزلها الصغير، فقالت: «نقوم كل يوم بتجهيز بيتنا الخاص بنا في إحدى زوايا الغرفة، ونرتبه حيث يشبه منزلنا الذي نعيش فيه، حيث نقسم الأدوات على الغرف التي تتم صناعتها بواسطة الوسائد، ونجلس لنتحادث في بيتنا عن كثير من الأمور، كما نقوم بتمثيل عدد من الأدوار ابتداءً من دور الوالد والوالدة؛ مروراً بدور الجيران وصولاً إلى دور المدرس والمدرسة، ويشترك جميع إخوتي معي في هذه اللعبة، وعندما نلعب في النهار نشرك معنا أبناء الجيران؛ لتكون اللعبة أقرب إلى الحياة اليومية، ونستقبل الضيوف في غرفة الجلوس، ونلعب بجميع الألعاب حتى نمل ونتوقف، هنا تنتهي اللعبة ونقوم بجمع الأغراض وترتيبها، لنعيد الكرة في اليوم الثاني، ويمكن أن تكون لعبتنا الثانية في بيت الجيران، ومع كل لعبة تتبدل الأدوار».
أنا ألعب مع إخوتي كل يوم وآخذ دور الرجل فأجلس أو ألعب بألعابي مع إخوتي، لكن إذا طلب شيء من الخارج أقوم بتأمينه على الفور؛ كما يفعل والدي، كما أستقبل أصدقائي في غرفتي الصغيرة وأقدم لهم الضيافة التي تعدها أختي، وهي ضيافة غير حقيقية، لكننا نفرح كثيراً بهذه اللعبة ونكررها كل يوم، وقد أشترى لي والداي كل الألعاب والأغراض؛ ليصبح لدينا بيتاً يشبه بيته الحقيقي
أما "هادية مرعي" التي أخذت دور ربة المنزل فبيّنت: «أن دورها في لعبة اليوم اقتصر على تأمين الضيافة لسكان المنزل الصغير، حيث تم تجهيز المطبخ ليشبه مطبخهم في المنزل، وقامت بترتيب الأغراض والأدوات حسب الحاجة للاستعمال، ثم أعدت الشاي ليشربوه ويتابعوا لعبتهم، بعد ذلك جمعت الأغراض ورتبتها وانضمت إلى إخوتها، لافتةً إلى أن جميع الأغراض هي صغيرة على حجمهم لكنها تستعين بوالدتها في حال جلبت مأكولاتٍ حقيقية، فهي اليوم قد أخذت دورها في المطبخ وغداً ستأخذه أختها، وعلى الرغم من أن ما يقدم في منزلهم هو غير حقيقي إلا أنه يضفي شيئاً من الواقعية على لعبتهم الطفولية».
من جهته قال الطفل "عمار مرعي": «أنا ألعب مع إخوتي كل يوم وآخذ دور الرجل فأجلس أو ألعب بألعابي مع إخوتي، لكن إذا طلب شيء من الخارج أقوم بتأمينه على الفور؛ كما يفعل والدي، كما أستقبل أصدقائي في غرفتي الصغيرة وأقدم لهم الضيافة التي تعدها أختي، وهي ضيافة غير حقيقية، لكننا نفرح كثيراً بهذه اللعبة ونكررها كل يوم، وقد أشترى لي والداي كل الألعاب والأغراض؛ ليصبح لدينا بيتاً يشبه بيته الحقيقي».
من جانبه أوضح "ياسر مرعي" والد الأطفال: «أنه يؤمن كل ما يطلبونه أولاده لهذه اللعبة، لأنها تعد متنفساً للترويح عن أنفسهم، وأكثر الأوقات التي يمارسون فيها هذه اللعبة تكون في الشتاء، إذ تمنعهم برودة الطقس من النزول للشارع وممارسة ألعابهم اليومية، وهذه الألعاب تدلل على مراقبة الأطفال لذويهم وتقليدهم في كل الأمور، من هنا يجب على الأبوين أن يدرسوا جميع تصرفاتهم أمام أطفالهم الذين يحفظونها عن ظهر قلب، مشيراً إلى أنه ينزل في كثير من الأوقات عند رغبتهم؛ ويقوم بزيارتهم في بيتهم واللعب معهم بألعابهم الصغيرة، بهدف إضفاء شيئاً من الواقعية على عالمهم الطفولي».
بدوره أكد الباحث في الموروث الشعبي "عايش حسين الكليب": «أن هذه الألعاب عرفت منذ زمنٍ قديم في المنطقة، وأن زمن نشأتها غير معروف لكن من المرجّح أنها ظهرت مع بداية الحياة الزراعية في المنطقة، فقد كان الآباء يخلقون مثل هذه الأجواء لأطفالهم ليتمكنوا من القيام بأعمالهم، ومن الواضح أن هذه اللعبة لم تكن على هذا الحال في الأيام الماضية؛ نظراً لطبيعة الحياة التي عاشها القرويون، إلا أنها أخذت تتطور تدريجياً تماشياً مع الحياة، كما كان للأطفال دور بارز في تغيير معالم هذه اللعبة؛ خصوصاً أن أطفال اليوم يعيشون في زمن العلم والمعرفة؛ التي ساهمت بدورها في إدخال جوانب جديدة إلى اللعبة كما أقصت جوانب أخرى، لكن ما يجب ذكره أن هذه الألعاب مقرونة بالموروث الشعبي للمنطقة وهذا لا ينفي وجودها في أماكن أخرى، خصوصاً أن طبيعة المنطقة الجغرافية وأساليب الحياة قد تتشابه في كثير من الأماكن».