بكفاءة ومجهود حرفي عالٍ، استطاع الحرفي "أدهم عزو" تكوين أسلوباً وطريقة خاصة بالدق على قطع النحاس؛ بمزجه الأصالة مع الحداثة، وتشكيل لوحات تراثية تخطى بها حدود الوطن، واستحق بذلك لقب شيخ كار المهنة بعد مزاولتها نحو 58 عاماً.
لم يغير مهنته مذ أصبح قادراً على العمل على الرغم من فقدانه مكان عمله لأكثر من مرة بسبب سوء الأوضاع الأمنية، إلا أن ذلك لم يثنه عن متابعة عمله، بل وتعليمه للراغبين بغية الحفاظ على المهنة واستمرارها؛ هذا ما تحدث به الحرفي "أدهم عزو" لمدونة وطن "eSyria" التي التقته بتاريخ 1 كانون الأول 2017، وعن بدايته بتعلم حرفة الدق على النحاس يقول: «لم أكن أدرك أن ذاك الصوت الذي كان يؤَرِّق هدوئي هو نفسه الصوت الذي أطرب لسماعه اليوم؛ فمنذ سنوات طفولتي الأولى وعيت على سماع أصوات الطرق على قطع النحاس في ورشة أبي وأعمامي في حي "القبة" في "طرابلس"، حيث ورثوها بدورهم من آبائهم. ترددي إلى الورشة باستمرار جعلني أحبها، وأتعلق بها، وفي عمر 12 عاماً غادرت مدرستي لأكون إلى جانب والدي في الورشة، الذي بدوره رحب بالفكرة إيماناً منه بالمثل القائل: (علِّم ابنك مصلحة إسواره بإيدو)، لكنني لم أجد لدى والدي تلك الحنية التي عهدته بها في المنزل؛ فطالما كان يقسو علي لأتعلم المهنة بأسلوبها الصحيح. بدأت كأجير بمهنة قص أسنان النحاس وإيصال جهاز العروس من صوانٍ وإبريق وأواني الطبخ، الذي كان والدي يقوم بتصنيعه إلى ورشة عمي، الذي بدوره يعمل على تبييضه، ثم أنقله إلى منزل العروس طمعاً بـ"الإكرامية"، حيث كنت أتقاضى مبلغ نصف ليرة سورية فقط لقاء ذلك. وعندما بلغت الرابعة عشرة من عمري شاءت الأقدار أن نعود إلى "سورية"، ونبدأ بورشة صغيرة في حيّ "جوبر" في "دمشق"، وأذكر أن أول قطعة قمنا بدقها كنا قد استدنا ثمنها؛ لأننا لم نكن نملك المال، وضعنا كل خبرتنا فيها، حيث نالت إعجاب "موريس نصيري" الذي كان يعدّ شيخ كار المهنة آنذاك. بدأنا العمل بحب ورغبة كبيرة بالتميز، إضافة إلى إيماننا بعراقة التراث السوري وضرورة الحفاظ عليه؛ وهو ما جعلنا مستمرين إلى الآن على الرغم من كل الصعوبات التي واجهتنا نتيجة الإرهاب الذي طال "سورية"، وخسارتنا لأدواتنا ومكان عملنا لأكثر من مرة».
أعرف "أدهم عزو" منذ 30 عاماً من خلال عملي بمجال الشرقيات، وخاصة النحاس المهنة التي يتقنها؛ لكونه ورثها أبّاً عن جدّ، وأضاف إليها الكثير، ويكاد لا يجاريه أحد من العاملين بها. يتعامل مع المطرقة والسندان والنحاس، وكلها من المعادن الصلبة، بنعومة فائقة تعكس شخصيته على القطعة؛ فهو قادر على تشكيل أي "موديل" مهما كان معقداً، كـ"الفازات، والمناقل، وأواني النحاس، والهلاليات بمختلف القياسات"؛ وذلك بعمل يدوي باستخدام المطرقة فقط، محافظاً بذلك على إرث الأجداد، وأكاد أجزم أنه تجاوزهم بمراحل؛ فهو فنان بالفطرة، ولا شك أن عمله ترك بصمة في مجال الحرف التراثية التي تعدّ ثروة وطنية يجب الحفاظ عليها، استحق لقب شيخ كار المهنة، وبرأيي إنه أهل له، وينطبق عليه القول المأثور: (فإن كل صانع يبلى، ويبقى ما صنعت يداه)
وعن طريقته بتشكيل قطع النحاس، يضيف قائلاً: «لكوني أختص بالدق على قطع النحاس، فأنا أعمل على صفيحة النحاس الثخين الخام؛ وهنا لا يهمّ لون النحاس إن كان أحمر، أم أصفر، ولضمان نجاح العمل أقوم برسم الشكل المراد تصميمه على قطع الكرتون، وأغلب الأحيان أعمد إلى تغييره أكثر من مرة لأصل إلى الشكل المطلوب، ثم أبدأ قصه وتطبيقه على قطع النحاس، ثم أضع الرسم والزخرفة المراد دقها وتنفيذها على القطعة، التي عادة تكون رسومات وزخرفات إسلامية فيما يخص تزيين الأماكن العامة ودور العبادة، بينما يفضل النقش الروماني في تشكيل "الفازات والشمعدان والثريات"، وبعد الاستقرار على رسم معين أقوم بدقه يدوياً، فلا وجود للآلة ضمن عملي، وأستخدم "السندان" و"الشاكوش" و"الدركول" و"المبلطح" و"المسدس" و"الملاماي"، ولكل أداة مهمة معينة. وتعدّ حرفة الدق من أهم المراحل في تشكيل القطعة من حيث تهيئتها للنقش، ثم تنزيل المعادن الثمينة عليها. ولسنوات عدة تمكنت من إيجاد طريقة خاصة بي ميزتني عن باقي الحرفيين، وبفضل ذلك ما زلت مستمراً حتى اليوم على الرغم من عزوف الكثيرين عن اقتنائها بسبب سوء الوضع الاقتصادي، والتغير في سُلم الأولويات لدى العائلة».
وعن أهم مشاركاته ومشروعه بتطوير المهنة، يتابع قائلاً: «كما هو معروف فإن حرفة الدق على النحاس تراثية سورية تحمل الكثير من الأصالة، إلا أنه -كأي مجال- لا بد من متابعة التطور والحداثة وإشراك التكنولوجيا للوصول إلى منتج أفضل من خلال رسومات وزخارف حديثة تواكب التطور. ولسنوات عدة تمكنت من تعليم المهنة للكثيرين، حيث باتت مصدر رزقهم الأساسي، ومنهم من أبدع بها وطورها، كما أسعى بالتعاون مع محافظة "دمشق" إلى تعليم الحرفة للراغبين من أبناء الشهداء والأشخاص الباحثين عن فرصة عمل، ولسنوات عدة تمكنت من نشر التراث السوري إلى جانب بعض الحرفيين من خلال تصديرها إلى الخارج، وخاصة "ألمانيا"، كما قمت بتزيين جدران ومئذنة جامع "ذو النورين" في ساحة "بشارة الخوري" في "بيروت" وجامع "بهاء الحريري" في "صيدا"، إضافة إلى العديد من "الصمديات" واللوحات التي تزين بعض الدوائر الحكومية والخاصة داخل وخارج البلد».
بدوره "طوني توكمه جي" صاحب شركة "توكمه جي" للشرقيات والسيف الدمشقي، يقول: «أعرف "أدهم عزو" منذ 30 عاماً من خلال عملي بمجال الشرقيات، وخاصة النحاس المهنة التي يتقنها؛ لكونه ورثها أبّاً عن جدّ، وأضاف إليها الكثير، ويكاد لا يجاريه أحد من العاملين بها. يتعامل مع المطرقة والسندان والنحاس، وكلها من المعادن الصلبة، بنعومة فائقة تعكس شخصيته على القطعة؛ فهو قادر على تشكيل أي "موديل" مهما كان معقداً، كـ"الفازات، والمناقل، وأواني النحاس، والهلاليات بمختلف القياسات"؛ وذلك بعمل يدوي باستخدام المطرقة فقط، محافظاً بذلك على إرث الأجداد، وأكاد أجزم أنه تجاوزهم بمراحل؛ فهو فنان بالفطرة، ولا شك أن عمله ترك بصمة في مجال الحرف التراثية التي تعدّ ثروة وطنية يجب الحفاظ عليها، استحق لقب شيخ كار المهنة، وبرأيي إنه أهل له، وينطبق عليه القول المأثور: (فإن كل صانع يبلى، ويبقى ما صنعت يداه)».
يذكر أن الحرفي "أدهم عزو" من مواليد "حمص" عام 1958، حائز على عدد من شهادات التكريم خلال مشاركاته في عدد من الفعاليات والمعارض التراثية.