يعتبر أطفال هذا العصر محظوظين بوجود آلاف الأنواع والأشكال من الألعاب والدمى، ومع ذلك فقد يسترعيهم الفضول لمعرفة الألعاب التي كان يتسلى بها أجدادهم وآباؤهم، واختلافها بين الريف والمدينة.

وللاطلاع على تلك الألعاب يروي عدد من الكبار في السن ممن عاينوا تلك الألعاب ومارسوها عن الطقوس والتحضيرات السابقة لها فسابقاً كان للمدينة ألعابها وللريف بنوعيه السهلي والجبلي ألعابه الأخرى وعن أجواء المدينة التقينا السيد "إبراهيم الحسن" الذي حدثنا عن ذكرياته مع ألعاب الطفولة قائلاً: «أذكر نفسي طفلاً صغيراً يلعب مع أصدقائه في أروقة الحارات القديمة بمدينة "حمص" التي كانت ساحات لشتى الألعاب، وحالي كحال جميع أطفال تلك الفترة، ممن لم يعرفوا لشاشات البلازما والتلفاز وألعاب الفيديو مكاناً في حياتهم، بل كنّا نجمع بقايا الأقمشة والعظام الناتجة عن الطعام وبذور النباتات وكل ما توافر من قطع خشبية لا لزوم لها، لنغسلها ونعرضها للشمس ونصنع منها أدوات خاصة بألعابنا من دواليب وعصي وعرائس وغيرها الكثير.

أجريت في كتابي مسحاً شاملاً للألعاب التي كانت لاتزال تشكل جانباً من اهتمام الصغار، وعلى الرغم من الاختلاف الهائل بين قرية وأخرى، إلا أن تباين طريقة اللعب لم يكن كبيراً على كل حال، فهناك صنفان من الألعاب، ألعاب مشتركة في كل أنحاء المحافظة، وألعاب سائدة في قرية لا يكون لها أثر في القرية المجاورة، ولاسيما الألعاب ذات الهوية الجبلية التي تتميز بالأدوات المستعملة في اللعب والتي لم تأت بمحض المصادفة مثل "الجارة، العصي، قطع عظام....." فهي أدواتهم في التقاتل وفي حث حيواناتهم، وتتصف بعنفها وقسوتها، حيث إنها تعزز لديهم الثقة بالنفس والقدرة على تحمل المسؤولية والمواجهة

وهناك لعبة مشهورة مازال الأطفال يلعبونها إلى عصرنا هذا وهي "الكلل" وتلك لعبتي المفضلة حتى إنني مازلت محتفظاً بكيس الكلل الخاص بي وأهديته لحفيدي، إضافة إلى لعبة خاصة بالذكور تسمى "النبأ" كانوا يلعبونها عند انصرافهم من المدرسة، وتتألف من قطعة خشبية رفيعة الطرفين توضع على الأرض بحيث يرتفع أحد الطرفين ومن ثم تضرب بعصا خشبية أيضاً عريضة من الطرف السفلي، حتى ترتفع إلى الأعلى لتضرب مرة أخرى وتصل لمسافات طويلة، يتبارى اللاعبون بطول المسافات فيها.

السيد "ابراهيم الحسن" والسيد "مطانيوس ديوب"

أمّا الفتيات فأذكر أنهنّ كنّ يصنعن عرائس من بقايا القماش والقش أو يحشون ما يموت من الحيوانات الصغيرة بعد تعقيمها وغليها، بالتبن بما يسمّى "البو" كبديل لدمى "الدب والأرنب" المتداولين في عصرنا، إضافة إلى لعبة "الحجلة" التي ترسم فيها البنات خلايا على الأرض ويقفزن فوقها وغيرها الكثير».

ما تحدّث عنه السيد "إبراهيم" رواه المؤرخ الحمصي المشهور "فيصل شيخاني" لنا بالقول: «يعطي طابع المدينة اختلافاً في أجواء اللعب وأنواع الألعاب عن الريف، حيث اعتاد أطفال المدن على الذهاب إلى المدرسة أو مساعدة آبائهم من تجار وصنّاع ولم يكن متاحاً لهم سوى اللعب في أيام العطل أو في ظهيرة اليوم بعد انتهاء المدرسة، وهذا طبعاً بالنسبة للذكور فقط، الّذين كانوا يجتمعون كجماعات في آخر الحيّ بساحة مغلقة ويلعبون لعبا مختلفة مثل "عيش" أو "المستخباية" أو الدواليب الخشبية وغيرها إضافة للعبة مؤذية جداً على الرغم من شهرتها وهي "النقيفة" التي كانوا يصنعونها من قطعة خشبية منجّرة يشد عليها حبل رفيع من المطاط، واستخدمها الأولاد الأشقياء لصيد العصافير، ومن كان صغير السن من الصبيان أي حتى عمر ثلاث سنوات، ذهب مع أمه إلى الحمامات، حيث يجتمع حول بركة الماء الموجودة في فناء الحمام الداخلي مع أصدقائه، وتصبح تلك تسلية أخرى لقوارب الورق أو الخشب وغيرها.

المؤرخ الحمصي "فيصل شيخاني"

أمّا بالنسبة للفتيات فلم يكن الاختلاط بينهن وبين الصبيان مسموحاً حتى في اللعب، فكانت لهن ألعابهن الخاصة داخل المنازل، ويصنعن دماهن الخاصة إضافة إلى لعب الورق ولا سيما "الباصرة" ولعبة "البرديس" التّي تحتوي قطعة قماش مطرزة وتحرك عليها الأزرار الملونة، إضافة للشطرنج الذي كان متداولاً لدى نساء وفتيات الطبقة الراقية فقط».

"الطرّة والنقش" و"طيارات الورق" و"اليويو" ألعاب أخرى اختصت بها أيام العيد والساحات المزينة، حيث تنصب المراجيح والدواليب وغيرها كما أضاف "شيخاني" وذلك كلّه في المدينة، أمّا في الريف فكان له في ذكريات العم "مطانيوس ديوب" قصة أخرى ويقول: «نحن في الريف لم نعتد على انقسام الصبيان والفتيات، وإنمّا كانت الفتيات يلعبن معنا في الحقول وساحات القرية الواسعة على الرغم من اختصاصهن ببعض الألعاب عنّا نحن الصبيان، وأذكر أشهرها "التكرعة" وتتضمن حجرا صغيرا ينتقيه اللاعبون، مدور الشكل ويحفرون حفراً كثيرة في الأرض الترابية بحسب ما يريدونه، بشرط أن تكون متباعدة ويضرب الحجر من نقطة متوسطة بين الحفر بعصا عريضة من طرفها السفلي وإن لم تقع في إحدى الحفر يستمر اللاعبون بضربها حتى يصيبون أهدافهم، وتسجل النقاط على أساس من ذلك، إضافةً للعبة "الدوش" التي يلعب بها مجموعة من الأطفال بواسطة حجر مدور الشكل وأحجار أخرى على شكل أقارص تنتقى خصيصاً لذلك ولها قوانينها.

رسم تصويري للعبة "النبأ" كونها غير مستعملة الآن

أمّا الفتيات فلهن لعبة "الصومينة"، حيث تصبح كل فتاة حاجزا معينا على اللاعبة الأساسية القفز فوقها، حتى تصل إلى خط النهاية دون أن تقع، وهناك "لعبة الحبل وأم شبار، خاتم جعلوك، حدلي مدلي، سن الجاجة سن الديك"».

يذكر السيد "مطانيوس" في حديثه "السكوتر الخشبي" الذي لم يكن له اسم، وإنما كان مؤلفاً من دولابين خشبيين تصل بينهما عصا تسير بواسطة عصا أخرى من قبل اللاعب الذي يتنافس مع غيره للوصول لخط النهاية، وفي نهاية معظم تلك الألعاب كان يكافأ الفائز فيها، بكيس من "الزبيب" أو "الفاكهة" أو "المكسرات المشهورة" في الريف، ويؤكد ذلك الكاتب "فوزات رزوق" الذي يتحدث عن ألعاب الريف ولاسيما ألعاب أهالي الجبل في كتابه "ألعاب الأطفال": «أجريت في كتابي مسحاً شاملاً للألعاب التي كانت لاتزال تشكل جانباً من اهتمام الصغار، وعلى الرغم من الاختلاف الهائل بين قرية وأخرى، إلا أن تباين طريقة اللعب لم يكن كبيراً على كل حال، فهناك صنفان من الألعاب، ألعاب مشتركة في كل أنحاء المحافظة، وألعاب سائدة في قرية لا يكون لها أثر في القرية المجاورة، ولاسيما الألعاب ذات الهوية الجبلية التي تتميز بالأدوات المستعملة في اللعب والتي لم تأت بمحض المصادفة مثل "الجارة، العصي، قطع عظام....." فهي أدواتهم في التقاتل وفي حث حيواناتهم، وتتصف بعنفها وقسوتها، حيث إنها تعزز لديهم الثقة بالنفس والقدرة على تحمل المسؤولية والمواجهة».

ويتابع عن أنواع الألعاب بقوله: «هناك ألعاب تعتمد أدوات، وأخرى لا تحتاج لأدوات، وأخرى تنفذ بفريقين، وألعاب تنفذ بطريقة الكل ضدّ واحد، ألعاب لاعبوها محدودو العدد وألعاب مفتوحة، أمّا الإجراءات الممهدة للألعاب فنذكر منها "الاختيار الحر، المكاسرة، التحدي، القرعة، حكرة بكرة، طنجرة وغطاها، الصيف والشتاء....."، إضافةً لألعاب الحصا، ألعاب العصي، ألعاب الجري والملاحقة، ألعاب التخفي والبحث، ألعاب الحدث وسرعة البديهة والرياضة الذهنية، ألعاب القفز والحجل، ألعاب الحبال، ألعاب تبديل المواقع، تقليد الكبار مثل "بيت بيوت، عسكر وحرامية..."

إضافةً لذكره كيفية صنع الألعاب مثل "الكرات، الطيارات الورقية، التماثيل الثلجية والطينية، العرائس.....».