جميلةٌ هي تلك الأشياء التي نراها فنشعر من خلالها بأننا لسنا حديثي الولادة، وهذا بالضبط فحوى التراث. فهو إن دلّ على شيء، فيدلّ على عراقة وأصالة متناغمة مع محبة "أولاد البلد" لهذا التراث العريق.

فكانت القطع النحاسية القديمة، أو كما يسمونها أهل البلد "الأنتيكا"، التي أصبحت ومن خلال رواجها الكبير مهنة الذوق الخاص، ومصدراً لكسب العيش للكثيرين. eHoms التقى بتاريخ 12/11/2008 بالحاج "فرحان سليمانية"، وهو صاحب محل "أنتيكا" في أحد أحياء "حمص" الشعبية، والذي حدّثنا عن هوايته في جمع القطع التراثية.

"حمص" تمتلك إرثاً تاريخياً وتراثياً ضخماً، ولكن المشكلة في قطع الأنتيكا أنها لا تبقى داخل البلد، وإنما تخرج منه. فالقطع التراثية عندما تبقى في بلادنا نشعر بأنها ملكنا جميعاً، وحتى ولو لم نمتلكها شخصياً، فهي ملكٌ لكل إنسان. فتشعر بالأسف العميق عندما تفقد الأشياء التي تمتلكها

في البداية حدّثنا الحاج "فرحان" عن بداية عمله بالأنتيكا فقال: «أنا في الأساس لم أكن أعمل بجمع القطع النحاسية، وإنما كنت هاوياً لها، بل أكثر من ذلك، فأنا عاشق للأنتيكا. ومنذ أكثر من 25 سنة. وأنا أعمل على جمع هذه القطع النادرة، وإذا دخلت إلى بيتي ستجد فيه كميات هائلة من القطع التراثية أو كما يقال عنها "الأنتيكا" والآن أصبحت أمتهن هذه المهنة بشكل رسمي كمصدر لعيشي.

فعملي منطلق من هوايتي ومحبتي لها. فأنا أحبها انطلاقاً من حبي للتراث وخصوصاً التراث الحمصي المتميز. فعندما تنظر إلى قطعة فنية قديمة ترى الصناعة اليدوية العريقة، والتقنية المميزة التي تدل على مجهود كبير بذله صانع تلك القطعة. وهذا لا نجده في الصناعات الحالية. لأن الوقت في القديم لم يكن ذا قيمة كبيرة مثل الآن فيأخذ الصانع وقتاً طويلاً في صناعته، مما يعطي صنعة ماهرة وفريدة بكل معنى الكلمة. أما الآن فنحن في عصر السرعة الذي بدأ ينقرض فيه الصناعات اليدوية الماهرة».

ثم حدّثنا الحاج "فرحان" عن طبيعة المواد التي يقوم بجمعها فقال: «سأقول لك شيئاً مهماً، من النادر جداً أن ترى مواد في هذا الزمن كما كنت تراها قديماً. فحتى المواد الأولية التي كانوا يعملون بها تختلف عن المواد الحالية، فالقطعة أصبحت عبارة عن صورة فقط. وعلى سبيل المثال "الخنجر المجدلاني" المشهور والمعروف، فقد كان يصنع من قرن الجاموس أما الآن فجميعها مصنوعة من مواد محدثة. وكما ترى هناك قطع مميزة جداً مثل هذه القطعة التي هي عبارة عن فانوس، وبنفس الوقت "بابور" يستخدم للإضاءة وللطبخ أيضاً، وهذه القطعة من تراث "حمص" ومميزة جداً».

وعن طريقة عمله بجمع القطع القديمة يقول الحاج "فرحان": «عملي مرتكز على عملية الجمع والانتقاء. فيأتي إليّ الناس ويبيعوني القطع القديمة، وأحياناً أذهب للبحث بنفسي عن قطعٍ تراثية في البيوت القديمة. ونلاحظ من خلال عملنا وجود رواج كبير للقطع التراثية وإقبال عليها. وبنفس الوقت نجد عند بعض الأشخاص استغناءً عن تلك القطع. فعلى سبيل المثال نجد أن الأواني النحاسية المطبخية قد مالت إلى الانقراض، ولكن هناك بعض الناس الذين ما يزالون يستخدمونها ويتمسكون بها، وأنا في منزلي لا أستعمل إلّا الأواني النحاسية».

ثم ختم الحاج "فرحان" حديثه بالقول: «"حمص" تمتلك إرثاً تاريخياً وتراثياً ضخماً، ولكن المشكلة في قطع الأنتيكا أنها لا تبقى داخل البلد، وإنما تخرج منه. فالقطع التراثية عندما تبقى في بلادنا نشعر بأنها ملكنا جميعاً، وحتى ولو لم نمتلكها شخصياً، فهي ملكٌ لكل إنسان. فتشعر بالأسف العميق عندما تفقد الأشياء التي تمتلكها».