كل مهتم بالتراث من دبكات ورقصات شعبية في "إدلب" وجوارها يعرفون "محمد عبد الله البكّار" هذا الرجل الذي أمضى جلّ حياته راقصاً في فرق شعبية متعددة، متنقلاً من عرس لآخر، ومن مناسبة لأخرى، ومن مهرجان لمثله، حتى تكونت لديه خبرة منحته ثقة الباحثين والدارسين، فكتب عنه "عدنان بن ذريل" دراسة مطولة، وكذلك الدكتور "حسن حمّامة" فعل.

ولأنه تاريخ يختزل في ذاكرته تراث محافظة أردنا الوقوف برفقته مطولاً على الفن الشعبي الذي تشتهر فيه محافظة "إدلب" ولم يبخل على موقع eSyria فتحدث عن الرقصات والدبكات الشعبية التي يمارسها أهل هذه المحافظة. رغم أنه أمّي متعلم بذاته، ولذاته، فيقول: «كنت لا أقرأ ولا أكتب، ولكني محيت أميتي بنفسي».

دق المهباج ع العالي يا بو ريّا/ حتى غنّي موالي ع الدبكة البكارية

واستهل لقاءه معنا بهذه العبارة الترحيبية، فقال فيها: «تحية حب من قلبي لأجلكم/ وإن طال بيّا الدرب ع الموعد لجيلكم/ أني لأحمل ربابة وغنّي لاجلكم/ من بحر الزجل سلطان الطرب».

محمد عبد الله البكار

ثم انتقل للحديث عن الرقص الشعبي في محافظة "إدلب" فقال: «الفن الشعبي في إدلب ثلاثة أقسام، هي: "الرقصة- الدبكة- العداوية"، فالرقصة تبدأ بالرجل اليسرى وتنتهي بالرجل اليمنى، أما "اللوحة" والتي نسميها "دبكة" نبدأ بها بالرجل اليسرى وننهيها بالرجل اليسرى، فيما تبدأ "العداوية" بالعد "عالماني" وعلى "المرتيني"».

ولكل رقصة عدة أنواع كما يقول، منها: "الشيخانية- العربية- القبا- الميج- السماح- المولوية"، أما الدبكات فهي: "الشرقية- القوصر- السلمونية- البكارية- العداوية".

دبكة ادلبية

بداية يأخذنا "البكار" إلى عالم الرقص ويبدأ بـ"الشيخانية" وعنها يقول: «تعتبر "الشيخانية" قمة الرقص الشعبي في محافظة "إدلب" وتؤدى بالأفراح والأعراس والمناسبات العامة والخاصة، وعلى إيقاع "الطبل"، و"الزمر"، ويرافقها المبارزة بالسيف والترس والرمح العربي و"النبوت" كأنهم في حومة الوغى، فترتفع الأيدي لتؤدي الرقصة "الشيخانية" وكان راقصوها فرسان "عبس" و"عدنان" مما يرتدون من أزياء شعبية كـ"الحطّة" والعباءة الحمراء المقصّبة بالخيوط الفضية، وقميص أملس، وصدرية، وسروال أسود، والشال العجمي، والجوارب البيضاء، و"المركوب" أي الحذاء الأحمر. وما إن تنتهي "الرقصة الشيخانية" حتى تبدأ "العداوية ــ "الرقصة الشرقاوية" ذات الأبيات السبعة، ويتبارز راقصين في كل بيت من أبيات هذه "العداوية"، ومع نهايتها تضرب الطبول لتبدأ الرقصة العربية».

وعن "رقصة العربية" يقول: «تعتبر مكملة للرقصة الشيخانية، وفيها تتم المصالحة بين المتبارزين. وقد سألني الناس من أين جاءت هذه الرقصة فقلت: "قالوا جتنا من الميدان يوم الكر وما فروا/ أجدادك على العدوان ذاك اليوم الأغر"».

البكار مع أحد أصدقائه

وتأتي رقصة "القبا" لتوحد بين حركاتها أكثر من رقصة، ودبكة، فيقول فيها: تعتبر "القبا" جامعة بين رقصة "العربية" ودبكة "الشرقية" ورقصة "الصاجية" ورقصة "الصيصانية" ورقصة "القواقة" إضافة إلى رقصة "القبا" وكأنها وحدة تراثية جمعت ما بين هذه اللوحات، فعلى إيقاع الطبل وأنغام الزمر وتحت أعلام القبيلة يقوم الأمراء برقصة "القبا" ما قبل وبعد النصر، هذا فيما سبق من الزمن، وهي اليوم تقام في الأفراح والمناسبات العامة والخاصة وفي الساحات وعلى خشبات المسارح والمراسح، والمرسح: هو كل ساحة يقام فيها حفل زواج أو احتفال ما بمناسبة ما. وأقول في القبا: "قالوا القبا في ملعبا ريحة عطر/ جمعت طرب دنيا العرب نغمة وشعر/ أو لا لكا بالمعركة طل النصر/ ترقص قبا بالمركبا وبعد النصر"».

أما "الميج" فهي رقصة يجب أن تبدأ بعبارة ترحيبية: «"عالميج يابو الميج يابو الميجنا/ أهلا وسهلا شرفونا حبابنا". بهذه العبارة الترحيبية والإيقاع السريع تبدأ "رقصة الميج" وكان لها نكهة خاصة في تراث "إدلب" وهي تقدم في المهرجانات الوطنية وكافة المناسبات، وأقول في رقصة الميج ومن أين جاءت: "من أرض إدلب جتنا يا مختار حارتنا/ ما بتصدق روح اسأل الأولين بديرتنا"».

هذا فيما يتعلق بالرقصات التي تدار في الحفلات الإدلبية، أما الدبكات المنتشرة فهي على عدة أشكال: كالدبكة "الشرقية" و"السلمونية"، والقوصرية"، و"البكّارية" و"العداوية"، وأول ما يبدأ حديثه عن الدبكة الشرقية، فيقول: «"الدبكة الشرقية" منتشرة في سورية، وكل منطقة عملت على تطويرها بما يناسب البيئة، ولها مفتاح تماماً كالبحور الشعرية عند "الفراهيدي" ومفتاحها يقول: "ع اللالا ولالا ولالا/ ديرتنا الخضرا شمالا/ ديرتنا كرم الزيتون/ والتين عالي تلالا". هذه الكلمات هي عنوان "الدبكة الشرقية" والتي نعتز بها في محافظة "إدلب"، خاصة في مركز المدينة، وقد استمد منها أكثر من دبكة مثل: "المربّعة"، "المحيرة"، "اللالي"، "الولدة". وتقدم هذه الدبكة في الأفراح والمناسبات الخاصة كـ"الختان" والأعياد الوطنية. وسألوني عنها فقلت فيها: "قالوا جتنا من الفرات من أراضي الجزيرة/ هيك قالت معلومات أهالينا بالديرة"».

أما الدبكة "السلمونية" فيقول فيها: «نسبة إلى غيرها من الدبكات تعتبر "الدبكة السلمونية" سريعة الحركة، تقدم على إيقاع الطبل وصوت الزمر ويغنى فيها "الدابل" وهي وليدة دبكة "القوصر" و"الدحّة" وتقدم في الأفراح وعلى خشبات المسارح».

فيما تبدو "القوصرية" من الدبكات ذات الإيقاع الرقيق، واللحن الدقيق، ولها في ذلك تراث عريق، فيقول فيها: «تعالالي يا غزالي/ يا قمر ع تلال العالي/ حتى نسهر دق المزهر/ لادبك قوصر على موالي».

ويتابع "البكار": «عندما سألت عن دبكة "القوصرية" من أين جاءت، قيل لي: "دق الزهر حتى ندبك ع القوصر/ القوصر جتنا يا زين من كرم الزيتون الأخضر"».

أما الدبكة "البكارية" التي تتباهى بأصالتها الفلكلورية، فيقول عنها: «دق المهباج ع العالي يا بو ريّا/ حتى غنّي موالي ع الدبكة البكارية».

ويكمل الحديث عنها فيقول: «للدبكة "البكارية" نكهة شعبية، كأنها نغمة حجازية، وقد مثلت هذه الدبكة القطر العربي السوري في مهرجان الفنون الشعبية الذي أقيم في المملكة العربية السعودية عام 1983. وعندما سألني الناس عنها من أين جاءت هذه الدبكة قلت: "البكارية يا حلوين أصلها حلبية/ عدلوها الفنانين وساووها إدلبية"».

ويختم حديثه بتعريفنا على دبكة "العدّاوية" فيقول: «تنفذ على شكل حلقة بداخلها شاب وفتاة يتحاوران بالشعر الزجلي الارتجالي بطريقة "الكر"، و"الفر"، ثم بعد ذلك يتناغما في الحوار على هذه الأبيات: "مرتيني مرتيني/ يا سمرة قاتلتيني/ وانا قتلني البرد/ بحْضينك لفّيني/ مرتين تلاتي شفتك يا حياتي/ هاتي ايدك هاتي/ وعالدبكة الحقيني».

ويضيف: «ولي في هذه الدبكة قول: "العداوية عدّوها/ بنت وشب غنوها/ ع الماني يا يما ماني/ قاموا الحارة وحطوها"».