تعتبر "أوضة" حج "محمد بهلول" في "كورين" من أول وأقدم الأوض في القرية، ولعلها شهدت وراقبت كل الأحداث القديمة التي وقعت في هذه القرية، بل كانت مجتمعاً مصغراً قائماً بحد ذاته، لأنها مقصد ووجهة كل أبناء القرية صغيرهم وكبيرهم، ومحطة لكل غريب قادم إلى القرية، ولكن لم تكتف هذه المضافة بما وجدت له بل تعدت ذلك، وساهمت في الاحتفاظ بشيء من تاريخ ثورة الشمال.
حيث شهدت العديد من الاجتماعات لقادة الثورة، وكان من أهمها اتفاقية بين القوات "الفرنسية" وبين الزعيم "إبراهيم هنانو" وحضر هذه الأوضة العديد من الشخصيات المهمة وصاحبة القرار في ذلك الوقت.
بنى هذه "الأوضة" جدي حج "محمد بهلول" منذ زمن بعيد، وعُرفت منذ ذلك الوقت بـ"أوضة حج محمد"، وكانت مقصد كل أبناء القرية، لعبت دوراً مهما في جانب الضيافة واستقبال الضيوف الذين يأتون إلى القرية، لكونها "الأوضة" الوحيدة في ذلك الوقت، وبقيت عامرة إلى الوقت الراهن ولكن دورها الآن لم يعد كما كان بالسابق ولم يعد وجودها يعني لأحد أي شيء، سوى عدد من الرجال المعمرين الذين يرتادونها بين الفينة والأخرى كلما وجدوا الظرف يساعدهم في ذلك لما لهم بها من ذكريات
الحاج "محمد فرارة" أحد أبناء القرية والذي يقول: «يزيد عمر هذه "الأوضة" على مئتي عام، ومنذ وعيتُ وأنا ارتادها بشكل دائم، وحدثني أبي أنه يعرف هذه المضافة منذ فترات شبابه، حيث لم يكن في القرية كلها "أوضة" ولا مضافة غيرها، وبقيت على هذا الحال حتى وقت متأخر، وكنا دائماً نجتمع فيها ونمضي اليالي إثر الليالي، وخصوصاً في أيام الشتاء، حيث لم نكن لنغادرها منذ الصباح وحتى آخر الليل، فنتبادل الأحاديث ونُطرب لأصوات "العتابا والميجنا" التي كان يرددها بعض الأشخاص، كما نلعب لعبة "المنقلة" التي كانت سائدة في ذلك الوقت، ثم "الشدة والضوما" فيما بعد، وكثيراً ما يتم التداول في أمور القرية ومشاكلها حيث يتم حلها من قبل كبار القرية».
موقع eIdleb زار المضافة وكان لنا وقفة مع صاحبها الحالي حج "عبد الكريم بهلول" والذي يقول: «بنى هذه "الأوضة" جدي حج "محمد بهلول" منذ زمن بعيد، وعُرفت منذ ذلك الوقت بـ"أوضة حج محمد"، وكانت مقصد كل أبناء القرية، لعبت دوراً مهما في جانب الضيافة واستقبال الضيوف الذين يأتون إلى القرية، لكونها "الأوضة" الوحيدة في ذلك الوقت، وبقيت عامرة إلى الوقت الراهن ولكن دورها الآن لم يعد كما كان بالسابق ولم يعد وجودها يعني لأحد أي شيء، سوى عدد من الرجال المعمرين الذين يرتادونها بين الفينة والأخرى كلما وجدوا الظرف يساعدهم في ذلك لما لهم بها من ذكريات».
ويقول الحج "نديم بهلول" أحد أبناء القرية المعمرين: «شهدت هذه "الأوضة" أحداثا هامة لا تزال إلى الوقت الراهن تستعاد في القرية وتحكى بين أبنائها، فهي شاهد باق على ثورة الشمال، وعلى بطولة المجاهدين التي أجبرت "الفرنسيين" على الانصياع لهم ولو على سبيل المكر والخديعة، حيث طلب "الفرنسيون" من الزعيم "إبراهيم بيك" توقيع هدنة بوقف إطلاق النار، وكان المكان الذي اختاره الزعيم هذه "الأوضة"، وبالفعل حدثت المفاوضات وحضر جانب فرنسي و"إبراهيم هنانو" ومجموعة من أصدقائه الثوار، وفي أثناء وجودهم بـ"الأوضة" طلب الجنرال "الفرنسي" من قواته إلقاء القبض على الزعيم وأصدقائه، حيث كانت الحامية الفرنسية متمركزة في "أريحا" فتسرب الخبر إلى الزعيم، فاستطاع مع جدي ومجموعة الثوار الموجودين الخلاص من هذا الكمين الذي كاد يودي بحياة الثورة، لو أنهم اعتقلوا "إبراهيم بيك"، فحضر الجنرال "غورو" بنفسه إلى "الأوضة" واستراح فيها على مرأى ومسمع من كل أهل القرية، وحاول ملاحقة الزعيم وأصحابه ولكنه فشل في ذلك، واعتبرت هذه "الأوضة" استراحة للزعيم في أثناء ذهابه إلى جبل الزاوية وعودته، وكثيرا ما كان يأتي ليبيت في قرية "كورين" في منزل يقع فوق "الأوضة" وكان جدي يضع سلاحه على كرسي من الخشب ويبقى يرقب مدخل الحارة حتى الصباح».
السيد "نديم بهلول" ابن قرية "كورين" ورئيس بلديتها يقول: «لا تزال حكاية "الأوضة" قائمة في القرية، ويعرفها الجميع، وما أن تسأل أي شخص في "كورين" عن أهم معالمها حتى يقول "الأوضة"، لأنها شهدت أحداثا هامة على الجانب الثوري والاجتماعي، وكانت مقصداً لرجال الثورة واستراحة لهم ولفترة طويلة، بالإضافة إلى الدور المهم الذي لعبته في القرية، حيث إن "الأوض" في القرى تنوب عن المقاهي في المدن، فهي ضرورة لا بد منها، ولا يمكن وجود أي قرية من غير أن توجد فيها "أوضة" تعتبرها مصدر فخر واعتزاز لها، حيث إنها تعكس الواجهة الحضارية للقرية، وذلك من خلال استقطابها للضيوف الذين يأتون القرية القريب منهم والغريب، فلذلك كان الاهتمام بـ"الأوضة" فرض واجب على كل أبناء القرية، إضافة إلى أنها محطة لأخبار القرية ومنبراً لأهم الأحداث التي تقع فيها، من أفراح وأحزان وحسام فيصل لحل الأمور الخلافية التي تقع بين أبناء القرية».