تشكل المدن المنسية في سورية الشمالية، كما كانت تسمى فيما مضى، إحدى المجموعات الأثرية الأكثر روعة في العالم، وتتميز هذه القرى بأنها بنيت وفق أسلوب معماري واحد وأطلق عليها علماء الآثار اسم فن العمارة السورية تمييزاً عن فن العمارة الكلاسيكية اليونانية والرومانية وهي بهذا تستحق الحفاظ عليها لجمال عمارتها وجعلها محورا لنشاطات سياحية تثير إعجاب السياح بجمالها وعظمة بنيانها وفرادته، "سرجيلا" قرية "ماتت" حينما هجرها أهلها قبل 1300 عام عندما حزموا أغراضهم ونظفوا منازلهم ورحلوا مخلّفين للتاريخ بيوتاً مبنية بالحجر الصلب ومعصرة ومقابر وكنيسة وجامعاً.

موقع "eIdleb" زار "سرجيلا" وقابل عدداً من ضيوفها الأجانب وأجرى اللقاءات التالية، حيث التقينا السيد "اندرو واتس" وصديقه البريطانيين وفي سؤال عن سبب اختيارهم لسرجلا كوجهة سياحية أجابا: «جئنا مع بعثة إلى جامعتي "حلب ودمشق" وبطبيعة الحال من يأتي إلى سورية فسيكون معه دليل المواقع الأثرية، وقد اخترنا "سرجيلا" لشهرتها في فن بنائها وروعته وسنذهب إلى أماكن أخرى منها "أفاميا وتدمر"، والجميل هنا أنت كزائر إن كنت بدون دليل سياحي ففي كل مبنى أثري عليه يافطة باللغات العربية والانكليزية والفرنسية تدلك على الموقع».

أنا أستاذ بالجامعة ومدرس للتاريخ ولا أحتاج إلى دليل سياحي ولا إلى كتاب ليعرفني بحضارة "سرجيلا"، البناء هنا جميل جداً والبيوت والقبور مازالت محافظة على شكلها الخارجي، وأنا معجب بهذا البيت الكبير وهذه يافطة تشرح نموذج هذا البيت

وحيث تشير اللافتة عن الحمام الموجود وكيفية استخدامه قال: «إن بناء حمام "سرجيلا" مؤرخ في عام /743/ للميلاد من خلال كتابة اكتشفت في بداية القرن الماضي على أرضية الفسيفساء في القاعة الكبيرة وكان أحد السكان الأغنياء قد قدمه كهبة لقريته، وكانت الحمامات تعمل بقاعتها الباردة والدافئة والحارة وفق نمط الحمامات الرومانية المعروف حالياً بالحمام التركي، أي ثلاث غرف تتسع كل واحدة منها لأكثر من عشرة أشخاص تتوسطها بركة مياه. أولى الغرف باردة، أما الثانية فمياهها معتدلة الحرارة والثالثة حارة جداً، وفي وسط حمام سرجيلا قاعة كبيرة تتسع لعشرات الأشخاص، وبسبب المقاعد المبنية على أطرافها فهي تشبه قاعات الاجتماع».

الاستراليين

ويضيف البروفسور الهنغاري "كانات" عن جمالية "سرجيلا" بالقول: «أنا أستاذ بالجامعة ومدرس للتاريخ ولا أحتاج إلى دليل سياحي ولا إلى كتاب ليعرفني بحضارة "سرجيلا"، البناء هنا جميل جداً والبيوت والقبور مازالت محافظة على شكلها الخارجي، وأنا معجب بهذا البيت الكبير وهذه يافطة تشرح نموذج هذا البيت».

وتشير اليافطة إلى أن البيت بمساحة /600/م وكان يتألف من بناء من حجرتين في الطابق الأرضي تعلوهما حجرتان في الطابق الأعلى، ويمكننا أن نرى ركيزة وتبليط رواق ذي طبقتين كان ملاصقاً للواجهة الرئيسية، وتمت أعادة تشكيل البناء الرئيسي اعتماداً على دراسة القطع الحجرية المردومة في الباحة وتبعاُ للحزات الموجودة في الجدران من أجل حمل العناصر الخشبية التي اختفت اليوم.

الكنيسة قيد الترميم

وعن الخدمات الموجودة في "سرجيلا" والاكتشافات الحديثة وأماكنها يضيف الأستاذ "نديم القدور" أحد حراس هذا الموقع بالقول: «تم تجهيز مكتب للخدمات لمرافقة السياح من /8/ حراس بالتناوب على مدار الأيام ومطعم صغير لتقديم الوجبات السريعة ويتم بناء فندق للسياح الأجانب، و أما المكتشفات فقد عـُثر في سرجيلا حديثاً على معاصر للزيتون والعنب أجرانها منحوتة في الصخر، وبعض تلك المعاصر مبنية داخل صرح البيت الواحد، وهناك معصرة واحدة كبيرة مبنية في وسط القرية، وكأن كلّ أفراد القرية كانوا يستعملونها، وفيها الكثير من الأبنية السكنية والكنائس والحمامات والقصور ومعاصر الزيت والقبور التي بنيت على نمط واحد تقريباً وغالباً أبنيتها بطابقين وتختلف من حيث سعتها وزخرفتها باختلاف ساكنيها وفيها كنيستان استخدمتا للعبادة أثناء الفتح الإسلامي، وكانت لغة شعبها السريانية أو اليونانية وكانوا وثنيين ثم تحولوا إلى المسيحية وقسم اعتنق الإسلام فيما بعد».

تخفي منازل "سرجيلا" أسرار خمسة قرون من السكن والحياة اليومية، والواقع أن الزمن يضيع قليلاً في سرجيلا، فلا تظهر علامات السنين على أطلال البيوت التي لا تزال تحتفظ بطبقاتها العليا وبأعمدة مداخلها، فيما لم يفقد بعضها إلا سقفه الخشبي، والبيوت مشيّدة كلها بالحجارة الصلبة ذات اللون الرمادي والمستخرجة من مقالع تقع على مسافة قريبة من القرية، وتعرضت "سرجيلا" كغيرها للحروب والزلازل وحررت على يد "نور الدين الزنكي" عام 1148م.

البرفسور الهنغاري