يعتبر الفخار أحد الشواهد الهامة على عظمة مدينة "إبلا"، نظراً لدوره الاقتصادي والاجتماعي والفكري والمعيشي في حياة الإبلاويين.

الأستاذ "فجر حاج محمد" الباحث المهتم بتاريخ وآثار "إبلا" قال: «لم تختلف مدينة "إبلا" ومحيطها عن باقي مناطق "سورية" والشرق القديم في صناعة الفخار، فقد بدأت صناعة الفخار في محيط "إبلا" باكراً منذ الألف السابع قبل الميلاد مروراً بالألف السادس والخامس قبل الميلاد في "تل الكرخ" ومستوطنة "قميناس" إلى الشرق من مدينة "إدلب"، وكان لصناعة الفخار في "إبلا" خلال مرحلتي ازدهارها الأولى والثانية شأن كبير، ومن خلال رؤيتنا لأشكال الأواني الفخارية وروعتها ودقة صنعتها يتضح لنا تماماً مدى التقدم الذي وصلت إليه هذه الصناعة في "إبلا"، وخلال الألف الثالث قبل الميلاد استخدم الصانع الإبلاوي الدولاب لصناعة الفخار، حيث يصبح تصنيع الفخار بشكل متناسق وأكثر دقة، والدولاب عبارة عن قرص ذي محور يتحكم الصانع بسرعته بحيث تدور القطعة الفخارية بما يسمح بتصنيعها بشكل سلس ومرن، واستخدم الإبلاويون الأفران لشي الفخار وجعله صلباً غير نافذ للماء، ويمكن القول بأن كافة أنواع الأواني الفخارية صنعت في "إبلا" خلال المرحلتين الأولى والثانية، إنما ما يميز صناعة الفخار في الألف الثالث قبل الميلاد هو الدقة والنعومة الكبيرة للقطع الفخارية، حيث كان يصنع الفخار المعدني، حيث يتم تصفية الطين الغضاري بشكل كبير جداً وتصنيعه بشكل رائع إلى فخار رقيق وناعم ذي ألوان المتعددة ويعطي عند نقره صوتاً شبيهاً بصوت المعدن، أيضاً تميزت فخاريات هذه المرحلة بوجود تزيينات على القطع بواسطة المشط أو بأصابع اليد أو أحياناً بالألوان الداكنة البنية والحمراء بشكل خطوط أو بشكل صور نافرة لطيور وحيوانات، حيث كانت تزين بها الأواني وخاصة أواني الملوك وعلية القوم.

يعتبر الفخار جزءاً لا يتجزأ من حياة الإنسان القديم، وشكل أحد العوامل المساعدة والمقارنات التي حلت بعد الدراسة الكثير من المشاكل التزامنية بين المواقع، وفي موقع "إبلا" تم الكشف عن آلاف القطع الفخارية إلى جانب نماذج كان الإبلاويون يستوردونها من مصر ضمن العلاقات التجارية، وعثر على أوان مصنوعة على الدولاب ممزوجة بالرمل ومشوية جيداً، كما عثر في القصر الملكي على أوان فخارية رقيقة جداً وصغيرة الحجم، وهذه النماذج دليل على دقة وبراعة الصانع الإبلاوي، إلى جانب عدة أشكال وأنماط من أكواب ذات شكل اسطواني بعضها ملون وعليه تحزيزات مع فناجين وأطباق وأباريق بعضها ذو شكل بيضوي، وهذا دليل آخر على مدى التطور الذي وصلت إليه صناعة الفخار في إبلا، ومن أنماط فخار "إبلا" نميز نمط "القارورة السورية" وهو عبارة عن قارورة عادية ذات جسد منتفخ وعنق ضيق، وهذا النوع يعتبر أحد القطع المميزة لفخار "سورية"، كذلك تم العثور على أنماط من الأباريق يسمى "الأباريق الكيليكية"، حيث يكون له مقبض بشكل لولبي وعليه رسومات حيوانية عديدة، وكانت المكاييل أيضا تصنع من الفخار

لم يختلف الوضع كثيراً خلال الألف الثاني حيث نرى تميزاً في الصناعات الفخارية الإبلاوية ونرى الكثير من الأواني الفخارية التي تم تحديثها وتطويرها، حيث نرى الفازات والأواني على شكل حيوانات وعلى أشكال مختلفة، وظهر الفخار الرائع الذي رسمت عليه مشاهد حيوانية ونباتية رائعة باللون البني تميزت بها "إبلا"، فنرى على سبيل المثال الغزال ونبتات القمح بعرى مجدولة تميزت بها "إبلا"، كما نلاحظ أن الإبلاويون خلال الألف الثاني قبل الميلاد استخدموا الفخار في صناعة الأحواض الكبيرة التي تستخدم في المعابد، وتم صناعة الفخار لحفظ المؤونة حيث تم العثور على عدد كبير من الجرار الفخارية التي تتسع لكميات كبيرة من الزيوت والخمور والحبوب والزيتون وغيرها من المواد التي كان يحفظها الإبلائيون في بيوتهم».

جرار فخارية إبلاوية استخدمت لحفظ زيت الزيتون وتصديره

ويضيف الأستاذ "فجر حاج محمد": «وقد تم الكشف عن آلاف اللقى الفخارية المتنوعة في "إبلا"، الأواني الفريدة من نوعها كالجرار الكبيرة والصغيرة والمباخر والصحون والقوارير التي تستخدم لحفظ العطور والأدوية، وهناك الكثير من اللقى الفخارية الفنية على شكل دمى بشرية وحيوانية ودمى للربة "عشتار" ربة الخصب والحرب في "إبلا"، كانت كثيراً ما تصنع هذه الدمى في "إبلا" بدءاً من الألف الثالثة قبل الميلاد مروراً بالألف الثانية قبل الميلاد والمراحل اللاحقة وكان لهذه الدمى وظائف دينية إضافة إلى دمى ولعب الأطفال، وكان للفخار وجوده القوي في حياة "إبلا" الاقتصادية، حيث كان له دور كبير في التجارة فالأواني الفخارية كانت الأوعية التي تحفظ بها المواد التي كانت تصدرها إبلا كالزيوت والحبوب والخمور والزيتون وغيرها، كذلك كان الفخار من السلع التجارية التي تصدرها وتستوردها من المدن الأخرى وخاصة من "كبادوكيا" في آسيا الوسطى ومن الشرق السوري ومن العراق وأوغاريت، وكذلك قاموا بتصدير فخارهم إلى تلك المناطق، حيث يتم تبادل الأواني الفخارية الفريدة من نوعها بين إبلا وتلك المدن لتبادل الخبرة في مجال صناعة الفخار، وصناعة الفخار في "إبلا" اعتمدت على تقنيات عالية منها تصفية الطينة في أحواض وجعلها ناعمة طرية يمكن تشكيلها بسهولة، ومن هنا تميز الفخار الإبلاوي عن فخار كثير من المناطق، إن ما اكتشف في "إبلا" يتجاوز عشرات الآلاف من الأواني الفخارية ما يدل على انتشار كبير وأهمية كبيرة للفخار في حياة هذه المدينة السورية العظيمة "إبلا"، كما أن انتشار المواقد والأفران في الموقع بكثرة يدل على تميز كبير لإبلا في هذه الصناعة وانتشار واسع لصانعيها المهرة، ولا ننسى أن الفخار استخدم أحياناً لصنع الأختام في "إبلا" لسهولة تصنيع هذه المادة وسهولة النقش عليها، حيث لدينا الكثير من الأختام الاسطوانية والمربعة والدائرية الفخارية اكتشفت فيها، كما أن الطين الفخاري استخدم في "إبلا" لكتابة الرقم المسمارية، حيث قام الإبلاويون بتصنيع رقمهم من طين فخاري لزج كتبوا عليه قبل تجفيفه، وهناك العديد من الرقم الهامة التي تم شيها للحفاظ عليها بشكل أساسي، أما القطع الآخرى فقد جففت تحت أشعة الشمس، وأثناء الحرب الأكادية الإبلاوية وتدمير "إبلا" أدى اشتعال الحريق الهائل فيها إلى تفخير تلك الرقم المسمارية وبدل أن تكون رقماً طينية أضحت رقماً فخارية تماماً كالفخار العادي من حيث اللون والشكل والمتانة».

الأستاذ "أحمد خربوطلي" ماجستير لغات قديمة قال: «يعتبر الفخار جزءاً لا يتجزأ من حياة الإنسان القديم، وشكل أحد العوامل المساعدة والمقارنات التي حلت بعد الدراسة الكثير من المشاكل التزامنية بين المواقع، وفي موقع "إبلا" تم الكشف عن آلاف القطع الفخارية إلى جانب نماذج كان الإبلاويون يستوردونها من مصر ضمن العلاقات التجارية، وعثر على أوان مصنوعة على الدولاب ممزوجة بالرمل ومشوية جيداً، كما عثر في القصر الملكي على أوان فخارية رقيقة جداً وصغيرة الحجم، وهذه النماذج دليل على دقة وبراعة الصانع الإبلاوي، إلى جانب عدة أشكال وأنماط من أكواب ذات شكل اسطواني بعضها ملون وعليه تحزيزات مع فناجين وأطباق وأباريق بعضها ذو شكل بيضوي، وهذا دليل آخر على مدى التطور الذي وصلت إليه صناعة الفخار في إبلا، ومن أنماط فخار "إبلا" نميز نمط "القارورة السورية" وهو عبارة عن قارورة عادية ذات جسد منتفخ وعنق ضيق، وهذا النوع يعتبر أحد القطع المميزة لفخار "سورية"، كذلك تم العثور على أنماط من الأباريق يسمى "الأباريق الكيليكية"، حيث يكون له مقبض بشكل لولبي وعليه رسومات حيوانية عديدة، وكانت المكاييل أيضا تصنع من الفخار».

من نماذج فخاريات إبلا
جرار إبلا الفخارية تميزت برسومها وزخارفها