تعد صناعة صابون الغار مصدر رزق للكثيرين من سكان منطقة "كسب" الذين طوروا صناعته وأبدعوا فيها حتى غدا حرفة تقليدية تتوارثها الأجيال، وزادت شهرته ليصبح من الصادرات التي تطلبها العديد من البلدان في آسيا وأوروبا والمهتمة بالمنتجات الطبيعية الخالية من أي تدخل كيماوي أو صناعي.
موقع eLatakia زار "منطقة كسب" والتقى بالمهندس "أستيف آبليان" صاحب أقدم معامل المنطقة لصناعة الصابون وأشهرها، ليتحدث في بداية اللقاء عن مكانة شجرة الغار وأهميتها:«إن الغار يشكل محوراً هاماً في التنمية والاقتصاد الريفي السوري، إذ تشارك جميع أجزاء الشجرة في الاستخدام البشري، ونبات الغار له أهمية اقتصادية لمردوده المادي وشهرته العالمية الكبيرة، فاليابان مثلاً راحت تستخدم الغار أكثر منا نحن منتجوه، حيث إننا تركنا الأصل المصنوع بين أيدينا ومنها، واتجهنا وراء المواد المصنعة كيماوياً وقد ذكر لي شخصياً مسؤول الأعمال السوري- الأوروبي عندما شاهد منتجات معملي أننا في سورية ينبغي أن نهتم في الصناعات التقليدية المتوارثة ذات القيمة الدولية الكبيرة مثل الجلديات والبروكار وصابون الغار بدلاً من الاهتمام بالأمور التصنيعية والتركيبة، وقد بادر الأوروبيون في الآونة الأخيرة إلى توثيق هذه الصناعات في سورية».
أخبرتنا فتاة يابانية يافعة، عند عودتها إلى اليابان أن صديقاتها هناك لما علموا أنها كانت في سورية قالوا لها تعالي لنشتم رائحتك لأنها رائحة الغار الحقيقي، فأنت قادمة من بلاد الغار
وعن الطريقة التي تعرف عليها اليابانيون على صابون "كسب" يقول "آبليان": «زار المنطقة سياح من اليابان واطلعوا أثناء زيارتهم على منتجات مصنعنا فأخذوا منها إلى بلادهم ليعود تجارهم وخلال أشهر قليلة طالبين أن نشحن إليهم كميات كبيرة من منتجنا المصنوع وفق الطريقة الباردة على خلاف غار "حلب" الواسع الصيت، وطبعاً لم نقف عند اليابان وحسب بل وصل منتجنا اليوم إلى أوروبا وأمريكا والعديد من الدول العربية».
يتابع المهندس "آبليان" حديثه: «أخبرتنا فتاة يابانية يافعة، عند عودتها إلى اليابان أن صديقاتها هناك لما علموا أنها كانت في سورية قالوا لها تعالي لنشتم رائحتك لأنها رائحة الغار الحقيقي، فأنت قادمة من بلاد الغار».
وعن الطريقة التي يصنعون بها منتجهم تحدث الشاب "علي زاهر" أحد العاملين في مصنع "آبليان": «نقوم بتحضير الخلطة التي ستتكون منها طبخة الصابون والتي تشمل كافة أنواع الزيوت المطلوبة، ثم نضعها في الخلاط ضمن معايير وكميات محددة تعتبر هي سر المهنة، ثم نخلط مع المزيج مادة "الكوستيك" المسؤولة عن تصبّن الصابون، وبعد أن يتماسك الخليط نصّب السائل اللزج في قوالب خشبية ونتركه حتى ينشف وتستمر هذه العملية مدة عشرة أيام، بعد ذلك يتم تقطيع القوالب لتأخذ الشكل النهائي للصابون، بعد ذلك نأخذ الصابون إلى عملية التنشيف النهائية والتي تمتد بين 1-3 أشهر حسب طبيعة الطقس وبرودة الجو، ومن ثم تتم عملية التغليف النهائية، والطريقة الباردة لصناعة الصابون في "كسب" تكسبه فوائد عدّة ولاسيما أن الزيوت التي تدخل في صناعته تبقى محافظة على خواصها الطبيعية والطبيّة، أما عندما يتم غليّ الزيوت، وهي الطريقة القديمة لصناعة الصابون، فتفقد تلك الزيوت خواصها وقيمتها وبالتالي تؤثر على قيمة المنتج».
وعن فوائد نبات الغار ككل يقول "آبليان": «إن شجرة الغار بالعموم هي شجرة دائمة الخضرة من الفصيلة الغارية تتكاثر وحدها وتنتشر بكثرة في الجبال الساحلية ولأوراقها فوائد طبية وعلاجية عديدة وتحتوي ثمار الغار على نسبة 25 بالمئة من الزيت العطري إضافة إلى الدهون الثلاثية، ونستطيع الاستفادة من جميع أجزاء نبات الغار، فالقشور طاردة للحشرات وتستخدم لتخزين الملابس، أما الأوراق فهي من أهم التوابل المنكهة وخاصة عند طهو اللحوم، والثمار يستخرج منها زيت الغار ذو الرائحة الزكية المكون من مواد متطايرة عطرية والذي يستخدم في صناعة الصابون والطب العربي، أما الأغصان فهي رمز للخير وتزرع في المنزل الريفي، أما عن حب الغار فهو كنز طبيعي نباتي يدخل في تركيب أغلب أدوية وعقاقير الطب العربي».
وتجدر الإشارة إلى أن معمل المهندس "آبليان" يعتبر من أقدم معامل الصابون في "كسب"، حيث بُـدئ العمل فيه من قبل جد زوجته ووالدها عام 1942م.