عشق المسرح فكان خياره الأول والأهم في مسيرته الفنية الغنية، زار بلداناً كثيرة وفي كل بلد كان له معشوقة لم تكن جسداً كانت خشبة المسرح التي سلمها أحاسيسه وانفعالاته فلم تبخل عليه

مقابل جهده الصادق لتجعله ممثلاً مسرحياً محترفاً بكل ما للكلمة من معنى وليكون هو نفسه أستاذاً لنجوم كبار في المسرح والدراما السورية حين درسهم في المعهد العالي للفنون المسرحية، فبات الفنانون والكتاب والنقاد يرفعون القبعة لمن التصق اسمه بالفن الحقيقي، ونحن أيضاً موقع eSyria نوجه أجمل تحية للأستاذ الفنان فايز قزق.

وفي لقاء جميل وممتع معه وحين سألناه عن بداياته قال: "ولدت في مدينة دمشق عام (1959) لعائلة تعود أصولها إلى قرية جميلة في ريف اللاذقية، درست جميع المراحل التعليمية في ضواحي دمشق (برزة البلد) حتى عام(1977)، حيث انتسبت إلى المعهد العالي للفنون المسرحية، وعام (1981) كنت ضمن الدفعة الأولى التي تخرجت من هذا المعهد باختصاص قسم التمثيل لأغدوا معيداً في المعهد من عام (1983) حتى (1985)، ثم كان السفر إلى بريطانيا وهناك حصلت على شهادة الدراسات العليا في إعداد وتدريب الممثل من كلية (الروز بروفيرد) (the rose bruford collaje of speech and drama) وتابعت دراستي لأحصل على الشهادة الثانية ماستر في الإخراج من جامعة نفرسيتي ليدز في بريطانيا، ثم عدت إلى سورية عام (1988) لأكون أستاذاً في المعهد العالي للفنون المسرحية ومخرج محترف وبعد عام قدمت أول أعمالي المسرحية (رجل برجل) ثم تخرجت الدفعة الأولى لي من المعهد عام (1994) لأخرَج بعدها دفعتين حتى الآن.

وعن تجربته المهمة في دولة الكويت يقول قزق: "وجودي في الكويت مرحلة مهمة في حياتي لأنها تجربة جديدة حيث استمرت من عام (1995) حتى (2000) فخرجت هناك أربع دفعات من معهد الفنون المسرحية وقدمت (11) مشروع مسرحي، ومثلت الكويت في عدد من المناسبات والمهرجانات المحلية والدولية ومن الأعمال التي قدمتها كمخرج ومدرب (الخادمات لجون جينيه- موكب السمك لبرتولد بريخت- رأس المملوك جابر لسعدالله ونوس- يا طالع الشجرة لتوفيق الحكيم ..وغيرها من الاعمال).

لأعود وأصبح مديراً للمسارح والموسيقى ولمدة لا تزيد عن عشرة أشهر فقط واستقالتي تعود لظروف مختلفة، وحالياً أنا أستاذ في المعهد العالي للفنون المسرحية.

الفنان فايز قزق قدم الكثير من الأعمال المهمة التي تركت أثراً وبصمة في عالم المسرح فغدت أغلب مسرحياته نموذجاً يدرس لطلاب التمثيل داخل سورية وخارجها وفي جميعها قدم دور البطولة كما يقول هو وليعددها لنا فيقول: "مثلت في عروض كثيرة منها (السيد بونتيلا وتابعه لماتي بريخيت إخراج أسعد فضة - رأس المملوك جابر لسعدالله ونوس إخراج جواد الأسدي - المرحوم لبرانسلاف نوشتيش إخراج مانويل جينجي - تقاسيم على العنبر وهي من إعداد وإخراج جواد الأسدي- عند العنبر 6 لتشيخوف- الحارس لهارولد فبتر وإخراج عماد عطواني - الأنسة جوليا لستراندبيرغ إخراج روناك شوقي، ومسرحيات أخرى كثيرة وأخر عروضه كانت مسرحية حمام بغدادي بمهرجان اللاذقية المسرحي وهي من أعداد وأخراج جواد الأسدي،كما أخرجت العديد من المسرحيات منها وعكة عابرة - مركب بلا جياد لكاسونا- النفق مسرحية مرتجلة- شكسبيريات إغريقيات لعدد من المؤلفين- حلم ليلة صيف لوليم شكسبير،وغيرها من عروض أخرى و مشاريع ونتاج ورشات عمل ودراسات تطبيقية شاركت فيها وقدمتها في جامعات دمشق-بيروت- الكويت- برلين- كوبنهاغن- طوكيو- فرنسا- اسكوتلندا- انكلترة- مسقط - القاهرة- تونس- الرباط- الدار البيضاء- القاهرة وغيرها من المدن حيث كانت مشاركته كممثل ومخرج ومحاضر في فن التمثيل والإخراج.

ومن المعروف بأن الفنان قزق قد حصد الكثير من الجوائز المحلية والعربية والعالمية كممثل وناشط مسرحي لكنه لم يعددها مشيراً إلى أن غايته في الفن هو مسرح سليم ومعافى مكتفياً بذكر جائزته الأخيرة كأفضل ممثل مسرحي في مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي عن دوره في مسرحية حمام بغدادي، وليؤكد رغبته بالإنتقال من الحديث عن موضوع الجوائز استخدم بديهته الحاضرة دائماً فقال: "بالمناسبة لقد ترجمت العديد من المقالات المتخصصة بالمسرح لمجلات ودوريات سورية وعربية كما ترجمت كتاب (مسرح ميرخولد وبرخت) لمؤلفه كاترين بليزوايتون، وهو كتاب يدرس تاريخ العلاقة بين المخرج والمنظر المسرحي الروسي ميرخولد ومسرح بيرتولد برخت المخرج الألماني الذي ارتبط اسمه فيما بعد بما يعرف بالمسرح الملحمي.

كما أن قيام الفنان قزق بتقديم العديد من الأعمال المسرحية المرتجلة دليل على اهتمامه بالعمل على هذه التقنية الصعبة التي يريد من خلالها إطلاع جمهور المسرح على أسلوب يحتاج لمفردات ومقدرات تمثيلية كبيرة فوضح بأنه يعشق هذا النوع من الفن المسرحي فهو تقنية إبداعية يتم استخدامها من قبل الممثل على خشبة المسرح لاستدراج شخصية وتكوين عالمها الداخلي والخارجي بكل ما يحتويانه من علاقات حسية نفسية وجدانية وحياتية لتكوين مفرداتها واستشفافها نوعية هدفها ودفعها عبر قصة معلومة لأحداثها وشخصياتها، وموقع كل شخصية سعياً للوصول إلى عرض مسرحي من خلال مبادرة الممثل، والمرتجل هو ممثل ذكي مجتهد وشديد الملاحظة لما يدور حوله، ويعتمد على الخيال وتثقيف هذا الخيال بمفردات قادرة على إسعافه لتكوين مشهد ولاستدراج مفردة أو شكل حركة على خشبة المسرح لإطلاق المعنى المراد وصوله بأرقى الأشكال الجمالية الجسدية والصوتية وبأدق تفاصيل السؤال العام الذي يطرح من خلال العرض كل ذلك مع زملائه المرتجلين على الخشبة، والإرتجال يقوم على أساس منهاج علمي ولا يعني إطلاقاً العشوائية أو المزاجية التي يتبعها بعض المشهورين حين يقوم أحدهم باستعراض خفة ظله وطاووسيته وصلافته على خشبة المسرح واستيباحه للخشبة فيقدم عليها أرخص أشكال الشغل، والمرتجلون المحترفون بحاجة للإتفاق فقط لعشرين دقيقة ثم إقتحام خشبة المسرح والإمساك بها، كما أنهم لا يعتمدون على الذاكرة في الأداء فهم أصحاب رأي حر ومغامرة يومية على خشبة المسرح.

أما عن تجربته السينمائية والتلفزيونية فقد شارك قزق بالعديد من الأفلام والمسلسلات كدور إسماعيل في رسائل شفهية- الأخرس في ما يطلبه المستمعون- عامر في فيلم خارج التغطية الذي سيعرض في الصالات السورية إبتداء من (24/4) بدمشق والمحافظات الأخرى وجميع هذه الأفلام من إنتاج المؤسسة العامة للسينما وإخراج عبد اللطيف عبد الحميد، ومن أدواره التلفزيونية حسن الصباح في مسلسل عمر الخيام وهو من إخراج شوقي الماجي- عبد الملك بن مروان في مسلسل الحجاج إخراج محمد عزيزية- حنظل في مسلسل شهرزاد لشوقي الماجي- ابن الربيع في أبناء الرشيد- شخصيات مختلفة في مسلسل عالمكشوف للمخرج الليث حجو والعديد من الأدوار الأخرى المتنوعة.

وعن رؤية الفنان قزق للإعلام والدور الذي يلعبه في المجتمع قال:"الإعلام يجب أن يكون مرتبطاً بشكل مباشر بالإنسان الذي يكافح ويجد للحصول على العلم والتعليم والصحة والغذاء والأمن والكساء والطريق والمشفى ومكان العمل ومكان السكن والفم والأذن والعين وكل حاجاته الروحية، إنني أحترم الإعلام الذي يبرز حاجات هؤلاء وهم يحاربون بنبل وشرف لتحقيق أحلامهم وهنا يأتي الإعلام الصادق ليحمل الرسالة ويوقظ فيهم الحلم، وكم هو سيئ الإعلام الذي يراعي مشاعر الناس باستعراضية كاذبة أو يستخف بقدراتهم الهائلة الخلاقة، الإعلام الذي يعمل بهذه الطريقة سيخسر في المستقبل، إن إظهار موهبة أو التحدث عن حالة إبداعية من قلب المجتمع والناس ستجعل أي جهة إعلامية أظهرتها شريكاً في حياتهم اليومية وصديقاً يشعر ويحس ويساعد.

فايز قزق لا يمر لقائك معه مرور الكرام بل ستغادره والكثير من كلماته تبقى تجول في ذاكرتك وكيف إذا عشق الإنسان مهنته بصدق أبدع فيها ودخل إلى عوالم جديدة، الكثيرون سيوافقون ما أقول ومن لا يوافق عليه أن يشاهد الممثل المسرحي فايز قزق على خشبة المسرح ليتأكد بأنه أمام عملاق مسرحي سوري يملك بصمة خاصة ومفعمة بالنشاط والإندفاع وحب جمهور المسرح.