هناك نماذج لشكاوي أمهات عن أطفال اعتادوا الكذب المتواصل في البيت والمدرسة والشارع الأمر الذي يدفعنا لطرح بعض الأسئلة:
متى يمكن لنا أن نقرر أن كذب الأطفال يستوجب العقاب قبل أن يستفحل الأمر؟ ومتى علينا أن نتقبله بصدر رحب على اعتبار أنها شقاوة أطفال لا بد منها؟
وهل هناك علاقة بين عمر الطفل ونوع أكاذيبه؟
المشكلة التي يسعى الأهل التعايش معها هي اعتبار الكذب أمر لا بد للطفل بأن يتصف به، ومنهم من يرفض هذه الصفة على اعتبار أنها عار يدل على عدم التربية الصحيحة.
لكن قبل الخوض في الناحية النفسية والاجتماعية لا بأس أن نرى رأي عدد من الأهالي عن موضوع الكذب مع أطفالهم:
تقول "ناديا" وهي أم لطفل في التاسعة من عمره (كثيراً ما يسبب لي ابني مواقف محرجة للغاية بسبب كذبه المستمر خاصة في المدرسة فهو يضرب أصدقاءه وعندما تسأله المدرسة عن سبب قيامه بهذا الأمر ينفي تماماً أنه من قام بذلك).
ويقول السيد "أحمد" وهو أب لطفل في العاشرة من عمره (تشاجر ابني مرة في المدرسة مع زميل له فارتطم زميله بأحد الأعمدة الحديدية في باحة المدرسة نتج عن ذلك مشكلة كبيرة إذ تم استدعائي شخصياً وعوقب ابني بالفصل (3) أيام بعد أن أصر على كذبه وأنه لم يفعل ذلك ولم يرض الاعتذار لزميله).
وبرأي آخر أخبرتنا "ميرفا" وهي أم لطفلين الأول في الخامسة عشرة من عمره والثاني في الثانية عشرة (أولادي من المستحيل أن يكذبوا علي وطبعاً هذا له أسباب أن هناك صداقة حقيقة وصراحة لا متناهية تجمعنا الأمر الذي يؤدي إلى ثقتهم التامة بقول الحقيقة لي لأنهم على معرفة بأنني سأتقبل كلامهم، وأضافت: (برأي من دوافع الكذب عند الأطفال خوفهم من ردة فعل الأهالي أو المدرسين لدى قول الحقيقة).
عن هذه الظاهرة كان لي لقاءات مع عدة اختصاصيين بالأمراض النفسية والاجتماعية، وبحثت في أسباب كذب الأطفال وأحب أن ألفت النظر إلى ما وصلت إليه عن هذه الظاهرة:
تختلف أنواع الكذب عند الأطفال حسب مراحل العمر، ففي مرحلة ما قبل الأربع سنوات من عمر الطفل كثيراً ما يمكن اعتبار الكذب كذباً أبيض ليس فيه أي سوء نية أو تخطيط من الطفل وغالباً ما يكون سببه خياله الخصب، أو عدم تمييزه بين الواقع وما قد يكون قد رآه في الأحلام، كما قد يكون محاولة من الطفل لجذب انتباه والديه من خلال تأليف بعض القصص، خصوصاً إذا شعر بانصراف الأهل عنه.
أما مرحلة ما بعد الأربع سنوات فهي الأكثر خطراً على شخصية الطفل حيث يلجأ فيها الطفل للكذب في أغلب الأحيان لحماية نفسه من العقاب، كما أنه قد يعاني من بعض النقص عندها يحاول الكذب من أجل الحصول على أشياء يمتلكها الآخرون فمن هنا يبدأ التحول من الكذب إلى السرقة طالما أن الأهل في غفلة عن الأسباب الحقيقية وراء كذبه.
كما قد يلجأ الطفل للكذب للانتقام أو ابعاد الشبهات عنه تجاه أي تصرف خاطئ يرتكبه، إضافة إلى أنه قد يتعلم هذه الصفة من الأهل بسبب كذبهم أمامه، ولعل معظمنا يفعل ذلك بشكل طبيعي بلا أي احساس بالذنب كأن يقول أحد الوالدين للطفل (رد على الهاتف قل أنني غير موجود بالمنزل)، كما يمتدح الأهل شخصاً بوجود أطفالهم ومن بعد رحيله يذمونه ويقولون عنه عكس كل ما قيل من قبل ومن هنا يترسخ في نفسية الطفل أن الكذب شيء عادي طالما أن والديه يفعلان ذلك ولابد هنا من التأكيد على أن تصرفات الطفل هو انعكاس لتصرفات الأهل وسلوكياتهم.
كما أحب أن أتطرق إلى الأمور التي يجب اللجوء إليها عند كذب الأطفال وهي التحدث معهم بهدوء عن الكذب كصفة سيئة وغير مستحبة وأن الناس لا يحبون الانسان الكذاب ومن الممكن أن نسرد له قصصاً تؤكد أن من يكذب يواجه مشاكل كبيرة.
أما إذا تجاوز الطفل عمر السابعة وكان لا يزال يميل إلى سرد قصص خيالية فلا بد هنا من تعويده بشكل غير مباشر على سرد قصص بتفاصيلها الحقيقية كأن يقرأ لنا قصة ونجعله يحكيها لنا بعد ذلك ونشدد على صحة تفاصيلها بلا أية إضافات، وإذا استمر الوضع مع كبر سن الطفل يجب أن ننبهه إلى أنه سيكون هناك عقاب إذا لم يتوقف عن الكذب مثل الحرمان من النزهة الأسبوعية أو اقتطاع جزء من المصروف أو الحرمان من اللعب مع أصدقائه لكن من المهم أن يكون حجم العقاب على حجم الكذبة ومن المهم أن لا يكون الضرب هو العقاب لأنه ذو تأثير سيء على نفسية الطفل.
وأيضاً من المهم مكافأة الطفل عندما يقول الحقيقة بنفس المعيار الذي كان سيعاقب عليه في حالة اعتياده على الكذب فهذا يعزز ثقته بنفسه وبأن الصدق أمر جميل يجلب له الأشياء الحلوة والأهم يجعل الآخرين يحبونه.