أيامٌ وليال قضاها صيادو السمك القدامى مع أبنائهم وأحفادهم وهم يحيكون خيوط شباكهم ويوزعون على جانبيها الفواشات والرصاصات بطريقة رياضية بحتة حتى يصلوا إلى شبكة صيد متزنة خيوطها متينة إذا علقت بها الأسماك لا تتمكن من الفرار ثانيةً.

ولشباك الصيد البحرية أنواع متعددة وطرق صناعتها متشابهة ولا تختلف إلا باتساع حجم الفتحات "العينية"- كما يسميها أهل البحر- أو ضيقها، وللتعرف أكثر على طريقة صناعة شباك الصيد موقع eLatakia التقى الريس "خالد برجس" الملقب "بالصياد" للتعرف على كيفية صناعة شباك الصيد في محافظة "اللاذقية" قديماً وما التطورات التي طرأت عليها حديثاً حيث قال: «أعمل في هذه المهنة منذ أكثر من خمسين عاماً وورثتها عن والدي "صبحي" الذي ورثها عن والده "هاشم برجس" الذي بدأ العمل بها في عام 1900م، شهدت خلال مسيرتي في هذه المهنة طريقتان لصناعة شباك الصيد الطريقة القديمة وهي يدوية بالكامل وكانت تستمر صناعتها لأشهر عدة والطريقة الحديثة التي لا تستمر لأكثر من أيام.

مهنتي تحتاج إلى دقة عالية ونظرٍ قويٍ وتركيزٍ عاليٍّ جداً لكي تتمكن من توزيع الفتحات والرصاصات والفلين بطريقة تتناسب مع بعضها البعض ويكون توزعها في البحر منسقاً يؤكد أن من صنع هذه الشبكة معلم ترفع له قبعة الصياد البيضاء، فصانع الشباك يشعر بمتعة لا توصف وينسى مرارة صناعة الشبكة عندما يأتي صياد ويقول له إن هذه الشبكة مصنوعة بأنامل معلم دقته عالية وهي تصطاد الأسماك دون أن تجد فيها نقاطاً للضعف

وسأبدأ بالحديث عن الطريقة القديمة وهي تسمى "صناعة الشبك بواسطة القصبة" وهي على الشكل التالي: في البداية يتم إحضار القطن ليتم غزله يدوياً مستخدمين أداةً مفرغة الشكل يتم لف الخيوط حولها وبعد أن تمتلئ بالخيوط نبدأ بصناعة الشبكة خطوة خطوة بواسطة القصبة التي تحاك الشبكة بواستطها بطريقة فنية بحيث تتصل مع بعضها بشكل متين مع مراعات ترك فراغات في الشبكة تسمى بلغة البحر "العينية"، هذه العينيات تعقد مع بعضها البعض بطريقة عرضانية وطولانية، هذه العملية تستمر لفترة زمنية تزيد عن الشهر (بحسب حجم العينية) وبعد أن تتم حياكة الشبكة بالكامل وتوزيع العينيات بطريقة دقيقة نأتي بالفواشات وهي (مصنوعة من الخشب على شكل دائري وفيها فتحة أو "خرم" ندخل من هذه الفتحة خيطاً حريرياً مغزولا ونترك فراغاً بين الواحدة والأخرى حوالي "50" سم هذا الفراغ يتم حياكته مع الشبكة الأصلية بواسطة خيط حريري أيضاً حتى يحيط بالطرف العلوي للشبكة بكاملها).

الصياد برجس يصنع الشباك.

أما الجهة السفلية فتتم إحاطتها بالثقالات وهي (مصنوعة من الرصاص المصبوب يدوياً وهي توزع على طول الشبكة بطريقة علمية تعتمد الوزن بحيث يتناسب توزيع الرصاص مع توزيع الخشب "الفواشات" لكي تأخذ الشبكة وضعها الصحيح في الماء "البحر" ويتم وصلها بخيط طويل وفواشة يتم سحبها من خلالها) وكل شبكة تستهلك حوالي "200" رصاصة و"100" فواشة ، بذلك نكون انتهينا من أهم خطوة ليتم بعدها إحاطة هذه الشبكة من الجانبين بأخرى تسمى "برشتر" وهي مصنوعة من الليف هذا النوع من الشبك اسمه "المبطنة" ويصطاد به كل أنواع الأسماك وهو شبك متين ويشبه المتاهة التي لا يمكن الخروج منها حيث إن الأسماك إذا دخلت من الجزء الأول تعلق في الثاني وإذا دخلت في الثاني تعلق في الثالث باستثناء الأسماك الصغيرة الحجم فهي لا تعلق ونحن لا نريد صيدها قبل أن تكبر، ويمتد طول هذا النوع من الشبك لحوالي (50 متراً) وارتفاعها لحوالي أربعة أمتار».

وعن طريقة الصيد بالشبكة يحدثنا الريس "نضال ديب" قائلاً: «عندما تصبح الشبكة جاهزة للعمل يتم إرسالها إلى البحر ويتم مدها بشكل طولاني متعرج الفواشات ترتفع نحو الأعلى والرصاص يهبط نحو الأسفل ومن ثم يتم تركها لفترة زمنية معينة يعود الصياد بعدها ليخرج شبكته من الماء بطريقة تقنية أيضاُ (أولاً يلتقط الفواشة التي تتصل بالجهة السفلية ويسحبها بالتوازي مع سحب الجهة العلوية حتى نهايتها ومن ثم توضع الشبكة على ظهر الفلوكة ويتم تخليص السمك منها بطريقة مدروسة لا تؤذي الشبك).

الصياد "برجس"

والشبكة إذا كانت بين يدي صياد خبير فإنها تبقى صالحةً للاستخدام لفترةٍ طويلة مع العلم أنه يمكن صيانتها مرات عدة».

أما فيما يتعلق بصناعة الشباك حديثاً ومواصفاته فهناك أنواع عدة حدثنا عنها الريس "برجس" قائلاً: «هناك الشبك "المبطن" تحدثنا عنها في البداية وتكون المسافة فيها بين الرصاصة والأخرى حوالي "50" سم، و"الجواريف" وهي ضيقة العينية وتحصد معها كل شيء سمك صغير وكبير، "البشاليل" (تكون العينية فيها واسعة وتصطاد السمك "العفي") وهي عالية الارتفاع وقد تصل إلى ثمانية أمتار بينما المسافة بين الرصاصة و الأخرى "70" سم، السردين "وهي تستخدم في مواسم معينة" والمسافة بين الرصاصة والأخرى "40" سم، والأدوات المستخدمة في صناعتها هي (السكين، المقص، الإبرة، أداة القياس، الخيوط)».

صناعة الشباك الحديثة أسهل بكثير من القديمة هذا الرأي يؤيده الريس "خالد البحر" حيث يقول: «الطريقة الحديثة بسيطة جداً وصعوباتها أقل بكثير من القديمة ففيها لا يصنع الشبك بالأيدي بل يأتي مستورداً وجاهزاً وما على عامل هذه المهنة إلا أن يقوم بعملية إضافة الفواشات التي أصبحت تصنع من "الفلين" ووضع الرصاص بنفس الطريقة التي كانت مستخدمة سابقاً ومن ثم يأخذ الشبكة إلى البحر يرميها فيه ولا يتعذب في سحبها لأنها أصبحت تسحب أيضاً عن طريق الآلة، هذه الطريقة الحديثة خففت أعباء الصانع لأنها سهلة وسريعة مقارنةً بالماضي عندما كان الشبك يستهلك جهداً عضلياً وزمنياً طويلاً وكان يجند لصناعة الشبكة الواحدة أربعة أو خمسة أشخاص».

إن طول فترات العمل على صناعة الشباك في الماضي علم الصياد "برجس" الصبر وطول البال وأضاف الريس "برجس" على ذلك قائلاً: «مهنتي تحتاج إلى دقة عالية ونظرٍ قويٍ وتركيزٍ عاليٍّ جداً لكي تتمكن من توزيع الفتحات والرصاصات والفلين بطريقة تتناسب مع بعضها البعض ويكون توزعها في البحر منسقاً يؤكد أن من صنع هذه الشبكة معلم ترفع له قبعة الصياد البيضاء، فصانع الشباك يشعر بمتعة لا توصف وينسى مرارة صناعة الشبكة عندما يأتي صياد ويقول له إن هذه الشبكة مصنوعة بأنامل معلم دقته عالية وهي تصطاد الأسماك دون أن تجد فيها نقاطاً للضعف».

تعاني شباك الصيد من منافسة ظالمة في أعماق البحر بحسب ما قاله لنا الصياد "مصطفى برجس" وأضاف: «لقد قلّ خير البحر في هذه الأيام بعدما كان ملوءاً بالأسماك والمخلوقات البحرية وأسباب ذلك متعددة يأتي في مقدمتها الصيد العشوائي أو الجائر باستخدام الجرافات والدولوميد والأقفاص الحديدية فهذه الأدوات تقضي على الأسماك الصغيرة والكبيرة والبيوض ما ينعكس سلباً على الحياة البحرية وضعف مردود الأسماك إن لم يؤد إلى انعدامه ناهيك عن الزيادة الهائلة في عدد الصيادين كل هذا يؤكد ضرورة محاربة كل أنواع الصيد الجائر والحفاظ على الصيد بواسطة الشباك لأن إيجابياته تفوق سلبياته بأشواط».

من المؤكد أن لصناعة شباك الصيد أهمية كبيرة لكونها مهنة تاريخية قديمة مضى عليها مئات السنين كما أنه من المؤكد أن هناك عدة أنواع لشباك الصيد ذكرنا بعضها وجهلنا بعضها الآخر ومنها أنواع انقرضت وأنواع ولم يعتد صيادو "اللاذقية" على صناعتها.