«أصبح الجميع مستعداً، ها هي قطع الحطب وقد رصها أهل منطقة "جبل الشيخ" الواحدة فوق الأخرى، مهيأة لشتائهم القارص».

الكلام للسيد "أبو بسام" من أهالي بلدة حرفا في لقاء مع موقع eQunaytra (يوم الجمعة 14/11/2008) مضيفاً: «بعد الانتهاء من موسم قطاف الزيتون، نقوم في القرية بقطع الأغصان التالفة، او ما يسمى بالعامية "تشحيل الشجر"، لأن تشحيل الأشجار يساعد على تخليص الأشجار المثمرة من الأغصان التالفة، هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فهو يعود بالمنفعة الاقتصادية ، على الفلاحين أصحاب البساتين والكروم. حيث نستفيد من الأغصان المقطوعة في التدفئة المنزلية في فصل الشتاء. والزائر لبيوت قرى "جبل الشيخ" سوف يشاهد الكثير من مدافئ الحطب، التي يعمد الناس الى تركيبها، نظراً لأنها أكثر دفئاً وحرارة من مدافئ المازوت او الكهرباء».

بداية يتم وضع القليل من "نشارة الخشب" في أرضية المدفأة، ثم وضع القليل من أوراق الأشجار اليابسة، ثم قطع الخشب الكبيرة، ويتم إشعال النيران دون إضافة اية مواد نفطية، ومن المهم هنا وقبل إشعال النيران، قيام المرأة بتنظيف الموقدة من الرماد المتجمع من نيران الوقدة السابقة، باستثناء الجمر، للاستفادة منه في زيادة الاشتعال والتدفئة

«لا تنفع مدافئ الغاز والكهرباء، في ردع الصقيع القارص في قرية "حرفا"، لذلك فانك تجد الأهالي وقد بدؤوا في تجميع الأخشاب منذ شهر حزيران، تحسبا للشتاء. حيث يجمع الفلاحون أغصان أشجار الزيتون والمشمش، والتفاح والكرز من حقولهم، ليستخدمونها وقودا في مدافئ الحطب. وقد استأجرت احد الاسخاص الذي يملك محرك آليا لقطع أشجار الزيتون والمشمش الخربانه، مقابل مبلغ من المال. بصراحة وقود الحطب أوفر ماليا من المازوت، خصوصا بعد ارتفاع أسعاره هذا العام، ولا يمكن للكثير من الناس أن يشتري كافة احتياجاته من مادة المازوت، لأن فصل الشتاء طويل وبارد، ويحتاج المرء لتركيب مدفأة في أكثر من غرفة من البيت. حيث نستهلك يوميا بمعدل 8- 10 ليترات من المازوت، لكل مدفأة فالبيت الذي يوجد عنده أولاد في المدارس لا بد أن يركب على الأقل مدفأتين في منزله، وبحسبة بسيطة سوف تجد المواطن يحتاج الى ما يتراوح من 300 ليتر وحتى 450 ليتراً شهريا على اقل حساب».

ابو ثائر

القول للشيخ "قاسم حمود" من أهالي البلدة يشير الى أن لمدفأة الحطب تلك الخصوصية، والأجواء العائلية الخاصة والنفحات الوجدانية، التي تذكرنا بالماضي. ويضيف قائلاً: «ما إن تتلبد السماء بالغيوم قليلاً، او تنذر السماء بالمطر، حتى يبدأ الناس في المنطقة بالتحضير لإشعال مدفأة الحطب، جامعين في ذلك أكثر من هدف، أولها التدفئة وثانيها التوفير في مصروف المازوت. وهناك هدف اجتماعي غاية في الأهمية، يكمن في الأجواء الدافئة التي تنجم عن "الجمعة" أو اللمّة. مع نزول أول زخة للمطر ومغيب الشمس. يحضر الجميع الى المنزل ويتجمعون حول مدفأة الحطب، ولهذه الجلسات أعرافها وطقوسها المعروفة، فالمضيف الذ يتم اختياره بحسب قرب السهرة من منزل الجميع، يقوم بتحضير كمية من "حبات البطاطا والبصل"، هو من يهتم بإشعال النار وإذكائها، من دون استخدام اية مواد بترولية، والسبب ليس اقتصادياً، بل لكون "البطاطا بتطعم" برائحة الوقود، وبعد أن يتم إشعال النار، يتم الانتظار حتى يتحول الحطب الى جمر، عندها تقوم ربة المنزل برمي حبات البطاطا داخل الموقدة، لتشخص الأبصار والأفئدة إليها، مترقبة نضجها على نار هادئة، ليتم استخراجها من داخل مدفأة الحطب، ويبدأ أفراد العائلة بتقشير حبات البطاطا والبصل، ليتم تناولها مع القليل من اللبنة وسلطة الخضار».

وتشير الحاجة "ام خالد"ربة منزل الى أن الكثير من كبار السن، مازالوا يفضلون التدفئة على نار الحطب، أكثر من مدفأة المازوت. لان توليع "الوقدة" من الحطب ليس بالأمر السهل كما يعتقد البعض، فمجرد توكيل المرأة صاحبة الخبرة في إشعال "الوقدة"، او احضار الحطب من غرفة المونة، بحاجة الى خبرة، تتعلمها السيدة مع مرور الوقت. وتضيف: «بداية يتم وضع القليل من "نشارة الخشب" في أرضية المدفأة، ثم وضع القليل من أوراق الأشجار اليابسة، ثم قطع الخشب الكبيرة، ويتم إشعال النيران دون إضافة اية مواد نفطية، ومن المهم هنا وقبل إشعال النيران، قيام المرأة بتنظيف الموقدة من الرماد المتجمع من نيران الوقدة السابقة، باستثناء الجمر، للاستفادة منه في زيادة الاشتعال والتدفئة».

محمد بائع الحطب

السيد "عاطف كبول" صاحب محل لصنع مدافئ الحطب في بلدة "عرنه" يتحدث عن مراحل تصنيع المدافئ فيقول: «اشتري الحديد الخاص بهذا النوع من المدافئ لأنه يكون أكثر سماكة، حيث يمكن أن تصل سماكة الحديد الى حوالي 0.5 سم، ليكون قادراً على تحمل نيران الحطب، وميزة حديد مدافئ الحطب بأنها تكون مطلية باللون الأسود او الرمادي على الفرن، وبالتالي فهي تتحمل لعدة سنوات من دون إجراء أي طلاء للغلاف الخارجي، كما أن مدافئ الحطب التي نصنعها في هذا الأيام، يدخل فيها بعض التطور، مثل تركيب مكان لتجميع الرماد في أسفل المدفأة، وبالتالي ترتاح السيدة من عملية تجميع الرماد. إذ يكفيها أن تقوم بسحب "الجارور" المخصص للرماد ورمي الرماد في الخارج. وهذه العملية قد ساعدتنا في زيادة الطلب على اقتناء المدافئ لدى أصحاب الفيلات الفخمة، نظراً لسهولة استخدامها من قبل السيدات، إضافة الى أنها تعطي كمية من الحرارة لا تضاهيها أفضل مدافئ المازوت الحديثة. ومنذ عدة سنوات أصبحنا نضيف الى المدافئ بعض الرسومات والزخارف الجديدة، وبألوان مختلفة منها الابيض والأصفر وبأشكال جميلة، كما يتم إضافة ماكن مخصص لشواء اللحمة والبطاطا، يسمى "الفرن"، حيث تستفيد منه الكثير من السيدات في عملية تصنيع المناقيش والمعجنات. الأمر الذي أعجب الكثير من المواطنين اللذين يتباهون في اقتناء مدافئ الحطب، خصوصا أولئك الذين يملكون بساتين من أشجار التفاح والمشمش والزيتون، وبالتالي فهم ليسوا بحاجة الى شراء الأخشاب من السوق».

وتقول الحاجة "ام يوسف" وهي ربة منزل: «إن الفحم والغاز ما بينفعوا معنا، أما السبب فهو أن البيوت في القرية قريبة من بعضها بعضاً، وستصل رائحة الفحم الى الجيران، لذا تستعيض بمدفأة الحطب، من اجل تحميص الخبز والجبنه، وغلي بعض المنقوع من حبات الذرة والفول والحمص، ليتناولها أفراد العائلة أثناء سهرتهم في المساء، وسط اجتماع عائلي يسوده الود والمحبة، على حرارة الحطب، وتذوق ما تطهوه ربة المنزل على مدفأة الحطب، إضافة الى تسخين المياه على مدار اليوم، من اجل استخدامه في الطهو والغسيل والجلي».

مدفئة الحطب