الفنان «عيسى بعجانو»، يسمي نفسه «هيشون» على اسم ضيعته، وضيعته في الأصل اسم إله، يقال إنه «إله البحر»، ويقال: بل هو «إله الكائنات البرية الوحشية».. وبهذا فإنه لم يكتف باسم الضيعة، بل ربما كان يتشبه بـ«أدونيس»!!..
وفي اللغة العربية: "هاش القوم هوْشاً": "هاجوا واضطربوا"، و"الهائشة" دابة خرافية من دواب البحر، تنقل العابر من ضفة إلى أخرى، والعامية الفراتية تطلق اسم «الهوايش» على الماشية، وخاصة البقر، فهل أخذت «الهوايش» اسم إلهها، أم أنها هي من أعطت إلهها اسمه؟!..
الأفعال الحياتية لا تتناقض، ولا يطغى بعضها على بعض، ولكن الأفعال الفنية شيء آخر... فما تهتم فيه أكثر ستتقنه أكثر
والفنان «هيشون» لا يكتفي بممارسته للفن التشكيلي، وإنما يكتب القصة القصيرة والشعر، وله ثلاثة إصدارات هي: «شلالو.. لا قبر له» و«طائرة هيشون» و«حديث التراب».
موقع eraqqa التقى الفنان «هيشون» في ملتقى الفن التشكيلي الأول الذي أقيم في الرقة «11-17/5/2008» وكان الحوار التالي:
«سفر التكوين الأول»...
** لقد كتبت العديد من الدراسات النظرية، ومن أهمها «تاريخ الشكل».. فأنا أعتبر نفسي موهوباً بالفن، ولذلك فإنني أعنى به، وعليّ أن أقدِّم وجهة نظري بوضوح، ويجب أن تكون إنسانية ووطنية، إن معظم الدراسات والقراءات التي أنجزتها كانت عن الحضارات القديمة، وعن أصولنا البعيدة، فقد قمنا أنا والفنان «محمد أسعد - سموقان» ما بين عامي «1980 -1985» بدراسة الملاحم والأساطير، وهذه المواضيع يعطيك البحث فيها قوة ومعرفة، أي يزودك بطاقة كبيرة، فأنا حين قرأت «ملحمة جلجامش» أحسست أنني ازددت قوة، ونص الملحمة هو نص أساسي، إنه «سفر التكوين الأول»... ونحن ورثة حقيقيون لأناس بنوا حضارات هامة وغنية، أضافت الكثير إلى الحضارة الإنسانية.. إن العودة إلى الأصول الإنسانية لا بد منها، ففنون «ما بعد الحداثة» هي فنون الإنسان القديم..!
* أهذا ما تفعله أنت؟!..
** بالطبع إنني أعود إلى البدايات أيضاً..
حوار «ثلاثي المحاور»...
** تلخيص اللون والخط والعناصر، هي محاولة للحوار مع ثلاثة محاور، أولها: العمق التاريخي الفني للإنسان بشكل عام، وللإنسان الحضاري في بيئتنا، وثانيها: الفنان مع اكتشافه للون والحوار الذي يقدمه، فلكل عمل هالته البصرية، وثالثها: المتلقي، ويجب أن تكون وجهة نظري مقدمة بسهولة وبساطة، حتى يستطيع «المتلقي» تكوين وجهة نظره الخاصة.
رسائل «البدائيين» إلى الحاضر
** نعم كذلك هي الحال في الشعر وفي القصة، فأنا أحاول أن أكوّن بصمة.. إن معرفتي بـ«البدائيين» ولدت محبة بيننا، لهذا فإنني أحمل رسائلهم إلى الحاضر...
* ما هي رسائلهم؟!...
** لست واثقاً منها، إنها تخمينات..
** يحق لك أن تعتقد هذا أو تقوله، لكنني بالمقابل «شخص طبيعي» أقوم بممارسات لا حصر لها، فأنا آكل وأشرب وأرقص وأغني وأركض، أرى أنني أكثر من عشر أشخاص، مع أنني ظاهرياً واحد!!.. فكيف لا أستطيع الاهتمام بما هو متجاور، وما يعمِّق بعضه بعضاً مثل: الفن والقصة والشعر.
** الأفعال جميعها تعمّق بعضها بعضاً.. وحتى لو كنت ضعيفاً أو وسطاً فيها، فالمهم هو أنني حاولت أن أكون ضمن اختياراتي!!...
«الحياة أولاً»... والفن «جزء»
** الحياة أولاً، والفن واهتمامي به جزء لا يتجزأ من الحياة، ولكنه ليس بديلاً عنها..
** اللوحة «مشهد بصري»... الخطوط التي ترى أنها خطأ، أو مرتبكة أو غير متقنة أو غير مكتملة، تدلك على «البدائية».. فربما ذهب راسمها للبحث عن حجرة أصلب، ربما ذهب لجلب أداة أو لون!!.... ربما فاجأته الظلمة.. ربما ذهب ولم يعد!!.... فبعض الرسوم غير مكتملة.. والشكل «الواقعي» للأشياء والحيوان لا تقدم لي شيئاً لأنني أعرفها، أما حين يكون الخط مهزوزاً وغير كامل، فقد يخلق حواراً وحيوية في العمل، والبحث عن الشكل وتاريخه هو الذي يحدد ما يجب أن نعود إليه.
** قد ألخص ذلك من خلال مفهوم الشكل، وذاكرة الشكل، وتاريخ الشكل والفن، وأقول: المربع شكل، والشجرة شكل، والإنسان شكل، والحرية شكل، والشجاعة شكل، والروح والسيارة كلها أشكال، وهكذا فالشكل قد يكون «قيمة بصرية»: «السفينة، الدائرة،الجبل»... أو معنى: «الشجاعة، الروح...»... و«ذاكرة الشكل» هي كل القيم التي ينضح بها الشكل، وهي تظهر أيضاً كقيمة بصرية: «السيارة شكل، والمحرك من ذاكرة هذه السيارة»... وقد تكون معنى «زيتونة لا شرقية ولا غربية»... شكل «يكاد زيتها يضيء، ولو لم تمسسه نار.. نور على نور»... والشكل قد يكون وحدة مستقلة «كرة بلور»، وقد يكون وحدة مركبة «السفينة» ويشير البحث إلى مفهوم «الذاكرة/البصمة»: «الحديد، الذهب» و«الذاكرة المولدة الإبداعية».