كثيرة هي الأزياء التي اختصت بها المرأة الرقيَّة، ولعلَّ أكثرها شهرةً وتميزاً، هي "الهباري"، حيث ذكرها الشعراء كثيراً في قصائدهم، كما أن لها حضوراً في العديد من الأغاني الشعبية، التي ما زالت تتردد حتى يومنا هذا، وهي من ألبسة نساء "الرقة" التي تستعمل غطاءً للرأس.

ولتسليط الضوء على هذا الموضوع، قام موقع eRaqqa وبتاريخ (11/3/2009) بلقاء الباحث "محمد العزو"، الذي حدثنا عن "الهباري" كزيٍّ تقليدي لنساء "الرقة" بقوله: «كلمة "هباري" هي جمع لكلمة "هبريَّة"، حيث أن "الهباري" عادة تتألف من عدة قطع متساوية، تقوم المرأة باختيار حجمها وفقاً لرغبتها، تسمى كل قطعة "هبريَّة"، وهذا سبب انتشار الكلمة بصيغة الجمع، ولغوياً لا توجد لديَّ معلومات مؤكدة عن سبب التسمية، لكن هناك بعض القبائل تسمي طائر الـ"حبارى" بـ"الهباري" وهو من الطيور الجارحة التي تستخدم في الصيد، وقد يكون أصلاً للتسمية.

من الملاحظ أنه وفي السنوات الأخيرة، بدأ هذا الزيُّ التقليدي الجميل، يختفي شيئاً فشيئاً من مدينة "الرقة"، وذلك لأسباب عديدة أهمها تأثير وسائل الإعلام، لاسيما بعد انتشار الفضائيات، التي تعتبر إحدى الوسائل الهامة التي تسرِّع عجلة سياسة العولمة، التي تسعى للقضاء على خصوصية المجتمعات متمثلةً بما يدعى بـ"الموضة"، إلا أن النساء في ريف "الرقة" ما زلن حتى يومنا هذا، محافظات على هذا الزيِّ التقليدي، خاصة في المناسبات السعيدة كالأعراس والأعياد، ولا أعتقد أن هذا الأمر سيستمر طويلاًً، خاصة مع التقارب المتسارع بالعادات بين الريف والمدينة، والذي تكون فيه الكفَّة راجحة عادة لصالح المدينة

أما فيما يتعلق بصناعة "الهباري" الأصلية، فقد كانت تصنع جميعها من الحرير الطبيعي، ويتم نسجها بواسطة النول اليدوي، ومن ثم يتم صبغها بألوان محددة، وغالباً ما تكون ألوان زاهية تدلُّ على الفرح، فهناك "الهباري" ذات اللونين الأزرق والأصفر، ومنها ما هو أحمر داكن أو فاتح، وعليها أحياناً رسوم نباتية منها ورق "العنب" وعرق "الفستق" على سبيل المثال.

الباحث محمد العزو

ومن المتعارف عليه عند الكثير من الناس، أن "الهباري" تصنع منذ زمن طويل في العراق، لكن هناك معلومات تفيد بأن هذه الصناعة تشتهر بها مدينة "حلب" السورية، وفي "خان الشونة" الشهير كانت تتم عملية طباعة الرسوم والألوان على "الهباري" الحريرية، وقد كان بعض تجار العراق يشترون "الهباري" من مدينة "حلب" ويعيدون بيعها على أنها من "العراق" وتحديداً من مدينة "الموصل".

وطريقة ارتداء "الهبريَّة" عند نساء "الرقة"، تكون بوضعها على شكل "عصابة" حول الرأس، وذلك بعد طيِّها لتصبح بعرض الكف، بحيث تتدلى من تحتها الجدائل، والتي تغطَّى بـ"المِلْفَعْ" وهو وشاحٌ شكله مستطيل بعكس "الهبريَّة" ذات الشكل المربع وأبعاده /5×130/سم، تستعمله المرأة الرقية، وخاصة المتزوجات، حيث تلفه المرأة على "العصبة" أو حول رقبتها، وأحياناً يكلَّل الرقبة والرأس معاً، و"المِلْفَعْ" عادة ما يكون من الحرير أو الشاش، وله لون أسود أو أبيض، وأحياناً يكون مطرزاً بألوان مختلفة، وقد ورد ذكر "المِلْفَعْ" في الشعر الشعبي بقول الشاعر:

لبَّاسات الهباري ورقصة شعبية

اثنين بعربنا لبسن "ملافع" بيض/ بلكي يا ربنا تجمع شملنا اثنين.

لكن هذا الأخير بالرغم من أنه يستر كامل شعر المرأة، إلا أنه يستثني منه ما يسمى بـ"الكذلة"، وذلك بلفظ "الكاف" جيماً مصرية، وهي خصلة شعر تظهر على صدغ المرأة، تضفي جمالاً أخاذاً على محيَّاها، وهناك العديد من الأغاني الشعبية التي تذكر "الكذلة" ومنها:

الهباري يعلوها شال أبيض

(الهوا يلعب بـ"الكذلة"..بعينه تلوك الكحله)

وتعتبر أهم الدول التي ترتدي فيها النساء "الهباري"، هي سورية والعراق وجنوب تركيا، علماً أن ارتدائها في سورية ينحصر بنساء المنطقة الشرقية في "الرقة" و"دير الزور" و"الحسكة"، وتفاخر المرأة في "الرقة" النساء عندما تقوم بشراء أنواع عديدة من "الهباري"، والتي تتباين ألوانها لتتناسب مع ما ترتديه من أثواب، سيَّما إذا عرفنا أنها غالية الثمن.

وبما أن "الهباري" من ألبسة المرأة التي تتعلق بالفرح والتزيُّن، وهذا ما توحي به ألوانها الزاهية، فقد كانت النساء الرقيِّات يخلعنها في حالات الحزن، ليرتدين بدلاً منها شالاً أسوداً، يعبر عن مشاعر الحزن والأسى، وهناك بيت شعر شعبي يؤكِّد هذا المعنى، حيث يقول:

(يا ريمتي فرِّعي بالنزل صار صياح... والكان نايم كَعد والكان كَاعد راح)».

وعن ورود ذكر "الهباري" في الشعر والغناء الشعبي، يقول "العزو": «هناك العديد من القصائد التي نظمها الشعراء، في معرض تغزلهم بالحسناوات اللواتي يرتدين "الهباري"، وأذكر منها:

(شطف جوز الهباري وراح ورّاد... ونسف جوده على الكتفين ورّاد

شطف جوز الهباري ما كفانـي... ياشوف العين منهن ما كفـاني)

ومن القصائد "النبطية" الحديثة لأحد شعراء الخليج العربي، ما يقول فيها:

( يا(مشعل) الغالي فلاني بناسيـك

ينسـانـي الله لانسيـتـك واداري

يهل دمعـي كـل ماهـل طاريـك

واتذكرك في عزتـي وانكسـاري

يامسندي طايح ومطعـون غاليـك

من لاح زول معصبـات "الهبـاري"

تلبسهن الفتنـة ولا ردت باعطيـك

ماكنهـن ياكـود شبـه الحـواري

ياحظ قلبي لونصيبـي مـع ذيـك

أم العيـون مغيّـرة كـل طـاري)

ومن أشهر الأغاني الفراتية التي جاء فيها ذكر "الهباري" أغنية: (رحنا نتصيَّد قطا ونسمع نغيط الوز... يالشاكفات الهباري فوق ثوب الجَّز)».

وأخيراً يضيف "العزو": «من الملاحظ أنه وفي السنوات الأخيرة، بدأ هذا الزيُّ التقليدي الجميل، يختفي شيئاً فشيئاً من مدينة "الرقة"، وذلك لأسباب عديدة أهمها تأثير وسائل الإعلام، لاسيما بعد انتشار الفضائيات، التي تعتبر إحدى الوسائل الهامة التي تسرِّع عجلة سياسة العولمة، التي تسعى للقضاء على خصوصية المجتمعات متمثلةً بما يدعى بـ"الموضة"، إلا أن النساء في ريف "الرقة" ما زلن حتى يومنا هذا، محافظات على هذا الزيِّ التقليدي، خاصة في المناسبات السعيدة كالأعراس والأعياد، ولا أعتقد أن هذا الأمر سيستمر طويلاًً، خاصة مع التقارب المتسارع بالعادات بين الريف والمدينة، والذي تكون فيه الكفَّة راجحة عادة لصالح المدينة».