«كما في كل المحافظات السورية حيث تنتشر المقامات في المدن والقرى، ويتعاطى أهلها معها بعادات وتقاليد معينة، راسخة عبر السنين، مع بعض التبدلات، فهي تختلف من محافظة إلى أخرى بطقوسها، وطرائق التعامل معها، والأمر نفسه يندرج على محافظة "الرقة"، حيث تنتشر فيها العديد من مقامات الصحابة والأولياء والصالحين والتابعين، ومنها على سبيل المثال، مقام الصحابي الجليل "عمار بن ياسر"، والتابعي "أويس القرني"، و"أبي بن كعب"، و"وابصة بن معبد الأسدي"».

هذا ما ذكره بتاريخ (2/9/2009) لموقع eRaqqa الباحث "محمد العزو"، في معرض حديثه عن نذور أهل "الرقة"، وكرامات الأولياء والصالحين.

مازال اعتقاد الناس راسخاً بفضل وبركات أولياء الصالحين، ومازالت النسوة تعقد آمالاً عريضة في طلب العون والمدد من أولياء الله الصالحين، رغم التطورات الحديثة التي يشهدها العالم، وانتشار الثقافة التي تأصل لبناء إنسان عصري يتجاوز هذا الإرث الثقيل من الاعتقادات. ويكاد عجز الإنسان أمام المعضلات الكبرى التي تواجهه، يدفعه للبحث عن سبل إضافية لحل مشاكله وهمومه. ومن الجدير بالذكر أن هذه الاعتقادات لا ينحصر وجودها في مجتمعاتنا، بل تجد لها أساساً راسخاً في المجتمعات المتحضرة، وهذه جاءت نتيجة الفراغ، والخواء العاطفي لدى إنسان هذه المجتمعات، يدفعه لخوض غمار مثل هذه التجارب

ويتابع "العزو" عن حكايا مقامات "الرقة"، قائلاً: «قبل أن يبنى مقام "عمار"، ويعاد تجديده بحلِّة جديدة، كان مقام "أويس القرني"، يتميز بوجود قبَّة خضراء فوق الضريح، يسميها أهل "الرقة"، "طاسة ويس"، وتعني القبة، ويحلفون بها أيماناً قاطعة، بقولهم، "وحياة طاسة ويس"، كما كان المقام وجواره مكاناً آمناً لحفظ الأمانات، فقد كانت تودع الأمانات تحت ظل شجرة "ويس"، أو كما تسمى "توثات ويس"، وتبقى محفوظة لا يقربها أحد إلى حين عودة أصحابها.

مقام الصحابي عمار بن ياسر

وكانت النساء يأتين إلى مقام "أويس القرني" أو "ويس" كما يلفظه أهل "الرقة"، طلباً للعون والشفاء، فالفتاة التي تعدت سن الزواج ودخلت طور العنوسة، تأتي المقام وهي تردد: "يا ويس جيتك زايرة وشقة عبايتي طايرة كل البنات نخطبت إلا أنا ظليت بايرة"، فهذه الأغنية ترددها النسوة طلباً لبركات "أويس" في تخطي العنوسة، ونيل المبتغى في الزواج.

أما مقام "عمار بن ياسر"، فيحيط به شبك يقصده الناس، وخاصة الفتيات اللواتي لم يتزوجن بعد، على اعتقاد منهن بأنهن سيتزوجن بعد قصدهن المقام، فتقوم الواحدة منهن بعقد شريط من القماش على شبك المقام، على أمل أن يأتي أحد بعدها، ويفك عقدة الشريط الذي ربطته، وإذا حل الشريط فسوف تتزوج ببركات "عمار"، ومازالت هذه العادة موجودة حتى وقتنا الراهن.

ضريح أويس القرني

وهناك على شاهدة القبر قطعة قماش كبيرة، لونها أخضر، يقصدها الزائر طالباً تحقيق أمنية، فيقوم بقطع قطعة من القماش الموجودة على الضريح ويضعها على معصم يده، حتى لا يصاب بالعين أو الحسد، أو للشفاء من المرض.

وهناك أيضاً صخرة "أم ظهور"، موجودة عند مقام "أبي بن كعب"، وقاصد هذه الصخرة يضع عليها حجر صغير بعد أن يبلل بالريق، ويحاول لصقه على الصخرة الواقفة بشكل عامودي، فإذا ثبتت الحجرة الصغيرة على صخرة "أم ظهور" تكون قد تحققت الأماني، علماً أن هذه الظاهرة منتشرة عند النساء أكثر من الرجال.

واجهة مقام عمار

وعلى الغالب النساء اللواتي يأتين إلى هذه الأضرحة يضمرن في نفوسهن نذور في حال التوفيق أو الشفاء، ويكون النذر مبلغ من المال أو ديكاً أو دجاجة أو خاروفاً، وذلك حسب إمكانياته المادية المتاحة أو وضعه الاجتماعي، ويظل النذر عالقاً برقبة الناذر إلى حين الإيفاء به».

وتحدث "العزو" عن قيِّم "عمار بن ياسر" قائلاً: «قيم المقام، هو الرجل الذي يقوم على خدمة الضريح أو المقام، وتلفظ القاف عند أهل "الرقة" جيَّماً فارسية، وهذا "الجيَّم" يكنى بأبي عمشة، وهو رجل مبارك، يحترمه ويجله، أهل "الرقة" كثيراً، وهو مصاب بالشلل، وحين مروره بالسوق يستطيع أخذ أي شيء منه دون دفع أي قيمة مالية، وهو لا يأخذ إلا حاجته.

وعن مقام "وابصة" تحدث "العزو" قائلاً: «تؤكد الشواهد والمعطيات التاريخية أن مقام "وابصة بن معبد الأسدي"، هو قبر والي "الرقة" في أواخر العهد العثماني، في القرن التاسع عشر الميلادي، "سعد الدين باشا العظم"، الذي مات مطعوناً في "الرقة"، ودفن في موضع في المسجد الجامع، "جامع المنصور"، لكن أهل "الرقة" يعتقدون غير هذا الاعتقاد، إذ يقولون أنه ضريح "وابصة بن معبد الأسدي".

وهم يعظمون "وابصة" ويجلونه، ويعتقدون أن زيارتهم له تساعد في شفائهم من الأمراض والأسقام، وتحقق أمانيهم، لذلك تجد كثيراً من النقود ملقاة داخل الضريح، وقيّم المقام يحصل على بعض المال إضافة للدجاج والماشية التي تأتي كنذور من الزوار الذين يحفون المكان، خاصة في الأعياد وأيام الجمع».

وعن كرامات الأولياء، وفضل التبرك بهم، يقول الباحث "حمصي فرحان الحمادة": «مازال اعتقاد الناس راسخاً بفضل وبركات أولياء الصالحين، ومازالت النسوة تعقد آمالاً عريضة في طلب العون والمدد من أولياء الله الصالحين، رغم التطورات الحديثة التي يشهدها العالم، وانتشار الثقافة التي تأصل لبناء إنسان عصري يتجاوز هذا الإرث الثقيل من الاعتقادات. ويكاد عجز الإنسان أمام المعضلات الكبرى التي تواجهه، يدفعه للبحث عن سبل إضافية لحل مشاكله وهمومه.

ومن الجدير بالذكر أن هذه الاعتقادات لا ينحصر وجودها في مجتمعاتنا، بل تجد لها أساساً راسخاً في المجتمعات المتحضرة، وهذه جاءت نتيجة الفراغ، والخواء العاطفي لدى إنسان هذه المجتمعات، يدفعه لخوض غمار مثل هذه التجارب».