ها هو العيد يحط رحاله بين ظهرانينا، وكل منّا يحدوه الأمل بغدٍ أجمل، في العيد تصفى القلوب، وتنتشر الرحمة في قلوب الناس، وتزداد الألفة، ويسود التسامح، وتصل الأرحام، فتنتهي الخصومات والنزاعات، ولسان الحال يقول: كل عام وأنتم بخير.

ولا بد قبل الحديث عن فرحة العيد من استذكار مظاهر العيد قديماً، وكيف كان يحتفل أهل "الرقة" بالعيد؟ وما هي الألعاب الشائعة آنذاك؟ وما المتبقي من مظاهر العيد سابقاً؟

إن ما تتعرض له سورية من مؤامرات، سوف يزيدها منعة وقوة، وإن الهجمة الإعلامية الشرسة التي تريد النيل من وحدتها الوطنية، تزيدنا بالتأكيد تماسكاً أكبر، ونبذ النزاعات، وعدم الانجرار خلف الإشاعات المغرضة التي تدعو إلى التدخل الخارجي في شؤون سورية الداخلية

موقع eRaqqa التقى صبيحة يوم العيد، وبتاريخ 30/8/2011 الباحث "حمصي الحمادة"، الذي تحدث قائلاً: «تبدأ أيام العيد عند أهل "الرقة" بزيارة القبور، وهي عادة مازالت دارجة إلى يومنا هذا، وهي تكاد تتشابه في كل المجتمعات الإسلامية والعربية، ويتلوها أداء صلاة العيد، وأذكر عندما كنت صغيراً كانت والدتي رحمها الله تصطحبني لزيارة قبور الأقارب، وأتلو هناك ما تيسر من القرآن الكريم على قبورهم، وتستعين بي نسوة الحي من الأقارب والجيران، ممن لا يعرفن القراءة، أو لم تتوفر لهن من يقرأ على قبور أهلهن، فأتلو سورة "يس" وقصار السور، وأتقاضى منهن أجراً بسيطاً، يكون بمثابة "خرجية" تعد مصروفاً لكل أيام العيد».

صلاة العيد في مسجد البصراوي

ويتابع "الحمادة"، قائلاً: «"الرقة" فيما مضى لم تكن سوى قرية كبيرة، يتميز أهلها بالبساطة والألفة، وعلى بساطة الحياة، كانت ألعاب الأطفال بسيطة أيضاً وأكثرها شيوعاً لعبة "الليلي"، وهي مرجوحة كبيرة تنصب في عدد من أحياء المدينة، حيث يركب الأطفال بداخلها، وهم يرددون أثناء التأرجح: "يا حج محمد يويا.. عاطيني حصانك يويا.."، وأيضاً كانت هناك العربات الخشبية التي تقل الأطفال للتنزه بخطين أحدها ما بين "المقص" في مدخل "الرقة" إلى وسط المدينة، والخط الثاني ما بين وسط المدينة ومقام التابعي "أويس القرني".

اللعبة الثالثة المنتشرة في تلك الأيام، لعبة صندوق الفرجة، أو صندوق الدنيا، وكنا نسميه "انظر بعينك وشوف"، وهي عبارة عن صندوق خشبي فيه ثلاث فتحات يتناوب الأطفال النظر إلى الصور المتتابعة في داخله، حيث كنا نرى "الزير سالم"، و"عنترة بن شداد" وحكايته مع ابنة عمه "عبلة"، و"سيرة بني هلال"، و"الظاهر بيبرس"، و"دليلة والزيبق" وغيرها من القصص الشعبية التي كان يجيد صاحب الصندوق روايتها على مسامعنا من خلال عرض الصور. وأيضاً كان يصطحب بعض "النور" أو "القرباط" الكلاب والقرود المدربة ليستعرضوا ألعابهم البهلوانية مقابل بضعة قروش».

من ألعاب الأطفال في مدينة الملاهي

وعن العيد في هذه الأيام يقول الباحث "علي السويحة": «اليوم الحياة اختلفت كثيراً عن سابقها من الأيام، فالأمور تعقدت كثيراً، وأصبح التلفزيون في كل بيت، بعد أن تجاوز دور السينما، أو قاعات السيرك التي كانت تنتشر فيما مضى، وربما ما بقي من أيام زمان ظل محصوراً في إطار تبادل الزيارات التي تتخللها حل النزاعات والخلافات، كما انتشرت ألعاب الكمبيوتر التي تختصر في جهاز صغير كل ما تشتهي الأنفس.

قبل حلول عيد الفطر تزدحم الأسواق بالمارة للتبضع بكسوة العيد، وأصبح بالمتناول الحصول على أحدث الموديلات من الألبسة والأحذية والحقائب، وتنشغل النسوة بإعداد حلوى العيد "الكليجة" ولو أنها انحصرت في بيوتات قليلة، بعد أن تعاظم شأن محال بيع الحلوى والمعجنات، كما تقوم النسوة بتنظيف البيوت وتعزيل داخلها وخارج أسوار المنزل، واليوم غابت هذه العادة تماماً، وظلت محصورة في نطاق ضيق.

من مظاهر العيد في الرقة

من العادات التي ظل أهل "الرقة" محافظين عليها، هي الاجتماع عند كبير العائلة لتناول وجبة الفطور الصباحية، أو الغداء، وأبرز الأكلات الصباحية السياييل والجيكا، وعلى وجبة الغذاء الثريد، وألعاب ركوب الخيل وسباقاتها.

كما انتشرت في هذا الأيام ألعاب الأطفال الحديثة المتوفرة في مدينة الملاهي، إضافة إلى التمتع بزيارة حديقة الحيوانات التي تضم معظم الحيوانات البرية والطيور والزواحف».

وتحدث عن بركة أيام العيد الشيخ "عبد الله صالح" قائلاً: «يعتبر عيد الفطر المبارك بمثابة جائزة تمنح للمؤمنين جزاءً لأيام الصوم التي قضوها خلال شهر رمضان، واليوم أمام ما تتعرض له سورية من أحداث فاجعة، ندعو الله عز وجل أن يعيد الأمن والاستقرار في طول البلاد وعرضها، وأن تسير عجلة الإصلاح نحو التنمية الشاملة وبناء سورية الحديثة الآمنة والمستقرة.

ولابد لنا في العيد أن نتذكر أن سورية بأرضها وشعبها مثال للتسامح والإخاء، والوحدة الوطنية فهي موطن الأنبياء، وموئل الخير والبركة، فالله بارك الشام وأهلها، لذلك فنحن مدعوون لإعادة قراءة الأحداث من جديد، والسير في طريق الصلاح القويم، لكي يعود الأمن والأمان من جديد إلى ربوع البلاد».

ويتابع "الصالح" في السياق ذاته: لابد لنا في هذه المناسبة المباركة أن نقول: «إن ما تتعرض له سورية من مؤامرات، سوف يزيدها منعة وقوة، وإن الهجمة الإعلامية الشرسة التي تريد النيل من وحدتها الوطنية، تزيدنا بالتأكيد تماسكاً أكبر، ونبذ النزاعات، وعدم الانجرار خلف الإشاعات المغرضة التي تدعو إلى التدخل الخارجي في شؤون سورية الداخلية».