ثمة أشياء في النوم حيرت العلماء والمفكرين والأدباء، تلك الحالة التي تأخذ من عمرنا ثلثه، وهي حالة السكون والراحة والأحلام.

لم تقتصر أهمية النوم على الخلود إلى الراحة فحسب، بيد أن النظريات الطبية تؤكد أن للنوم أهمية في ترتيب المعلومات التي يكتسبها الفرد نهاراً، وفي فترات الصحو، فلا غرابة إذاً ما كان لجفاء النوم ألمه وحسرته أيضاً في عيون وقلب الشاعر الشعبي سيما وأن أبناء الريف يمتازون بالعاطفة الرقراقة، فها هو شاعر "القصيد"، الشعر "النبطي" يلوم الدهر ويعاتبه، لأنه لا يحفظ عهود الصداقة فجعله لا ينام الليل:

أويل قلـب مسـنو لو اكيع/ من زغر سني الليالي غدرني

غلاف كتاب قبسات من الشعر الفراتي

يا دهر ياخوان مالك روابيع/ ادعيتني مـا نام ليلـي أعني

أما شاعر "العتابا" فنجده ينام الليل وفي قلبه لهيب النهار:

"أنام الليل كن بحشاي كانون"

وفي جانب آخر فإنه ينام الليل، وكأنه بفم أفعى:

أنام الليـل كنـي بثـم حيـّه/ معضعض والجروح اليوم حيه

لفت صفر الشوارب وقلت حيّه/ أحباب و غايبن إلهم ســنه

أما شاعر "الموليّا"، فانه هجر النوم بعد أن عاودته ذكرى الحبيب، ذلك الذي اعتاد على ترحابه المتكرر:

نامت عيون الخلق تميت سهران/ على وليف القلب هلاّ ولاقـاني

شفيت من لامها مي البسطان/ برق الهريف اللعج ضوحة ثمانيّة

ونجده مرةً أخرى يعاتب الحبيب الذي أحرمه النوم بغرامه الذي أحرق جفونه:

يا من غرامك حمس جوحابي بجفوني/ أحرمت عيني لذيذ النوم بجفوني

لو تحق لي لاحوش الشـوك بجفوني/ أنت بنعمة ولا تدري شجرى ليّه

أما شاعر "النايل" فإنه يعاتب الأحبة أولئك الذين ناموا، وتركوه وجفنه يسحن الليمون:

انتم تنامون وعيني تسحن الليمون/ مدري تجونا السنة والا العمق تشتون

ويعاتبهم مرة أخرى كيف ينامون، وهو لا ينام الليل، ويشهد على ذلك نور الفلق ونجم "سهيل"، أما في لون "اللكاحي"، فنجد الشاعر يتألم لشدة حرارة عيونه، التي أصبحت كموقد النار الذي دفن بالرماد، وهو مشتعل:

كل الخلق جاها النوم وآني عيني مليله/ هلي دمع يا عيني عالهالفرقة الطويلة

وهو لم ينم، والناس نيام، وعينه تؤلمه، وكأن عينه طرفت بالعود، ويستخلف ما أضاعه برحمة الله سبحانه وتعالى، التي تسمو على ما كان ينتظره وفقده:

كل الليل نتعلل عيني طرفها العودِ/ وإحنا خلفنا بالله يا أهل القلوب السود

ذلك ألم جفاء النوم، تلك الحالة التي نرى فيها أحلامنا وآمالنا، التي ربما عجزنا عن تحقيقها، في حياتنا اليومية، والتي نرى فيها حبيباً فارقناه، أو صديقاً رحل عنا، أو عزيز انتقل إلى حياة أخرى. وصف الشاعر الشعبي الفراتي جفاءها بألمه الذي لابدّ أن عرفه أحدنا ذات ليلة، وأضناه، سيما إذا كان ذلك الجفاء في ليلٍ شتائي مظلم وطويل.

المراجع: "قبسات من الشعر الفراتي"، لمؤلفه "محمد الموسى الحومد"، دار "الصفدي" /1995/.