في زمننا الحاضر تطور علم الآثار تطوراً كبيراً، وأصبحت الآثار تلقى اهتماماً طيباً، وعلمها بلغ مرحلة واسعة الانتشار، ولم يعد هذا العلم قصراً على نخبة معينة من ذوي الاهتمامات أو نخبة من المثقفين، بل شمل مساحة واسعة بين العلوم الأخرى التي تساعد على فهم واسع ومدرك، وعلى رؤية واقعية جديدة للحضارات الإنسانية التي عرفتها البشرية. والآثار مبوبة على أنها:

المعالم الأثرية: وتشمل المواد التي هي الحجارة، والآجر المحروق، والمعادن، والزجاج، والخزف، والخشب، والعاج، والأحجار.

تنقسم الآثار المدفنية إلى مجموعة كبيرة تسمى الـ"Ciste"

الآثار المدنية: المساكن، القصور، الساحات، مراكز المدن، الأسواق، المكتبات، الأعمدة، التحصينات، الجسور، العملة، المرافئ، المنسوجات، السدود.. الخ.

تابوت فخاري من تل زيدان

الآثار الدينية: وهي على أنواع، المعابد، المذابح، الكنائس، المساجد، المدارس ذات الصفة الدينية. الكنائس، والمساجد.

المدافن الأثرية أو الآثار المدفنية: كما تسميها الدكتورة "منى يوسف نخلة"، إذ تقول: «تنقسم الآثار المدفنية إلى مجموعة كبيرة تسمى الـ"Ciste"». "علم الآثار"، ط: "دار جروس برس"، ص /303/، "طرابلس"، لبنان. وهذه "السيستي" هي، المدافن المنحوتة في الجبال، مدافن الجرار الفخارية، الأهرام، الأضرحة المبنية من الحجر، التل المدفني، والنصب، والمصاطب، والقبور العادية. هذا النوع من الآثار يرتبط ارتباطاً شديداً باعتقادات روحية قديمة، تعتقد بعودة الروح إلى الحياة بعد الموت، أو بالانتقال من عالم إلى عالم آخر، لذلك كانت عادة الدفن في الفترة السابقة على الميلاد، إن قام الأحياء بدفن موتاهم مع جميع الحاجيات الضرورية، التي كانوا يستعملونها في حياتهم اليومية عندما كانوا أحياء، لأنهم سيحتاجونها في الحياة الأخرى. وهذه الحاجيات متعددة ومتنوعة منها على سبيل المثال لا الحصر، الجرار الفخارية المتنوعة، والزجاجيات، والأسلحة، والحلي والمجوهرات الثمينة.

مدافن شمس الدين

تعتبر مدافن تل "عناب السفينة" على "الفرات" بالقرب من "الرقة" أنموذجاً حياً على المدافن التي تسمى بـ"الحلقية". يقول الدكتور "عدنان البني": «هذه الحلقات منهوبة بالكامل، وهي تشبه إلى حد بعيد ما كشف في بلاد اليونان، وايطاليا، وروسيا»،

تعتبر المدافن القديمة بشكل عام مادة غنية ومميزة، ليس فقط بالنسبة لعلم الآثار، بل ولكافة العلوم الأخرى، لأنّ دراسة أنواعها ومحتوياتها، وأساليب الدفن فيها، والطقوس المرافقة لهذا الدفن تشكل مرتعاً خصباً للدراسات الأثرية وغير الأثرية. كانت الطقوس القديمة المرافقة لطريقة الدفن القديم، تنقسم إلى مجموعتين متناظرتين، وكل منهما لها مبادئها الخاصة، وهي إما الدفن البسيط أي تسجية الميت في القبر العادي، أو حرق الميت قبل دفنه، كما يفعل أهل الهند في زماننا هذا، والطريقة الأخيرة هذه كانت في العالم القديم أقل انتشاراً من الطريقة الأولى. ومع ذلك هناك إشارات أركيولوجية تفيد إن هذه الطريقة في العصر الحديدي، وأواخر العصر البرونزي الأخير قد عمت أغلب أنحاء أوروبا، وعرفت مدافنها باسم "الجرار المدفنية". "علم الآثار"، د."منى نخلة"، "مدخل إلى علم الآثار في الوطن العربي", ص: /205/، ط: "جروس برس"، "طرابلس"، لبنان.

مدافن الطويحينة

هذا وقد عثر على مدافن "الجرار" في أنحاء متعددة من سورية في المواقع الأثرية، في كل من "حمص"، و"حماة"، و"الحسكة"، و"الرقة" على "الفرات"، ولكن كانت هذه المدافن "الجرار" تحتوي على هياكل المتوفين في حالة القرفصاء، كما هو وضع الجنين في رحم أمه.

تتنوع المدافن التي توضع فيها أحساد الموتى دون حرقها، من القبر العادي البسيط، وهو يشبه القبور العادية في أيامنا هذه، ومثلها تم العثور عليها في مدينة "توتول"، "الرقة" في الألف الثالث قبل الميلاد. وكانت وضعية الأجساد على ثلاث حالات، بعض الرؤوس باتجاه الغرب، وبعضها الآخر باتجاه الشرق، والحالة الثالثة، كانت الرؤوس مفصولة عن الجسد، والنموذج الأميز بين هذه الحالات الثلاث عثور البعثة على قبر فيه هيكلين لرجل وامرأة في حالة عناق، وقد أطلقت عليهم السيدة الفاضلة المنقبة "ايفا شترومنغر" مديرة البعثة الألمانية العاملة في موقع "توتول"، تل" البيعة" "روميو وجوليت"، وصورة العاشقين حالياً معروضة في متحف "الرقة" الوطني، ويسميها علماء الآثار "Ciste"والجرار الفخارية "جرار الدفن"، وبعضها على شكل تابوت بيضوي الشكل، وقبور الطين المفخور، والمدافن المشيدة من الحجر الصخري، والمدفن المصطبة، والهرم، والمدافن المنقورة في الصخر، التي تتألف من غرفة أو أقبية، بعضها لها أبواب /90×50/سم، كما هو الحال في مدافن "الطويحينة" على "الفرات" بالقرب من قلعة "جعبر"، وبعضها يتم الولوج إليها بواسطة بئر أو سرداب، وهذه "الدياميس" تنحت مداخلها في الصخر مثل مدافن "شمس الدين" على الضفة اليسرى لبحيرة "الأسد".

ونجد مدافن "الدياميس" بكثرة في مصر في وادي "الملوك" و"الملكات"، ثم هناك طراز المدافن "الهرم"، وهذا النوع من المدافن دائماً يخص كبار القوم في العصور القديمة، ومثلها تكثر في مدينة "تدمر" الأثرية. وهناك المدفن الدائري، وهي عبارة عن قبر، أو عدة قبور داخل حفرة من الأرض، يسميها أهل "الرقة" بـ"الخشخاشة"، ويستدل عليها من خلال دائرة الحجارة، ونجد هذا النوع من المدافن في، اليونان، وفي آسيا الوسطى. أما القبور التي أطلق عليها اسم "القبور الصرحية الدائرية"، والتي يطلق عليه باللاتينية اسم "Tholos"، "تولوس"، وهذا الشكل من المدافن يمثل طرازاً خاصاً، وقد كثر استعمالها في العالم "الإيجي"، وعثر على نماذج منها بالقرب من "كنوسوس" في "كريت".

ومن المدافن الأخرى نشير أيضاً إلى أنّ لفظة "Ciste" التي مرّ ذكرها، كانت مستعملة عند الرومان بمعنى "سلة القصب"، ولها شكل أسطواني ومزوّدة بغطاء متحرك، وينحصر استعمالها في الطقوس الدينية الوثنية، أما في علم الآثار فتطلق هذه التسمية على نوع من المدافن التي تسمى بشكل مفرد "ميغاليتي"، وهي لفظة لاتينية إيطالية الاستعمال، و«يتألف المدفن الواحد من بلاط حجري من الصخر الجيد النضوج يوضع في قعر الحفرة، وعلى جوانبها الأربعة يشكل ناووساً في الأرض يغطى بحجر أكبر». "المصدر الثاني السابق"، ص: /208/.

مدفن "النواويس": كانت شعوب المرحلة البدائية، تكتفي بلف جسد الميت بجلود الحيوانات، أو بقطعة من الحصير، وتكتفي بوضعها فوق سطح الأرض، لأنهم لم يعرفوا بعد نحت "الناووس" من الحجر على هيئة صندوق لوضع جثة الميت فيه، وهو ما نطلق عليه اليوم اسم "تابوت"، وجمعها نواويس. أما تجهيز حفرة غلفت جوانبها بمادة الحجر ""Ciste تعتبر نوعاً من مدافن "النواويس" أيضاً.

أما مدافن "الدياميس": كأن نقول دمسه وغطاه، وأخفاه، ودفنه، و"الدياميس"، هنا غرف في عمق بئر، بعضها منحوت في الحجر، وبعضها الآخر: «مكوّنة من ألواح خشبية تقلد أحياناً البيوت كما في مدافن "السومريين.». "المصدر السابق"، ص: /209/؛ وفي العصر البرونزي استعاض أهالي الموتى في بعض الأحيان بالسلال الكبيرة والجرار العملاقة عوضاً عن "النواويس".

الباحث "محمد الخطيب" يقول: «.. وما من شك أنَّ نوعاً من الإيمان بحياة ثانية كان أمراً هاماً بالنسبة إلى المصري القديم، ثم أخذت تزداد عنايته بمدافنه، وأخذت تزداد أيضاً السلع التي حرص على وضعها معه في قبره عند دفنه». "حضارة مصر القديمة"، "طبع اتحاد الكتاب العرب"، "دمشق"، /1993/، ص: /131/. لذلك نجد أنه منذ أواخر عهد ما قبل السلالات، عرف المصريون "النواويس" وكانت تصنع من الطين المشوي، أو من الخشب التي حلَّت محل السلال، التي قلنا عنها أنها تلت استعمال الحصر وجلود الحيوانات في الألف الرابع قبل الميلاد، وهذه النواويس كانت من نصيب الفقراء فقط. وفي عهد الإمبراطورية الوسطى، وظهور نوع من الحرية في عادة الفن في مصر، كثر استعمال "النواويس" الخشبية المزخرفة، وظهرت مجمعات "نواويس"، وهذا النوع من المدافن يشخص "نواويس" "توت عنخ آمون" الحجري المستطيل الذي ظلّ مستعملاً حتى نهاية الدولة الرومانية. وهناك أيضاًً نواويس يونانية، ورومانية، وفي سورية ظهرت بعض النواويس من الفترة المسيحية.

المدافن "المصاطب": وهذا النوع من "المدافن"، هو عبارة عن جدران مشيدة من مادة الآجر المشوي على شكل سور حول الحفرة "المدفن"، وهذه الجدران كانت تشكل حماية لهذا المدفن، وعلامة شاخصة له، ثم فيما بعد أخذت طابع معبد تقام فيه الطقوس المدفنية، وأضاف له المتعبدون حنية أو حنيتان في الجدران بدءاً من أول مدماك وحتى أقصى علو الجدر. وكانت أقدم هذه المصاطب تتميز بوجود نصب يوضع في الجهة الشرقية، أي في اتجاه شروق الشمس على شكل باب مغلق، يسمى نصب الباب المفترض، وقام القائمون على هذه المدافن بزخرفة، ونقش أسماء، وألقاب الميت، وكانوا يضعون طاولة تسمى طاولة "التقادم"، التي تحمل المقومات الضرورية للميت عند عودته للحياة من جديد.

المدفن "الهرم": هذا النوع من "المدافن"، نسجت حوله الكثير من التصورات الخيالية، حيث وصفت بأنها أبنية غريبة وغامضة، وأنّ من شيدها هم غرباء عن هذا العالم.

أبعاد "الهرم" التي يتحدث عنها البعض خاطئة، لأنّ أعلى قمة في هرم "خوفو" وغلافه مفقودان. والهرم نوع من الأبنية ذات الصفة "المدفنية"، وقد أخذ شكله الهرمي نتيجة تطور بناء المصطبة، وتقام المصطبة بوضع واحدة فوق الأخرى متدرجة في الصغر نحو الأعلى وتملأ الفراغات أي المدرجات دون نظام. والغاية من بناء هذا النوع من البناء كان مخصصاً للدفن، حتى ولو لم يعثر في داخلها على أمتعة وأثاث، والسبب في ذلك، أنه في عهد الدولة القديمة حدثت ثورة شعبية، تم خلالها تحطيم كافة نواويس، وتماثيل الأهرام المدفنية، ورميها في الآبار القديمة.

واعتباراً من عهد السلالة الخامسة بدأ حجم الأهرام يصغر، وبحلول عام /1980/ قبل الميلاد عاد البناء يأخذ أحجاماً عملاقة، تجاوباً مع الأيديولوجية الجديدة (عهد ملوك السلالة الثانية عشرة).

أضرحة "الموزوليوم": وهي الأضرحة الفخمة التي كانت وما زالت تقام تكريماً لشخص تضم رفاته، وكانت مناسبة إطلاق هذه التسمية على هذا النمط من المدافن نسبة إلى "موزول الملك" الذي حكم منطقة جنوب غرب آسيا الصغرى في القرن الرابع قبل الميلاد، والذي توفي سنة /353/ق.م، حيث أقامت له زوجته "أرتميس" مدفناً على شكل صرح عملاق له أبعاد لا مجال لذكرها، وأقيم فوق هذا الصرح هرم مؤلف من /24/درجة، وفوق قمة هذا الهرم المسطحة وضعت عربة تجرها الخيول.

المدفن "التيميلوس" أو التل المدفني: وهذا النوع من المدافن هو عبارة عن تلة من التراب الأحجار، توضع فوق القبر، وبعضها انفرادية، وبعضها الآخر جماعي، ويكثر هذا النوع من المقابر في منطقة "الرقة" مثل: "تلول نايل" بالقرب من "الرقة".

أما النصب المدفنية، والمدينة المدفنية، فالأول تشكل حجر الشاهد، وبعضها يشبه المذابح المدفنية، والنصب بالنسبة لعلم الآثار هو عبارة عن بناء مدفني الغاية منه تحديد موقع القبر. أما المدينة المدفنية يطلق عليها باللغة اللاتينية "Necropolis" وتقع في العادة خارج المدن عند المواضع التي تقود إلى مداخل هذه المدن.

المراجع:

1ـ "جيمس هنري برستد"، "تاريخ مصر"، ت: "حسن كمال"، "هيئة الكتاب"، "القاهرة"، مصر /1999/م.

2ـ "بيرخينيا باخ هديل بوثو"، ت: "خالد غنيم"، ط: "بيسان للنشر والإعلام"، "بيروت" لبنان /2002/م.

3ـ تقارير البعثات الأثرية العاملة في حقل التنقيب الأثري: متحف "الرقة" الوطني.