للعمل الزراعي عاداته وتقاليده وهو يدخل في صلب الإرادة والتصميم لتوزيع العمل، وكل عمل زراعي له وصفه وتعابيره الاجتماعية وطقوسه ضمن عادات وتقاليد وأدوات لها مكانتها التاريخية والاعتبارية بين أيدي الفلاحين.

حول العمل في الحقول والعادات المنسجمة معها؛ مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 10 كانون الأول 2014، زارت بلدة "قنوات" والتقت الباحث الدكتور "حسين زريفة" المهتم بالتراث والبحث العلمي الزراعي، وتحدث قائلاً: «للعمل في الحقول عادات تاريخية قديمة ومهمة للتوثيق؛ إذ عندما كنا نزرع المحاصيل كانت كل العائلة تذهب للحقول كباراً وصغاراً رجالاً ونساءً، وعملية الحصاد تتم إما باليدين؛ وهذه الطريقة لها أدواتها حيث يضع الحصاد واقياً من الجلد على أصابعه تسمى "حالوشة" ويتم العمل بوضعية القرفصاء "زحفة"، أما "الحاشوشة" فهي قطعة من الحديد المقوسة والحادة من الجهة الداخلية تقوم بقطع القمح، وعادة يتم ذلك للمحاصيل القصيرة كالشعير والقطاني والعدس والقمح القصير، يعمل بـ"الحاشوشة" عادة النساء والصغار، ولكن استخدامات الحاشوشة الأكثر كان في جمع القمح والمحاصيل بعد الحصاد من قبل النساء، أو بطريقة المنجل ويستخدم مع المنجل "القحف" وبه يتم إسناد القمح والمنجل وهو كـ"الحاشوشة" ولكنه أطول وقوسه أوسع؛ ويقوم بقطع القمح بل خلعه من جذوره وخاصة عندما يكون الحصاد قوي الباع والساعد، وعليه فإن استخدامها لا يتم إلا من قبل الرجال الأقوياء، ويتم العمل بها بالانحناء نصف انحناءة وتكون كفاءة المنجل أعلى عندما يكون القمح أطول فيأخذ كل رجل مسراباً بقدر ما تحوش يداه ويعمل فيه والآخر بجانبه، ويسمى المسراب بـ"الإمان" ويتسابق الحصادون من ينجز "إمانه" قبل الآخر وحتى يبقى الحماس موجوداً كان الحصادون ينشدون بعض الأغاني الحماسية».

كثيراً ما كنا ونحن صغار نستمع في المضافات من الأهل وكبار السن عن المراحل العملية للأعمال الزراعية التي كانت في حقولنا، وتحمل طابع الشجن لما له من أهمية في تاريخنا وموروثنا الشعبي، خاصة أن أهالي القرية ومجتمعنا المحلي يعد مجتمعاً زراعياً؛ فالعادات والتقاليد والأدوات الزراعية ومصطلحاتها المتداولة أصبحت شبه معجمية عن جيل الشباب، ولعل هذا البعد المكاني والزماني ودخول الآلات الزراعية جعل من تلك الأدوات التقليدية تدخل متحف التراث لتصبح تراثاً وموروثاً لنا ولسواعد أهلنا وأجدادنا وذاكرة تاريخية مهمة لنا للاستفادة منها في التدوين والتوثيق لحياة المزارعين بين الماضي والحاضر

وتابع الباحث الدكتور "حسين زريفة" عن دور المرأة والأطفال في الأعمال الحقلية بالقول: «وللمرأة دور في تلك الأعمال الزراعية؛ فقد كانت النساء يجمعن القمح وراء الحصادة ويساعدهن الصغار إلا أن الشغل الأهم للأولاد كان "السراحة" يعني "الرعي" في نقل القمح إلى البيدر على ظهور الجمال ويسمى "الرجيدة"، والذي يقوم بالعمل يسمى "الراجود" فبعد أن يتجمع من الحصيد ما يكفي لحمل "جمل" يفتح "الراجود" الشبكة وهي عبارة عن نوع من الحبال الرفيعة يعقد على شكل معينات أو مربعات صغيرة وتربط من الجانبين بعصي يأتي "المغمر" ويحمل "أغمار" القمح؛ "والغمر" هو مجموعة من "الشمائل والشميلة" هي بقدر قبضة يد الحصاد، تجمع الشمائل بـ"الحاشوشة" فوق بعضها بعضاً حتى يصبح الغمر بقدر حمل المحمل أي الذي سيحمل الحصيد على الجمل أن يحمله ويضعه في الشبكة تشد بالحبال؛ حيث تمسك المحصول بداخلها ومقابلها توضع شبكة أخرى وتشد كسابقتها تكون المسافة بين الشبكتين بقدر ما يتسع للجمل أن "ينيخ" أي يركع على قوائمه الأربع تركن الشبكتان وتسمى "الركنة والركنتين" على "الشاغر" المشدود على ظهر الجمل، والشاغر يصنع من اللباد والخشب ويشد على ظهر الجمل حيث يبرز منه السنم وتثبت الركنتان جيداً بالحبال، ثم يركب "الراجود" على حماره ويقود الجمل بحمله إلى البيدر ويقوم بفك الجمل على البيدر ويعود إلى الحقل وهكذا، كما أن الأولاد يسرحون بالدواب والخيل والأبقار والغنم والماعز، ويدرسون المحاصيل على لوح، وكان يجره فدان من البقر أو رأس من الخيل، بعد أن ينتهي الحصادون من حصاد الواجهة المزروعة كان نظام الزراعة واجهات أي تخصص واجهة لزراعة المحاصيل وأخرى ترتاح، وبين المحاصيل كانت تتم أيضاً دورة زراعية».

الدكتور حسين زريفة

ومن أهالي بلدة "قنوات" المعاصرين لتلك الحياة الزراعية الأستاذ "حسن عزقول" بيّن قائلاً: «كثيراً ما كنا ونحن صغار نستمع في المضافات من الأهل وكبار السن عن المراحل العملية للأعمال الزراعية التي كانت في حقولنا، وتحمل طابع الشجن لما له من أهمية في تاريخنا وموروثنا الشعبي، خاصة أن أهالي القرية ومجتمعنا المحلي يعد مجتمعاً زراعياً؛ فالعادات والتقاليد والأدوات الزراعية ومصطلحاتها المتداولة أصبحت شبه معجمية عن جيل الشباب، ولعل هذا البعد المكاني والزماني ودخول الآلات الزراعية جعل من تلك الأدوات التقليدية تدخل متحف التراث لتصبح تراثاً وموروثاً لنا ولسواعد أهلنا وأجدادنا وذاكرة تاريخية مهمة لنا للاستفادة منها في التدوين والتوثيق لحياة المزارعين بين الماضي والحاضر».

الداروس
حسن عزقول