أن يعلو صوتك صادحاً باسمها، فهذا يعني أنك من "السويداء" وبحاجة إلى وليف أو مغيث. وتعدّ "حبقة نعيم" من أكثر شخصيات الجبل شهرة على الرغم من أن الكثيرين لا يعرفون شكلها، فهي المجاهدة والندابة والشاعرة التي غنى لها مطرب الرجولة "فهد بلان".
مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 13 حزيران 2016، المحامي "نضال نعيم"، فتحدث عن سيرة عمته المجاهدة "حبقة أنيس نعيم" بالقول: «ولدت في مدينة "السويداء" عام 1905 وحيدة وسط أربعة شبان لهم بصمتهم في المجتمع المحلي، كانت البلاد ترزح تحت نير المحتل العثماني، والعائلة تنوء تحت نير الفقر والحاجة كسائر العباد، وعندما تفاءل الجميع بالثورة العربية الكبرى، وبأن القادم أحلى؛ جاءت "فرنسا" لتدفن أحلامهم بالطين، غير أن المجاهدين خرجوا من معاقلهم، وفتحوا أبواب جهنم على المحتل الجديد. كانت عمتي "حبقة" المعروفة بين العامة بـ"أم نواف" تكافح وحيدة، والجميع يعرفون ما فعلته في تلك الفترة التي كانت فيها شابة متحمسة لا تعرف للخوف مكاناً، ويقال إنها في الثاني من آب عام 1925 خرجت إلى شوارع مدينة "السويداء" لتحض الشبان على الالتحاق بالثوار الخارجين إلى أطراف "المزرعة" لملاقاة جحافل القوات الفرنسية، وكانت تعطي الشاب الذي تصادفه متخلفاً "فوطة" كناية عن أنه امرأة ويجب أن يذهب إلى البيت، وبسبب فعلتها هذه تحمس الكثيرون من الشباب والتحقوا بالثوار».
ولدت في مدينة "السويداء" عام 1905 وحيدة وسط أربعة شبان لهم بصمتهم في المجتمع المحلي، كانت البلاد ترزح تحت نير المحتل العثماني، والعائلة تنوء تحت نير الفقر والحاجة كسائر العباد، وعندما تفاءل الجميع بالثورة العربية الكبرى، وبأن القادم أحلى؛ جاءت "فرنسا" لتدفن أحلامهم بالطين، غير أن المجاهدين خرجوا من معاقلهم، وفتحوا أبواب جهنم على المحتل الجديد. كانت عمتي "حبقة" المعروفة بين العامة بـ"أم نواف" تكافح وحيدة، والجميع يعرفون ما فعلته في تلك الفترة التي كانت فيها شابة متحمسة لا تعرف للخوف مكاناً، ويقال إنها في الثاني من آب عام 1925 خرجت إلى شوارع مدينة "السويداء" لتحض الشبان على الالتحاق بالثوار الخارجين إلى أطراف "المزرعة" لملاقاة جحافل القوات الفرنسية، وكانت تعطي الشاب الذي تصادفه متخلفاً "فوطة" كناية عن أنه امرأة ويجب أن يذهب إلى البيت، وبسبب فعلتها هذه تحمس الكثيرون من الشباب والتحقوا بالثوار
ويتابع: «في ذلك اليوم حملت الماء والخبز ومضت باتجاه "المزرعة"، والتقت عدداً من الثوار على الطريق، ومنهم ابن عمها الشهيد "كاين نعيم" الذي طلب منها العودة إلى البيت، فوعدته بالعودة، وأكملت طريقها لتعالج الجرحى وتطعم الجائعين وتسقي العطاش، وفي يوم وفاتها تحدثت إحدى السيدات من آل "دويعر" عن أفعالها في ذلك اليوم كما رواه والدها عندما أنقذت المصابين من الموت المحتم، وهي التي دفنت والدها الشهيد "فارس دويعر" وأحضرت قميصه لأهله، كما قامت أيضاً بدفن الشهيد "سلمان الشوفي".
ومن الأحاديث القليلة التي روتها لي شخصياً بعد إلحاح طلبها من الثوار العودة العاجلة إلى أرض الميدان كي يجلبوا أحد المصابين الذي ظن الجميع أنه استشهد، غير أن الحياة عادت إليه من جديد بفضل إصرارها وعزيمتها. ومن القصص التي يعلمها أغلب كبار المدينة تلك المتعلقة بمياه الشرب التي تسقي المدينة من "القلعة"، وهي مكان تحصن الفرنسيين حيث كانوا يعاقبون أهل المدينة بقطع مياه الشرب عنهم، فخرجت مع المجاهد "كاين نعيم" الذي طلب منها أن تشغل الحراس حتى يتسلل ويفتح المياه، وهو ما حصل بعد أن انقض على الحارس الثاني وقتله».
عملت "حبقة" كندابة في المآتم العامة، وهي معروفة بجمال الصوت ورخامته، وكان أغلب الناس يطلبون حضورها في المآتم نظراً إلى قدرتها العجيبة على التأليف وإعطاء المناسبة الحزينة حقها، وكان هذا العمل مصدر دخلها الوحيد، حيث يؤكد المصور الصحفي "شوكت نعيم" ابن أخيها بالقول: «من المعروف أن عمتي كانت "القوالة" أو "الندابة" في أغلب مآتم أهل المدينة، حيث كان آل المتوفى يطلبونها بالاسم نظراً إلى قدرتها على تأليف الكلمات الخاصة بالمآتم، وكلماتها مشهورة ويعرفها الكثيرون، وقد اشتهرت بنعيها لأحد "المرابعين" الذين يعملون بالربع عند الملاكين، فقالت عنه هذه الكلمات: (مات والمساس بيدو والبقر يجعر عليه.. يا ما كربل يا ما غربل يا ما هال التبن عليه). ومن الأشياء التي لا يعرفها الكثيرون أيضاً أن المطرب الراحل "فهد بلان" غنى لها أحد أشعارها الحزينة، وهي : "حومن حومن حوم.. طيور السما اشتبكن.. وآني قتلني الشوق على فرقتكن".
وقد تحدث "زياد أبو طافش" الناشط الاجتماعي في مدينة "السويداء" عن مآثر "حبقة" بالقول: «إذا كنت من مدينة "السويداء" وأردت أن تتأكد من شخصية أحد ما في أي مكان في العالم إن كان ينتمي إلى ذات المدينة، يكفي أن تهمس له من بعيد "حبقة"!
"أم نواف حبقة نعيم" هي الرمز الذي يحرك لهفة أبناء "السويداء" بعضهم على بعض أينما كانوا، وهي مفتاح التعارف وأول جسر للمودة بين الغرباء عن بعضهم، ففي الخدمة العسكرية يكفي أن تنادي "حبقة" ليجتمع من حولك عشرات الشبان من أهل "السويداء"، فيتبادلون الترحيب ببعضهم وتتشعب الأحاديث بينهم وتتعمق العلاقة بطرح الهموم والمشكلات وإسداء النصح وإبداء الاستعداد لتقديم أي نوع من المساعدة، وكذلك الأمر في الجامعة أو بلاد الغربة في أي مكان وزمان.
ليس هناك توثيق دقيق عن نشأتها، بداية حياتها، سوى ما يتناقله العامة من أحاديث ووقائع حقيقية من خلال شهادة أفراد البيئة الاجتماعية.
يقال إن "أم نواف" أول سيدة حصلت على راتب بصفة مجاهدة، وحصولها على هذا الراتب له قصة تمثلت في إسعاف "عبد الغفار الأطرش" الذي وعدها بمكافأة، وعندما تسلّم وزارة الدفاع خصص لها راتب مجاهدة لتكون أول امرأة من سيدات الجبل تحصل على راتب واعتراف رسمي بمساهمتها الكبيرة في "الثورة السورية الكبرى".
ويُحكى أن الاحتلال الفرنسي قطع مياه الشرب عن أهل "السويداء"، ليُفاجأ بـ"حبقة" على أحد الأسوار العالية وهي تهددهم وتتوعدهم بالقصاص فاعتقدوا أن خلفها جيشاً من الثوار، فقاموا بفتح المياه والهروب من أمامها.
عملت "حبقة نعيم" في فترة من الفترات "قوّالة"، حيث كانت تقوم بترديد الأشعار الدينية والحكايات التراثية الأسطورية في مناسبات العزاء لتخفيف المصاب عن أهل الفقيد، وكانت تلك المهنة مصدر رزق لها ولغيرها من السيدات في ذاك الوقت.
كانت تتصف بجمالها وقوة شخصيتها ولسانها السليط اللاذع، فلم تكن تتردد أبداً بتوجيه النقد القاسي لأي شخصية اعتبارية أو سلطوية مهما كان مركزها وعلى مسمع من الجميع، وفي الأماكن العامة؛ وهذا ما دفع بعضهم إلى الهروب منها، وكانت ذاكرتها تستحضر كل التفاصيل الخاصة بأي عائلة وتسلسل جذورها وأبنائها وكافة المقربين منها، وتحدد مكان هجرتها واستقرارها، وكانت تختزن أيضاً الكثير من الأحداث في ذاك الوقت.
وقد توفيت بتاريخ 16 كانون الأول 1996، وتزامنت وفاتها مع وفاة اللواء "أبو غالب زيد الأطرش" فارس السيف والقلم».
الجدير بالذكر، أن يوم وفاتها غير متفق عليه، لكنه صادف في السنة التي توفي فيها "زيد الأطرش"، وفي ذلك اليوم تكشفت الكثير من الحقائق عنها، مثل الأموال التي كانت تأخذها من عملها كندابة، حيث كانت تصرف على عدد من الأيتام وبيوت الأرامل، وكانت تقوم بالذهاب إلى البيوت المستورة لتأخذ المال بقوة الشخصية لكي تسد حاجة محتاج، ولذلك يعدّها العامة من صعاليك القرن العشرين.