«لابد للتاريخ أن يستذكر أبطاله إن في اليوم أو في الغد، وذكرهم في المواقف الاجتماعية والمنابر الثقافية والإعلامية يحرك الشجون في نفوس الأحرار عامة، والأهل ومحبي تلك الشخصيات التاريخية الوطنية خاصة، كشخصية المجاهد "محمد باشا عز الدين"، الذي لم يترك ارثاً مادياً وراءه بل ترك موقفاً وطنياً جعل كل من يعرفه يرفع هامته عالياً، فخراً وانتماءً وعزة وطنية».

هذا ما تحدث به قريب المجاهد الباحث والمخرج السينمائي "حسن عز الدين" لموقع eSuweda بتاريخ 14/5/2009 وأضاف يقول: «إن الحديث عن مجاهدي الوطن يحمل صفحات وصفحات في دفاتر التاريخ، ولكنني سأتفرد في عجالة بالحديث عن المجاهد "محمد باشا عز الدين" المولود في جبل العرب والقائد لعدة معارك نضالية ضد الاستعمار».

يا "عفيف" كرموا المجاهد "أبو توفيق، محمد عز الدين" لأنه يستحق الكرامة والتكريم، فأنا اليوم فقدت ساعدي الأيمن

ولد "محمد باشا عز الدين" في قرية "لاهثة" عام 1889، وتلقى علومه العالية القانونية والعسكرية في "الأستانة بتركيا" وتخرج في كليتها الحربية، وكان يتقن اللغتين التركية والفرنسية إلى جانب إتقانه اللغة العربية، ونال عدة أوسمة رفيعة في حياته العسكرية والمدنية، قاد العديد من الحركات الوطنية الثورية، وانضم في مطلع شبابه إلى حزب الاستقلال العربي الذي كان من أعضائه البارزين فخامة الرئيس "شكري القوتلي" والمرحوم الأمير "عادل ارسلان"، وبدأ حياته العلمية مرافقاً فخرياً برتبة رئيس للسلطان "محمد الخامس"، ثم نقل بعدها إلى دائرة أركان الحرب، ورقي إلى "رتبة مقدم" وعهد إليه بقيادة كتيبة "دوما" الاحتياطية عام 1911، ولما رأى ما قام به الأتراك من أعمال عدوانية ضد العرب ومظالم الأتراك في كل أنحاء سورية وشنق بعض الوجهاء الوطنيين وهم: "ذوقان الأطرش، يحيى عامر، مزيد عامر، محمد القلعاني، حمد المغوّش، أبو هلال هزاع عز الدين" عم المجاهد "محمد عز الدين" وذلك في شهر آذار عام 1911 في ساحة "المرجة بدمشق"، نشأ بينه وبين وزير الدفاع التركي خلاف كبير استقال بعده من وظيفته العسكرية عام 1912 رافضاً بشدة هذه المواقف العدائية، انتسب إلى السلك الإداري في أواخر عام 1912، وعين مدير ناحية وتقلب في عدة أقضية ومثل سورية الكبرى في مجلس المبعوثان في استانبول عام 1915 عين في عام 1917 قاضي تحقيق عسكري وكان مثال القاضي الصالح والحاكم العادل، ثم رفع إلى القائمقامية عام 1918 في العهد الفيصلي وتولى أقضية "العمرانية، وراشيا، وحاصبيا، والزبداني، وازرع"، ثم عهد إليه بمتصرفية "درعا" في 20 تشرين الثاني عام 1920 وحتى شباط 1921، كما أسند إليه في العهد الفيصلي إضافة إلى وظائفه قيادة المنطقة الحربية في "الزبداني" واشترك في معركة "ميسلون" الشهيرة بقيادة وزير الدفاع السوري آنذاك البطل "يوسف العظمة" والذي استشهد في تلك المعركة.

الفريق عفيف البزري في عزاء محمد عز الدين

جاء في مذكرات المجاهد المرحوم "محمد باشا عز الدين" في كلمة جبل العرب (سورية) التي ألقاها في "بغداد" بتاريخ 14/5/1939، في حفل تأبين الملك "غازي" وكان حينها نائباً عن جبل الدروز: «كنت قائمقاماً في "الزبداني" قرب "ميسلون" وكان جلالة المغفور له "فيصل الأول" يتفقد الأحوال آنذاك قبل الواقعة المشؤومة، فتلطف جلالته وسألني بلهجته الخاصة: «ما رأيك بالوضع يا محمد؟» فأجبت: «يا مولاي سندافع حتى نموت أو يكتب لنا النصر».

في عام 1923 عين نائباً عاماً ومديراً عاماً لعدلية جبل الدروز، بدأ يقوم باتصالات سرية مع رجالات سورية المخلصين حتى بدء قيام الثورة السورية الكبرى عام 1925 حيث عهد إليه قائد الثورة المرحوم "سلطان باشا الأطرش" بقيادة "المنطقة الوسطى والغوطة واللجاة" فقاد عدة معارك منها معركة "اللجاة" التي جرح فيها بطلقة مدفع جرحاً بليغاً في كتفه، ومعركة "لاهثة" (في الأرض المقابلة لضريحه الحالي)، حيث استطاع برفقة مجاهدي هذه القرية وغيرهم ممن كان لهم شرف المشاركة بها، إيقاف العدو مدة 45 يوماً لم يستطع خلالها دخول القرية إلى أن نفدت ذخيرة المجاهدين بالكامل، وكذلك معركة قرية "مجادل، وصميد غرباً، وتل الخالدية شرقاً، ومعركة "خلخلة، وذكير" شمالي قريته "لاهثة" و"المسمية" في حوران إلى الغرب الشمالي منها، إضافة إلى معركة "المسيفرة" عام 1925 التي قادها وفقد فرسه أثناء المعركة، وموقعة الزور الثانية في 17 تشرين الثاني 1925 قرب قرية "المليحة في غوطة دمشق" حيث رابط مع المجاهدين في طريق "جرمانا" واتبعوا العدو بالنار والسيف حتى أوصلوه إلى أبواب "دمشق"، وقاد معركة "حمورة" في "غوطة دمشق" في 17 كانون الأول عام 1925، ومعركة "جوبر والمليحة" عام 1925، ومعركة "يلدا" أو "قبر الست"، ومعركة "زاوية الحمرا" قرب "داريا"، ومعركة "مئذنة الشحم، والميدان، والبوابة، وعربين، وحرستا، وجسر تورا، وشبعا، وجوبر، مطلع عام 1926، ومعارك النصف الثاني من عام 1926، وأهمها: معارك "برزة، ودوما، وعقربا، ويلدا ، وداريا" ونزح مع نزوح القائد العام للثورة السورية الكبرى "سلطان باشا الأطرش" وعدد من المجاهدين إلى "الأزرق" في "الأردن" ومنها إلى "النبك ووادي السرحان من أعمال المملكة العربية السعودية" وقد حكم عليه غيابياً بالإعدام وأمضى في الصحراء اثني عشر عاماً مبعداً مع رفاقه المجاهدين وزار خلال هذه المدة "مصر، والحجاز، والعراق"، ولقي من المسؤولين آنذاك كل حفاوة وتكريم، وعاد إلى "الحجاز" عام 1932 بطلب من جلالة الملك "عبد العزيز آل سعود" وراح يتصل بعدد من الزعماء السوريين ليطلعهم على أحوال المجاهدين، وبقي معهم حتى عام 1937 حيث صدر العفو عنهم من قبل الفرنسيين المستعمرين وعادوا إلى الوطن، لينتخب نائباً عن قضاء "شهبا" عام 1939، وأحيل إلى التقاعد عام 1944 بناءً على طلبه، وفي عام 1945 اسهم بدور كبير في إلغاء الاستقلالين: المالي والإداري بالجبل لإلحاقه بسورية الأم، وترأس حركات تحررية شعبية خلدها له التاريخ، حتى وفاته في آذار من عام 1958 ودفن في مدينة "السويداء"، في حفل تأبيني كبير شارك فيه العديد من الأطياف الاجتماعية والسياسية من داخل وخارج الوطن، وقد وقف الفريق "عفيف البزري" قائد الجيش الأول آنذاك وتقدم مستلاً سيفه وانحنى أمام الجثمان احتراماً وتقديراً لنضاله، عندها نادى عليه بصوته الجهوري القائد العام للثورة السورية الكبرى "سلطان باشا الأطرش" وقال له: «يا "عفيف" كرموا المجاهد "أبو توفيق، محمد عز الدين" لأنه يستحق الكرامة والتكريم، فأنا اليوم فقدت ساعدي الأيمن».

المجاهد محمد باشا عز الدين

يذكر أنه في عام 2006 تم نقل جثمان المجاهد الكبير إلى بلدته "لاهثة" حيث شيد له المخرج "حسن عز الدين" نصباً تذكارياً كتب عليه: "الشعوب التي تنسى تاريخها محكوم عليها بالموت"، وزرع على لوحة نحاسية أسماء شهداء قريته ورفاقه في النضال، وجرى تدشين النصب في 11 أيار 2006 في حفل رسمي وشعبي مهيب برعاية نائب القائد العام للجيش والقوات المسلحة- وزير الدفاع والسيد محافظ السويداء وأمين فرع الحزب.

في حفل تدشين النصب التذكاري