في مضافة مرتفعة، حجارتها تدل على قدمها وأصالتها مع التاريخ، سقفها من القصب الذي لم يحن إلا لأنغام تحكي حكايا الزمن، وأمام المضافة التي يتقدمها اقل من عشر درجات من حجر البازلت استقبالنا المعمر الشيخ "أبو نايف أجود درويش" بعد أن تجاوز القرن ونصف العقد.

صاحب الوجه البشوش ينتخي بعصاه وملوحاً بها مرحباً "تفضلوا يابا" صب لنا القهوة المرة العربية بيديه اللتين تدلان على خوض غمار الحياة من بابها الأوسع.

أول من سكن قرية "شعف" شخصان "نصار أبو عاصي" ورجل من "آل عزيز" ثم جاء "آل درويش" وبعد أن سكنها جدي "إسماعيل درويش" الذي أهدى له بداوة من عشيرة "عدوان" قطعان من الغنم فقام بذبحها جميعاً كرمى لهم، واليوم "شعف" تضم أكثر من ست عشرة عائلة، معظمهم ممن شاركوا في مقاومة الاستعمار الفرنسي

وبدأ المعمر الشيخ "أبو نايف أجود درويش" يروي لموقع eSwueda حكاية "حمزة درويش" مع الفرنسيين وكيف سيعيد مجد 1925 إذا لم يخرجوا المعتقلين مبتدئاً بالعائلات الأولى التي سكنت قريته لينطلق بعدها إلى الرواية قائلاً: «أول من سكن قرية "شعف" شخصان "نصار أبو عاصي" ورجل من "آل عزيز" ثم جاء "آل درويش" وبعد أن سكنها جدي "إسماعيل درويش" الذي أهدى له بداوة من عشيرة "عدوان" قطعان من الغنم فقام بذبحها جميعاً كرمى لهم، واليوم "شعف" تضم أكثر من ست عشرة عائلة، معظمهم ممن شاركوا في مقاومة الاستعمار الفرنسي».

حمزة درويش

وتابع المعمر "درويش" الواقعة بالقول: «في عهد الانتداب الفرنسي استولت فرنسا في أعقاب الثورة السورية الكبرى على مغاور في قريتنا استخدمتها مهاجع لجنودها وفي بعض الأماكن أقاموا مقهى لهم والمكان ما زال موجوداً لكنه أصبح ركاماً، وكانوا يزيدون على خمسة آلاف فرنسي، وهذا العدد أكثر من عدد أهالي قرية "شعف" بعشرات المرات وبسبب شح الموارد المائية فقد عين يوم لأهل القرية ويوم للفرنسيين يعبئون المياه، على ألا يتعدى كل منهم دور الآخر، ولأن طبيعة الاحتلال التعدي دائماً فما كان من جنود الاحتلال إلا أن تسللوا ليراقبوا نساء القرية وهن يردن بركة الماء، ولم يعلموا أن شباب القرية يراقبونهم فانقض شباب القرية على الجنود الفرنسيين وجرحوا ثلاثة منهم وأخذوا سلاحهم وعندما علم "اليطنان" قائد الموقع "كرنكو" طوق القرية واعتقل سبعة من خيرة شبانها وزجهم في سجن تلة القرية داخل الشريط الشائك الذي كان يسور الموقع الفرنسي في القرية، الأمر الذي دفع أحد الشيوخ بأن يذهب ليلاً إلى قائمقام "صلخد" الذي كان يومها "حمزة باشا درويش"، لم يجده فأخبر زوجته بالأمر، وعندما عاد "حمزة درويش" وعلم بالأمر بقي على ظهر جواده واتجه باتجاه قرية "شعف" ووقف أمام اليطنان الفرنسي وطلب منه أن يفرج عن المعتقلين وعندما رفض الفرنسي ذلك قال له: "إذا لم تفرج عنهم خلال ثلاث ساعات فإنني سأعيد عام 1925، ولن يخرج من خمسة آلاف جندي الموجودين في هذه القرية واحداً حياً"، الأمر الذي جعل الرعب يدب في قلب الفرنسي ويفرج عن جميع المعتقلين».

الشيخ "أبو مؤيد حسن الخطيب" الذي تجاوز النصف الثاني من العقد الثامن أوضح قائلاً: «لقد كان الأبطال سابقاً يقدمون أنفسهم للموت من أجل إثبات موقف وطني، وما فعله "حمزة باشا درويش" جاء نتيجة لانتهاك المعاهدة بيننا وبين الفرنسيين، ذلك حين اتفق أهل القرية أن يتم تعبئة المياه يوم بيوم، لكن نوايا الاستعمار السيئة تجاوزت حدود الأرض حتى حاولت التعدي على العرض، وهذا ما لا تحمد عقباه، بالماضي جرت معركة "خراب عرمان" ودمرت حملة "ممدوح باشا" من أجل "ميثة الأطرش" واليوم كل نسائنا تعادل "ميثة"، وأمثالها ولهذا عندما علم شبابنا فعلوا فعل الأبطال، إلا أن سلاح الاستعمار الاعتقال والسجن وتعذيب المقاومين، ولهذا ذهب أحد المشايخ إلى قرية "الحريسة" إلى منزل "حمزة باشا درويش" ووضع الخبر لدى زوجته، وفعلاً وصل علم له وهو على ظهر فرسه فتابع طريقه إلى "شعف" ووقف أمام اليطنان الفرنسي وأمره بأن يخرج المعتقلين، ولما رفض صرخ بوجه قائلاً: "إذا لم تفرج عنهم خلال ساعات قليلة فسأعيد عام 1925، ولن يخرج من جنودك في هذه القرية واحد حي"، ولأن صوته وحضوره كان مهيباً فقد دب الرعب في قلب المحتل ما جعله يفرج عن المعتقلين بسرعة، تلك الواقعة التي لم نسمع من المؤرخين أنهم ذكروا مواقف كهذه لكنها وقائع صادقة ومبنية على فعل، وكل اهالي القرية الذين عاصروا الفترة الزمنية يعلمون بها وشبابنا يتناقلونها في المضافات كثقافة مقاومة تحمل بعداً وطنياً».

مكان مقهى الفرنسيين
السيخ أبو مؤيد حسن الخطيب