بعد أن تنضج الحبة في سنابل القمح، وتبدأ بالاصفرار التدريجي، يتحضر الفلاحون لشهر من العمل المضني بكل تفاصيله، ولهذا الجزء من العمل عادات وتقاليد قديمة درج الناس على القيام بها.
الباحث "سلمان البدعيش" قال لموقع eSuweda عن العادات المتبعة في بداية الحصاد: «تقسم الأراضي إلى عدة واجهات، أي مواقع كأن يقال الواجهة الشمالية أو الغربية، وقد يطلق اسم على كل واجهة، والبدء في الحصيدة يجب أن يكون في واجهة واحدة بالنسبة لجميع الملاك لأن أغلبهم يزرعون الواجهات بنفس التوقيت، ولذلك يصفر المحصول مع بعضه، ويسمى البدء في حصيدة كل واجهة (الهَدّه)، ولا يسمح بالبدء بالحصاد بشكل فردي إلى أن يعلن عن موعد الهدة وموقعها بين الواجهات.
هي ثلاث مراحل تبدأ بالفطير عندما يكون لون الزرع ما زال مائلاً للخضرة. والثانية الفريك عندما يميل لون الزرع للاصفرار، وتكون حبات القمح في السنابل ناضجة، وفي هذه المرحلة تؤخذ حبات القمح لتستخدم في أكلة الفريكة المشهورة، والتي تعيض عن البرغل الأكثر تعقيداً في إعداده وصناعته. والثالثة تسمى (القايس)، عندما تجف سيقان القمح وتيبس تماماً، وهي حالة مفضلة للحصاد. وعندما تكون حبات القمح كبيرة وسمينة تسمى (ناصحة)، وعندما تكون صغيرة الحجم تسمى (ذميمة)، فيقال حبة ناصحة، أو حبة ذميمة
أما إذا كان أحد الملاّك بحاجة ماسة لحصاد بعض القمح لتأمين حاجته الغذائية فإنه يستأذن لحصاد جزء من محصوله في واجهة معينة قبل البدء بالهدة، وهذه العملية تسمى (تقديمة) أي حصاد مبكر ومتقدم عن موعده، والتوقف عن الحصيدة انتظاراً لانتهاء الآخرين من واجهتهم يسمّى (الحبسة)، وعندما يتأخر أحد المزارعين عن إنهاء حصاده مع الآخرين في إحدى الواجهات يتم تقديم المساعدة له، وتسمى هذه العملية (الفزعة)، أما إذا كانت المساعدة متبادلة فتسمى (المجاملة)، فهي تدخل من باب روح التعاون والتكاتف التي كانت سائدة بين الناس للتغلب على شظف العيش وقسوة الحياة وتذليل الصعاب والمعاناة».
ولعملية الحصاد اليدوي أشكال كثيرة يقوم بها الرجال والنساء على السواء، وهي تخضع لبنية الشخص نفسه، وعن هذه العملية الشاقة يحدثنا الأستاذ "فواز الطويل" الذي مارس هذه العملية كثيراً فيما مضى بالقول: «تتم عملية الحصاد يدوياً، بحيث يجثو عدد من الحصادين على ركبة واحدة ويقال لها (على ركبة ونص)، وتبدأ في أول السهم (قطعة الأرض) المزروعة بالقمح الذي يريدون حصاده، أو يجلسون القرفصاء.
وهناك ثلاثة أوضاع يمكن أن يأخذها الحصاد أثناء عمله وهي- الأولى على "ركبة ونص" بحيث يجثو على ركبة واحدة، بينما تكون ساقه الأخرى مستندة على القدم مشكلة زاوية مع الفخذ، والثانية "الزحفة" وهي وضع القرفصاء، والثالثة "التطمينة" بحيث يكون الحصاد واقفاً على قدميه وحانياً ظهره إلى الأمام والأسفل، وهذه الطريقة تستعمل للحصاد بالمنجل، أو لجمع السنابل المتناثرة وتسمى في هذه الحالة (التكويش)».
أما كيف يتم الحصاد والتوزيعات التي كان يقوم بها كبير الحصادين، والأدوات التي يستخدمها الحصادون لحماية أيديهم ولسرعة الإنجاز، فيضيف "البدعيش": «تتفاوت مقدرة الحصادين وخبرتهم وقوتهم وسرعتهم في الحصاد، لذلك يوزعون في (إمّان) أي أقسام حسب هذه المعطيات، ولهم تسميات خاصة بهم، "فالقَطّاع" وهو الرجل الذي يحدد عرض الإمّان الجماعي في الحقل على خط مستقيم محافظاً على عرض الإمّان، و"القنطرة" وهو أنشط وأقوى حصاد ويستلم الإمّان الذي في الوسط ليتمكن من مساعدة الحصادين اللذين يجاورانه يميناً ويساراً، أما الضعيف فيضعوه على (الجحشة) أي على طرف الزرع أي على الجانب الخارجي منه .
ولحماية الأصابع من الأشواك الموجودة بين نبات القمح يضع الحصادون في أصابعهم (قماع) من المعدن تغطي العقدتين الأوليين من الإصبع، وإذا كان الزرع (فطير) أي ما زالت سيقانه طرية مما يصعب قطعها فيضعون في أصابعهم ما يشبه المشد الأسطواني يغطي ثلثي الإصبع وهو مصنوع من الجلد أو المطاط الذي تصنع منه العجلات الداخلية للسيارات وتسمى (الحواليش) ومفردها (حالوشة)، أما إذا كان الزرع طويلاً وبينه أشواك وأعشاب فإنهم يستخدمون المناجل، ولكن الذين يحسنون استخدام المنجل هم قلة، وللحصاد بالمنجل لا بد من استعمال (القحف) وهي خشبة يقحف بها الحب قحفاً، و(الغملوش، وهو غصن ينبت في الظل) من قبل بعض الحصادين المهرة الذين يحسنون استعماله .
فالقحف عبارة عن قطعة خشبية منحنية بسماكة حوالي 5 مم تبدأ بعرض الكف ومثبت في وسطها من الداخل ثلاث أسطوانات من الجلد لتدخل فيها الأصابع الثلاث الوسطى لليد اليسرى وتنتهي برأس مدبب، أما الغملوش فهو قطعة من الجلد أو التنك تأخذ شكلاً أسطوانياً تدخل بإبهام اليد اليسرى وتنتهي بسلك معدني ثخين وصلب من الفولاذ يكون منحنياً ليشكل مع القحف ما يشبه الدائرة التي تشكلها قبضة اليد مع القحف والغملوش عندما تجمع ما يقطعه المنجل من الزرع بواسطة اليد اليمنى في رزمة واحدة، وهذا يتيح للحصّاد جمع أكبر كمية ممكنة من القمح المحصود في يده، وبالمختصر يستخدم القحف مع الغملوش لحصاد الزرع الطويل بواسطة المنجل وتظهر عليه أماكن الأصابع الثلاث الوسطى من اليد اليسرى، وهي مصنوعة من الجلد ومثبتة على القحف المصنوع من الخشب».
وتأخذ سنابل القمح ثلاث مراحل للنضوج، وتسمى كل مرحلة باسم خاص متعارف عليه بين الفلاحين، حيث يقول عنها الفلاح "سليمان أبو مراد": «هي ثلاث مراحل تبدأ بالفطير عندما يكون لون الزرع ما زال مائلاً للخضرة.
والثانية الفريك عندما يميل لون الزرع للاصفرار، وتكون حبات القمح في السنابل ناضجة، وفي هذه المرحلة تؤخذ حبات القمح لتستخدم في أكلة الفريكة المشهورة، والتي تعيض عن البرغل الأكثر تعقيداً في إعداده وصناعته.
والثالثة تسمى (القايس)، عندما تجف سيقان القمح وتيبس تماماً، وهي حالة مفضلة للحصاد. وعندما تكون حبات القمح كبيرة وسمينة تسمى (ناصحة)، وعندما تكون صغيرة الحجم تسمى (ذميمة)، فيقال حبة ناصحة، أو حبة ذميمة».
ويسرد "البدعيش" بعضاً من الأغاني التي كانت ترافق عملية الحصاد، وهي تدخل من بان الحماسة على العمل، ورفع الملل من تكرار نفس العملية طوال يوم كامل، وتأخذ عدة مواقف منها حسبما قال: «أما الأغاني التي تشجع على العمل فكان يطلق كبير العائلة أو القوم صوته بالغناء طالباً من الآخرين الترديد ورائه:
"طمن واحنيلي ظهرك / يا بعد ظهيري ظهرك"
وعندما يتعب الحصادون ويملون من العمل يغنون:
"يا إمانـي ريتك بور/ ريتك مرعى للزرزور".
يقول الفنان "سميح شقير" في إحدى أغانيه عن الحصاد:
"هبوا الحصادي صبايا وشباب/ والحدى اللي يشد الزنود ليطل الغياب
وما يهد الحيل إلا الخصر اللي مايل/ آه ويلي منوا يا ويل يا ويلي منو يا ويل".
وهناك أغان يعتبرها البعض مسلية مثل:
"بالسوق ضاعت / محرمتي/ محرمة الغية / محرمتي"
ومن تخلف عن زملائه في الحصاد يهجى ببعض الأغاني التي تحثه على بذل مجهود أكبر ليلحق بزملائه».