عرفت أبرشية "جبل العرب وحوران والجولان" للروم الأرثوذكس بمحافظة "السويداء" في العام 1999 نقطة تحوّل بدّلت حياتها، ففي حزيران من العام المذكور، ولأوّل مرة يقيم المطران المنتخب "سابا إسبر" في الأبرشيّة بشكل دائم (بعد أن كان المطران يقيم في "دمشق" و"بيروت")، ومنذ ذلك التاريخ والأبرشيّة تعيش نهضة كبيرة على مختلف الصعد، اقتصاديّاً وروحيّا ورعائيّاً، فغدت خليّة نحل تحيي هذه الأبرشية المنسيّة.

حيث وضع المطران خطّة يسعى إلى تنفيذها بالتوازن أطلق عليها عنوان "إلعازر هلمّ خارجاً" وتركّزت على محورين هما: النهضة الروحية والنهضة المادية أو العمرانية.

بأنها كنيسة قديمة وصغيرة، تاريخ بنائها مجهول، أقيم فيها القدّاس الإلهيّ للمرّة الأخيرة في العام 1940، وبقيت مقفلة حتّى العام 2000، حيث بفضل أحد أبنائها تمّ تأهيلها وترميمها وعادت لتجميع أبناء الرعيّة المقيمين والمهاجرين

موقع eSuweda التقى مطران الأبرشية "سابا إسبر" ليحدثنا عن النهضة الروحية والعمرانية التي تشهدها المطرانية فقال: «تمثلت الخطوة الرعائيّة الأولى في تشكيل مجالس رعايا، واتّباع سياسة لتوجيه عملها وماهيّة رؤيتها للكنيسة الداعية إلى الاهتمام بالبشر قبل الحجر.

المطران "سابا أسبر"

في الأبرشيّة حاليّاً مجالس رعايا تسير وفق نظام المجالس المتّبع في الكرسي الأنطاكيّ، كلّ بحسب إمكاناته وظروفه البشريّة والمادّيّة، فقد أخذت المجالس تعي أهميّة بناء المؤمنين ودورها فيه ونشطت في تأمين موارد للكنيسة، وفي هذا السياق جاءت فكرة الاشتراكات الشهريّة التي أصبحت واقعاً في بعض كنائس محافظة "السويداء" و"درعا" وتعيّن لكلّ كنيسة عيد سنويّ تحتفل به رعيّتها بحضور المطران وكهنة الأبرشيّة، وتدعو باقي الرعايا إلى مشاركتها».

وتابع المطران: «تعيّد رعية قرية "أزرع" بمحافظة درعا في عيد القدّيس "جاورجيوس" في 6 أيّار، بينما رعيّة قرية "رخم" تعيّد في الأسبوع الأوّل من تمّوز للقدّيسين "قزما" و"داميانوس"، اللذين وفق التقليد المحليّ هما من تلك المنطقة.

كنيسة مار جرجس- القنيطرة

وكان العام 2003 شاهداً على الحدث الكنسيّ الأبرز، الذي أعاد إلى الأذهان الروح الكنسيّة الأصيلة وصورة المعموديّات الأولى، فقد جرت في كنيسة القدّيس "جاورجيوس" في قرية "خربا" بمحافظة "السويداء" معموديّة جماعيّة حيث اشترك ثمانية عشر ولداً، تراوحت أعمارهم بين خمسة أشهر وستّ عشرة سنة، في الجرن الواحد، مؤكّدين رفضهم أيّة تفرقة طبقيّة قبليّة».

أما عن الرعيّة الأرثوذكسيّة بمحافظة "القنيطرة" واهتمامها من أجل لمّ الشمل فقال: «عانت الأمرّين ولم تلقَ أيّة رعاية خاصّة بعد الاحتلال الإسرائيليّ في العام 1967، إذ غادر سكانها إلى العاصمة "دمشق" ومنها إلى المهاجر، بعدها باشرت المطرانيّة الاتصال بالأهالي والتعرّف إليهم، وتحدّدت مناسبة عيد الجلاء الوطنيّ في 17 نيسان، موعداً لاجتماع أبناء المنطقة في كنيسة القدّيس "جاورجيوس" بالقنيطرة، تلك الكنيسة المنهوبة وشبه المدمّرة للصلاة والتقاء الجميع في الكنيسة التي تضمّهم في كنفها كعائلة واحدة.

التعليم الديني لأبناء الابرشية

العمل هناك كثير، بداية تم تصليح أبواب الكنيسة ونوافذها لمنع دخول الحيوانات البرّيّة، كما نسعى حاليا إلى بناء كنيسة جديدة في مدينة "القنيطرة" الجديدة، التي ستحمل اسم القدّيس "كسيموس" المعترف، والمولود في قرية "خسفين" الجولانية المحتلة».

وفي إطار جمع الشمل، تجهد المطرانيّة في التواصل مع أبنائها وأصدقائها في الخارج، عبر تزويدهم بأخبار الأبرشيّة بواسطة البريد الإلكترونيّ، ونحن نطلب المساعدة من الجميع لتوفير أكبر نسبة ممكنة من العناوين الإلكترونيّة لأبنائنا في المهجر.

فقد تم لقاؤنا مع أبناء الأبرشيّة في الإمارات العربيّة منذ ثلاث سنوات وأصبح اجتماعنا معهم مرّة كلّ عام، حيث يطلعون من خلالنا على الخدمات والمشاريع الجديدة ويستعلمون عن أبرشيّتهم، والعمل جارٍ على إنشاء موقع للأبرشية على شبكة الإنترنت».

أما عن زيادة عدد الكهنة لخدمة الأبرشية قال: «كانت المهمّة الأصعب زيادة عدد الكهنة لخدمة الأبرشيّة بطريقة أكثر فعاليّة، فالكهنة الموجودون سابقاً قلائل لا يتجاوزون الأربعة فعليّاً، وهم لم يتلقّوا أيّ تعليم أو تدريب، وكان من الضروريّ الاهتمام بهم عبر حلقات واجتماعات تدريبيّة في دار المطرانيّة، وتابع بعضهم الدراسة في مدرسة إعداد الكهنة في دير القديس "جاورجيوس" الحميراء، والتحق بالمطرانيّة بعض الطلاب من محافظة "اللاذقيّة" و"دمشق" وتابعوا دراستهم اللاهوتيّة في معهد القدّيس "يوحنّا" الدمشقيّ اللاهوتيّ، التابع لجامعة "البلمند" في"بيروت".

وهكذا وبعد عشر سنوات أصبح لدى الأبرشيّة اثنا عشر كاهناً، ثلاثة منهم حائزون شهادة في اللاهوت من جامعة "البلمند"، والرابع يحضّر الدكتوراه في الحقّ الكنسيّ في جامعة "تسالونيكي" في "اليونان"، وهم يتوزّعون في خدمة الرعايا والتعليم الدينيّ والعمل الاجتماعيّ، ومساعدة المطران على إدارة بعض المؤسّسات الوقفيّة التي أنشئت».

وعن التعليم الدينيّ لرعايا الأبرشية تحدث المطران: «ينبغي أوّلاً إنشاء مدارس الأحد والتوجّه إلى القرى البعيدة وتأمين التعليم الدينيّ لكلّ الأطفال، وهناك مرشدون يتنقلون من قرية إلى أخرى ومعلّمين ومدرّبين على التراتيل، حيث بات التعليم الدينيّ يغطّي 70% من رعايا الأبرشيّة، وتشكّلت جوقات عدّة في كل الكنائس منها واحدة مؤلّفة من الأطفال كما في كنيسة القدّيس "جاورجيوس" بقرية "أزرع"، صارت النشاطات الكنسيّة شيئاً مألوفاً بعد أن كانت غير مرغوب بها، وتعدّدت المؤتمرات الدينيّة في المنطقة الجنوبية التابعة للأبرشية التي دعت إليها حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة، وشارك فيها مؤمنون من الأبرشيّات كافّة ضمن حرم المطرانيّة.

وعمل الكهنة على تنظيم مخيّمات صيفيّة للشباب في رعاياهم، ضمن الأبرشيّة وفي خارجها، لاقت صدى طيباً عند المشاركين وأهلهم، وحاليّاً نحضّر دراسة لإنشاء مركز مخيّمات في قرية "جبيب" "بالسويداء" يتّسع لنحو مئة شخص».

أما عن ترميم كنائس الأبرشية التي يبلغ عددها تسع عشرة وبناء الأديرة قال: «كانت كنائس الأبرشيّة، بحالة يُرثى لها وتحتاج إلى تأهيل وصيانة وتجميل وتجهيز كلّ ما هو أرثوذكسي طقسيّاً، بدءاً ببدلات الكهنة والأواني الكنسيّة والأيقونات هكذا انطلقت ولمّا تزل ورشة تجميل بيوت الله وإعادة فتح المغلق منها منذ سنوات طويلة، وبناء كنائس في الرعايا التي لا توجد فيها كنيسة، وهذا شمل كلّ الكنائس القائمة، من كنيستي الرعيّتين الكبريين في "درعا" و"السويداء" إلى الكنائس الستّ عشرة الأخرى.

وكان الأهمّ في هذا المجال العمل على دراسة شاملة لترميم كنيسة القدّيس "جاورجيوس" الأثريّة في قرية "أزرع"، والتي تعود إلى القرن السادس الميلاديّ 515م، وتعدّ من أقدم الكنائس وأهمّها في العالم، من حيث جمال العمارة والنمط الهندسيّ، وهي التي ضمّت رفات القدّيس العظيم في الشهداء "جاورجيوس"، حتّى القرن الثالث عشر الميلاديّ، وعلى الأرجح أنّها مكان استشهاده، وتنجز عمليّة الترميم ببطء بسبب ضعف التمويل، مع العلم أنّ مكتب الإعلام في المطرانيّة أصدر كتيّباً ملوّناً يعرّف بالكنيسة وأهميّتّها ومشروع ترميمها، بخمس لغات هي العربيّة والإنكليزيّة والفرنسيّة والألمانيّة واليونانيّة».

وعن الأعمال التي تمّت لكنيسة قرية "أزرع" حتّى الآن قال: «أوقفنا التشقّق الذي كان يهدّد بعض الجدران بالسقوط، وعزل سقف الكنيسة منعاً لتسرّب المياه، وأزيلت جرسيّة حديثة من الإسمنت بُنيت في أربعينيّات القرن العشرين وتمت إزالة كلّ التشوّهات العمرانيّة الموجودة على السطح.

أمّا القبّة الخشبيّة الضخمة التي تعلو الكنيسة، وهي هديّة القيصر الروسيّ "نيقولا" الثاني والتي تم استقدامها في العام 1904، فقد استُبدل 40% من خشبها التالف بخشب جديد، وكُسيت بألواح معدنيّة لحفظها من الرطوبة والجفاف، وأعيد إلى قمّتها البرج الصغير الذي يحمل الصليب، كذلك صُنعت أبواب جديدة وغُلّفت بخشب قطرانيّ عازل للحرارة، وفتح البابان الغربيّان الجانبيّان، وأُعيد تفصيل بابين حجريّين ليحلاّ مكان البابين الحجريّين الأصليّين.

إلى ذلك أُجريت حفريّات في أرض الكنيسة لمعرفة المنسوب الأصليّ لها، وفَوْر وصول الإذن، من وزارة الثقافة، سيباشر فريق متخصّص إصلاح الأرضيّة الحاليّة».

وعن كنيسة قرية "موثبين" بمحافظة "درعا" ذكر لنا المطران "سابا": «بأنها كنيسة قديمة وصغيرة، تاريخ بنائها مجهول، أقيم فيها القدّاس الإلهيّ للمرّة الأخيرة في العام 1940، وبقيت مقفلة حتّى العام 2000، حيث بفضل أحد أبنائها تمّ تأهيلها وترميمها وعادت لتجميع أبناء الرعيّة المقيمين والمهاجرين».

أمّا كنيسة القدّيس "جاورجيوس" في قرية "خربا" بالسويداء" التي ترقى إلى القرن الثامن، فلم تستطع المطرانيّة إلاّ إعادة بناء جدارها الغربيّ وإصلاح سقفها لمنع تسرّب المياه منه».

وفي قرية "طيسيا" بمحافظة "درعا" «حيث كان بيت المعموديّة الجماعيّ لبلاد "الغساسنة"، من القرن الرابع حتّى السادس، كنيسة تراثية لابدّ من أن تخضع لترميم تسترجع معه جمالها، ويتطلّع أبناؤها إلى بناء كنيسة بيت معموديّة يحيون فيها تاريخ بلدتهم، وبعد أن تم فتح بئر في أرض الكنيسة الزراعيّة، أُنجز الحفر وبقي تمويل تجهيز البئر وزراعة الأرض بأشجار الزيتون».

كذلك في قرية "سمج" «اجتمعنا مع أبنائها لصلاة المديح الثالث لوالدة الإله، للمرّة الأولى في العام 2000، تحت خيمة واليوم تقوم في الموقع ذاته كنيسة جميلة مكرّسة للسيّدة "العذراء"، تنتظر إنهاء الأعمال فيها لتجمع شمل أبناء البلدة الموزّعين خارجها».

وعن الأديرة التابعة للأبرشية تحدث المطران قائلا: «على مدى القرون المسيحيّة الأولى، كثرت الأديرة في المنطقة، إلاّ أنّ أعدادها تراجعت ولم يبقَ منها اليوم سوى دير الشرقية في قرية "شقّا" بمحافظة "السويداء" الذي تسكنه إحدى العائلات، وإذا ما تعهّدته الكنيسة الأرثوذكسيّة عاد إلى حالته الأولى من الازدهار والجمال، إذ اعتبره عالم الآثار الكونت "شارل ملكيور دوفوغويه"، الذي زار المنطقة في العام 1865، مثال الهندسة الديريّة الحورانيّة.

نسعى إلى تأسيس دير يكون ملاذاً للنفوس العطشى إلى كلمة الله. وجاء مشروع دير "بيت عنيا" بتدبير من الله، فقد عُرضت على المطرانيّة، في قرية مسيحيّة تقع في وسط الأبرشيّة من الناحية الجغرافيّة، قطعة أرض عليها غرفتان بسيطتان، فتمّ شراؤها بفضل أحد المحسنين وابتدأ العمل ببطء، ولكن بخطا مدروسة، في بناء دير القدّيستين "مريم" و"مرتا".

بعد عشر سنوات، تحوّل المكان إلى دير صغير مع كنيسة خاصّة به وأرض زراعيّة مساحتها 36000 متر مربّع، زرعت خمسة آلاف منها بالدوالي، وبضعة آلاف أخرى بشجر الزيتون، والقسم الأكبر بقي لزراعة الحبوب الموسميّة. ودعي المكان "بيت عنيا" ليكون مقرّ راحة وانتعاش روحيّين، يعتبر الدير حاليّاً قلب الأبرشيّة الروحيّ حيث يمكن أن يتنعّم المؤمنون بيوم روحيّ هادئ، ضمن طبيعة جميلة وساكنة تذكّي روح الصلاة. وهو يضمّ، إضافة إلى الكنيسة، ستّ قلالٍ وغرفتي ضيوف ومكتبة وقاعة كبيرة وملحقات».