هي قصة سورية لشابة من محافظة "السويداء" عصامية ومكافحة، تحدت ظروف الفقر والعوز وتحدت الرجال في مهنة كانوا قد احتكروها لأنفسهم.

هي لم تبحث يوماً عن هذا العمل، ولم تدرس الهندسة الميكانيكية أو المعهد، لكن ما إن وضعها القدر أمامه حتى أثبتت للمجتمع من حولها تفوقها وتميزها وإبداعها.

"سهام دعيبس" حالة مميزة ونادرة، وهي تأخذ مواد عملها مني دائماً، وقد سمعت عن نظافة عملها ومصداقيتها مع زبائنها، ولذلك عندما يسألني زبائني عن ميكانيكي ناجح أخبرهم عنها فوراً، هي تحتاج لكل دعم من كل شخص يحترم العمل ويقدره أتمنى لها التوفيق والنجاح

"سهام دعيبس" هي أول فتاة سورية تعمل في لف المحركات وإصلاح الأدوات الكهربائية، على مدى ستة عشر عاماً قضتها في هذه المهنة أثبتت حضورها في السوق الحرفي وتميزها، واستقطبت العديد من الزبائن الذين لا يرضون إلا بعملها.

الشابة "سهام دعيبس"

مدونة وطن eSyria زارت الشابة "سهام" بتاريخ 17/3/2013م في ورشتها المتواضعة في قريتها "مفعلة" التي تبعد عن محافظة "السويداء" 9 كم وسجلت معها الحوار التالي:

  • عملت في مهنة شاقة ويصعب على الفتاة القيام بها، فما الذي دفعك لهذا العمل؟
  • لفافة المحركات التي قامت باصلاحها لتخديم عملها

    ** قد تكون مهنة قاسية وصعبة بنظر الكثيرين، ولكني أراها مهنة تشبه باقي المهن، وإلا لما استطعت العمل بها طوال ستة عشر عاماً، أنا لا أخفي أن الأمر كان في بدايته شاقاً وصعباً ولكن بالإرادة والتصميم يستطيع المرء النجاح والتميز، أما عن الأسباب التي قادتني لهذا العمل، فقد نشأت في أسرة متواضعة وفقيرة، وشاء القدر أن يموت شقيقي الوحيد وهو في ريعان شبابه متأثراً بمرض عضال أصابه، وليترك لوالدي خمسة أبناء ليرعاهم، كنت أنا في الصف الحادي عشر قسم الفنون، تركت أختي الكبرى دراستها لتساعدني على تأمين مصاريف دراستي، وللتخفيف من الأعباء التي وقعت على كاهل والدي، تابعت دراستي حتى حصلت على الثانوية الفنية وفضلت عدم متابعة دراستي والبحث عن فرصة عمل.

    بحثت طويلاً ولكني لم أوفق بعمل، وفي النهاية وجدت عملاً لدى صديق والدي المرحوم "نواف محرز" والذي كان يعمل ميكانيكياً فقد عرض علي العمل لديه بالاهتمام بفواتير المحل وتنظيمها.

    من المحركات التي تقوم بلفها حالياً

  • كنت تخشين التعامل مع الأدوات الكهربائية بكافة أنواعها، فما الذي حصل وجعلك تكسرين تلك القاعدة في حياتك؟
  • ** كان لدي خوف من التعامل مع الكهرباء بشكل عام، وذلك الأمر دفع والدي لإخبار السيد "نواف" بأن العمل لديه لا يناسبني، ولكنه رحمه الله ظل مصمماً على الأمر وذلك ليساعدني فقد كان يعرف بظروفنا.

    بدأت العمل في البداية وكان يتطلب مني عملي الاهتمام بفواتير المحل، وتنظيمها وذلك لم يكن يتطلب مني وقتاً طويلاً، أنجز عملي في فترة قصيرة وأتابع يومي في مراقبة ما يفعله السيد "نواف" والمتدربون الثلاثة الذين كانوا يعملون لديه، في البداية رغبت بالعمل معهم لأكسر هاجس الخوف من الكهرباء فقط، وبالفعل طلبت من السيد "نواف" أن يسمح لي بلف أحد المحركات، أعجبته الفكرة كثيراً وسط دهشة واستغراب الجميع ممن حولي، وبشكل خاص المتدربين لديه والعاملين، أعطاني أحد المحركات وقال لي: "هذا المحرك لك فاعملي به بالطريقة التي ترينها مناسبة"، وكان ذلك في عام 1997م.

    قمت بقص المحرك في البداية وبدأت بلفه، استغرق مني الأمر يومين قمت بتجهيزه وتقديمه له، أعجبه العمل كثيراً على الرغم من كونه بسيطاً ومازال في بداياته، ولكن الأهم أني استطعت تشغيل المحرك، ومنذ ذلك الوقت بدأ يخصص لي محركات للعمل بها، وفي تلك الفترة احترق موتور الماء في منزلنا وقمت بإعادة لفه وإصلاحه، ومازال إلى اليوم يعمل منذ خمسة عشر عاماً، وفي غضون شهرين فقط من التدريب أتقنت العمل وسط دهشة الجميع.

  • كيف كان زوار المحل ينظرون إلى عملك؟ وكيف استطعت اثبات نفسك واستقطاب الزبائن؟
  • ** كنت أسأل من قبل الجميع، فيما إذا كنت ابنته وما سبب تواجدي في محله، وكان يخبر الجميع عن طبيعة عملي، حتى إنه أصبح يوكل القيام ببعض التصليحات الخفيفة في البداية كي يتعرف الجميع إلى عملي، وبالفعل أصبح لدي زبائني ومعظمهم كانوا من أهل قريتي، وخاصة بعد أن اشتهر عملي، والحمد لله استطعت تجاوز جميع العقبات والصعوبات ونظرات الدهشة والاستغراب واثبات قدراتي، وذلك بالإرادة والتصميم، وأنا اليوم أقوم بلف المحركات لموتورات المياه وموتورات مجابل الزفت والبلوك، وموتورات الغسالات الأوتوماتيكية ونصف الأوتوماتيكية، ومحرك مساحات الزجاج في السيارة ومكبس البلوك، ومحرك الصاروخ والمثقب ومنشارة الحطب ومحركات لجميع الأدوات الكهربائية.

    هناك محركات بقياسات عديدة، منها ما هو باستطاعة نصف حصان ومنها ما كانت استطاعته أكبر، بالإضافة إلى محركات مولدات الكهرباء منها ما هو صغير ومنها الكبير، إضافة إلى مولدة باستطاعة 3KFA قمت بلفها وكانت أكبر مولدة أعمل بها.

    تعاملت مع عدد كبير من الفعاليات منهم مديرية الموارد المائية ومديرية الزراعة في المحافظة، وعدد من أصحاب المنشآت الصناعية، جميع الأشخاص الذين قمت بلف محركات كهربائية لهم، كانوا يأتون إلى المحل ويقولون لصاحب المحل نحن لا نريد إلا "سهام" لتقوم بإصلاح أدواتنا، واستمر عملي لديه أربعة عشر عاماً، حتى توفي رحمه الله، ما اضطرني للعودة إلى قريتي.

  • لديك ورشة صغيرة للعمل في القرية، كيف كانت نظرة المجتمع من حولك لعملك ومن شجعك؟
  • ** بعد وفاة السيد "نواف" رحمه الله الذي كنت أعمل لديه منذ ثلاثة أعوام، عدت إلى قريتي وكان والدي قد توفي ووالدتي مريضة، وكانت الأعباء كبيرة علي وعلى شقيقتي، استصلحت أحد البيوت القديمة التي تعود لوالدي، وحولتها إلى ورشة للعمل وقمت بتأمين المستلزمات الضرورية للعمل، منها لفافة محركات كانت معطلة، ركبت لها محرك غسالة وقمت بإصلاحها للاستفادة منها في عملي، تقوم بلف أشرطة المحرك لأتابع تركيبها بشكل يدوي.

    لم أستطع الابتعاد عن عملي، فقد كان مصدر رزقي الوحيد رغم انتقادات كثيرة سمعتها من أهالي قريتي، منهم من نصحني بالابتعاد عن هذا العمل والبحث عن عمل آخر يليق بفتاة بنظرهم، ولكن الأغلبية من أهالي قريتي كانوا من زبائني وكانوا يقصدونني في "السويداء"، ورغم انتقال مكان عملي من السويداء إلى قريتي إلا أن زبائني ما زالوا يقصدونني ومن عدد من قرى المحافظة من "الطيبة" و"الكسيب" و"رامي" و"عتيل" و"سليم" و"المتونة" و"قنوات" وغيرها.

    وقد شجعوني كثيراً إضافة إلى تشجيع والدتي رحمها الله التي توفيت منذ عام ونصف، والدور الأكبر للمرحوم "نواف محرز" الذي علمني كابنته وشجعني وساندني لأستطيع التغلب على كافة الصعوبات.

  • لكل عمل صعوبات ومعوقات، ما الذي أعاق عملك؟
  • ** الشيء الوحيد الذي يعيق عملي هو عدم قدرتي على توسيع عملي وورشتي وزيادة المواد لدي، فأنا أحب العمل بصدق وبضمير وأنصح زبائني بالمواد الأفضل، تلك التي أصبح سعرها في هذه الأيام باهضاً، الأمر الذي تسبب بنقص رأس المال لدي مقارنة بأجور العمل وغيرها، أتمنى الحصول على قرض يساعدني على توسيع عملي وتحسينه، علماً أنني أخذت قرضاً صغيراً من مؤسسة "الآغا خان" منذ سنوات ولكن المبلغ كان خمسين ألفاً فقط، وأنا في الحقيقة أحتاج لأضعاف هذا المبلغ.

    والتقينا من أصحاب المنشآت الصناعية السيد "هادي غلاب" صاحب معمل رخام في قرية "مفعلة" وقد تحدث عن علاقته بالآنسة "سهام" قائلاً: «تعرفت إلى السيدة "سهام" أثناء عملها لدى المرحوم "نواف محرز"، قامت بإصلاح عدد من المحركات تعود لي، وكان عملها متقناً وجيداً، هي شابة صادقة ومكافحة عاشت في بيئة فقيرة وفقدت والديها، وتعمل بنزاهة وضمير والتعامل معها مريح جداً.

    لذا طلبت منها لف عدد من المحركات لمعمل الرخام لدي، محركات "ثري فاز" باستطاعات مختلفة عشرة أحصنة وخمسة عشر حصاناً، لديها القدرة والإمكانيات والخبرة ولكنها تفتقر للتمويل لتستطيع النهوض بعملها بالشكل الأفضل، أتمنى لها التوفيق والنجاح».

    السيد "جلال قسام الحناوي" صاحب محل تجاري لبيع قطع الميكانيك في محافظة "السويداء" قال: «"سهام دعيبس" حالة مميزة ونادرة، وهي تأخذ مواد عملها مني دائماً، وقد سمعت عن نظافة عملها ومصداقيتها مع زبائنها، ولذلك عندما يسألني زبائني عن ميكانيكي ناجح أخبرهم عنها فوراً، هي تحتاج لكل دعم من كل شخص يحترم العمل ويقدره أتمنى لها التوفيق والنجاح».

    بقي أن نذكر أن السيدة "سهام دعيبس" من مواليد عام 1974م، وقد كرمت من قبل ملتقى المرأة في "دمشق" والملتقى الاقتصادي الأول في "السويداء"، وزارها وفد ألماني مؤلف من ثلاث وثلاثين شخصاً وقدموا لها عرضاً للعمل في ألمانيا، إلا أن رفضها كان مقنعاً فهي لا تبحث عن نجاح خارج حدود سورية.