"خايف ولا كنت بزماني خايف، ويا زيد دونك مرحبا من عيسى" أهازيج رددت في مضافات جبل العرب من نظم الشاعر "عيسى عصفور" الذي أتقن نظم الشعر الشعبي والفصيح، أحب أن يجمع ديوانه بأقلام أصدقائه فكانت وصيته، التي نفذت بعد عقدين من رحيله.

الناقد الأستاذ "رضوان رضوان" أستاذ اللغة العربية قال لموقع eSwueda: «حمل الأستاذ "عيسى" بشعره البعد الوطني والإنساني، إذ سار على نهج القدماء، وتمسك بقواعد وأصول الشعر العمودي، وعزف عن تجربة الشعر الحديث، أو التفعيلة، ولم يسهم بخوض معركة بين الأسلوبين في الشعر العربي المعاصر، غير أنه كان واضحاً في مناصرته للشكل التقليدي، ويرى أن العرب قد اختاروا تلك الصيغة لشعرهم، وطُبعوا عليها بمختلف عصورهم عبر التاريخ، والتي تراوحت بين القوة والضعف، ولو وجدوا غير ذلك لاختاروا تطوير شعرهم نحوه، كذلك يعتبر أن العرب تسنى لهم أن يطلعوا على تراث الأمم المجاورة "كاليونان والرومان وفارس والهند، وتأثروا بتراثهم من دين وفلسفة وعلم اجتماع، وأقصى ما طوروا في هذا المجال من فنون الشعر فن الموشحات وما يتصل به، دون تجاوز لحدود البيت والشطر والقافية والوزن».

منذ عدة سنوات، رغبت على المرحوم الأستاذ "عيسى عصفور" أن يجمع شعره، ويصدره في ديوان كما يفعل غيره، قَبِلَ المرحوم "عيسى" هذه الفكرة، بشرط أن أتولى العمل بدراسة شعره في الديوان نفسه، وأدركت أنه يريد مني أن أكتب أكثر مما يريد لديوانه أن يجمع، حاورته بأنني لست كفؤاً لذلك، أجابني قائلاً: "هذا هو شرطي، أو دع شعري مبعثراً هنا وهناك، ولا حاجة بي إلى جمعه أو حفظه وأنا على قيد الحياة"، عندها عزمت على أن أقوم بالمهمة، غير أني كنت أنتظر الريح المواتية ليكون الديوان كاملاً شاملاً لكل شعره الفصيح والشعبي"، ومميزاً بقدر ما كان المرحوم عيسى مميزاً

أما عن طبيعة شعره وألفاظه فتابع الناقد "رضوان" قائلاً: «ألفاظه سهلة وعذبة، موحية ومؤثرة، وتكاد تنبض بالفكرة، وتغتني بالعاطفة، وتوحي بالصورة، تخلو ألفاظه من الغرابة والوعورة في المعنى والموسيقا، ومع ذلك يجمع بين العذوبة والجزالة، والسهولة والفخامة، فهي قريبة من العصر ومرتكزات القديم وعلى تعابير البداوة وخاصة في شعره الشعبي، ولفظة القافية ليست قلقة ولا متكلفة، إنما مستقرة بمكانها الطبيعي، وكثير ما كان يرد القافية على صدر البيت كما في قوله قصيدة "عشق التراب" التي يعبر فيها عن حنينه إلى مرابع الطفولة والشباب في جبل العرب بقوله:

الأستاذان رضوان رضوان وعادل رزق

أبداً يعذبني فراق ملاعبي/ ويلذ لي في حبها التعذيب

فيها معين الذكريات وعطرها/ والعمر لولا الذكريات جديب

العمل المدروس

ولئن نأيت فقد تمنع خافقي/ فتركته عند القليب يذوب».

وعن فكرة وصية الأستاذ "عيسى عصفور" في جمع ديوانه وتقديمه أوضحها الأستاذ "رضوان رضوان" قائلاً: «منذ عدة سنوات، رغبت على المرحوم الأستاذ "عيسى عصفور" أن يجمع شعره، ويصدره في ديوان كما يفعل غيره، قَبِلَ المرحوم "عيسى" هذه الفكرة، بشرط أن أتولى العمل بدراسة شعره في الديوان نفسه، وأدركت أنه يريد مني أن أكتب أكثر مما يريد لديوانه أن يجمع، حاورته بأنني لست كفؤاً لذلك، أجابني قائلاً: "هذا هو شرطي، أو دع شعري مبعثراً هنا وهناك، ولا حاجة بي إلى جمعه أو حفظه وأنا على قيد الحياة"، عندها عزمت على أن أقوم بالمهمة، غير أني كنت أنتظر الريح المواتية ليكون الديوان كاملاً شاملاً لكل شعره الفصيح والشعبي"، ومميزاً بقدر ما كان المرحوم عيسى مميزاً».

العميد المتقاعد نايف العاقل

وحول شعره الشعبي أوضح الأديب "عادل رزق" قائلاً: «ما يكحل الأعين في جل قصائده وخاصة شعبي منها، عشقه للمكان وخاصة قريته "أم الرمان" الذي نهل منها فكرة البداوة وحياة الفلاح، وقد تغنى بها قائلاً:

هنيت من لو بقعيص ومقاعص/ مشتى ومقيظ وكم شاة وبير

وخربوش مفتوح الرواقين ع الفلا/ لا ضوجةٍ حوله ولا تزمير

فقد عمد شاعرنا أن يكون أكثرا بعداً عن السقوط في محليته او المديح، مما ابتلي به هذا النوع من الشعر أحياناً، ما يضعه في المكان اللائق من التعبير عن القضايا التي ما زالت راعفة، والتي آمن بها وعبر عنها في مشروعه القومي بهذه اللهجة الشعبية المتداولة، وبالتالي استطاع توظيف "القليب" وهو جبل في السويداء يحمل مآثر تاريخية، في شعره الشعبي كما الفصيح، وعلى الرغم من انحيازنا إلى الفصيح من الشعر، نسأل ما المسافة بين بوحه بالشعبي والفصيح؟ ربما ليس هناك مسافة».

وتابع الأستاذ "عادل رزق" بالقول: «استطاع إلقاء الظل على أسلوبه، بربط رؤيته الفكرية ومنهجية شعره عن درايه، فإن ظروفه الصحية لم تسمح له بأن يقدم رأيه بشعره القومي الذي كان الشاعر يذوب فيه بين محيطه وخليجه حالماً بمشروع قومي تارة، وحاملاً انكساراته تارة، إن أفكاره لم تكن مطروحة، بل كانت تلاحقه داخل كل نص، إذ لا فصل لديه بين الأفكار وشكلها الفني لأنهما التركيبة الذهنية التي تساند الأدب، وتمنحه عمقه واتجاهه، فأصبح عبداً لها كعبودية العربي لضيفه التي ما ارتضى غيرها لنفسه، وجعلها قلادة فنية يعلقها ويزين بها عنق كل قصيدة، وكأنه يرى أن من لا يحمل الأفكار والقضايا إنما يعلب باللغة ويستخف بالوعاء اللغوي ودلالاته، ويعطل الأدب وفضاءه التنويري، وإذا كان المرض قد أوقف مقدم الديوان الأستاذ "رضوان" عن الكتابة فإنه لم يستطع أن يلوي فيه عنق الإرادة، أو يقتل الوعد الذي قطعه في أن يظهر ديوان "العصفور" إلى النور، وأن يقدم له الدراسة المناسبة وكأني به يستلهم قول الشاعر "عيسى": لئن عجزت رجلي وهُدت مفاصلي/ فإن فؤادي المستهام طليق».

وعن مكانة الشاعر "عيسى عصفور" الاجتماعية والفكرية والثقافية في قريته بيّن العميد المتقاعد "نايف العاقل" الحائز وسام بطل الجمهورية وهو من أهالي قرية "أم الرمان" قائلاً: «من المعروف عن الأديب "عيسى عصفور" أنه وطني، قومي بامتياز، ومن يستمع إلى قصيدته الشعبية "خايف ولا كنت بزماني خايف، دهري فتل كيف العمل يا نايف، ويا ديرتي وجه البشوش، وغيرها من أول قرية في جبل العرب "الصورة الكبيرة"، حتى آخر قرية على الحدود الأردنية "خربة عواد" يعلم أنها للأديب "عيسى عصفور"، والأهم في كل محفل اجتماعي يرددون قصيدته بألحانٍ تميل إلى"الهجيني" على آلة الرباب، فهو باق بالذاكرة، والقلوب بفكره وثقافته وشعره، وهو الذي كان يخشى على القليب فقد ذكره بشعره الشعبي قولاً:

خايف من اللي رفقتو معتله / الصاحب الي لو تقودو تله

خايف على "القليب" يغدي تله / من عُقب ما هو عالنوابي نايف».