بعد أن تنتهي قصة الداروس والمشوعب التي تملأ أجواء الريف بالأغاني والمشاحنات الطريفة، وتنتهي معه معاناة صاحب البيدر الذي يتحضر لقطف ما سعى إليه طوال الموسم في القيام بالمرحلة الجديدة المتمثلة بما يسمى "الذراوي"، حيث ترفع كمية من القمح المخلوط بالتبن عن طريق المذراة بقذفها إلى الأعلى بمواجهة الريح، فينزل القمح على الأرض أمام "المذرّي"، ويقذف الهواء التبن بعيداً عن القمح مشكلاً ثلاثة مستويات من التبن.

وعن هذه المرحلة يقول الشيخ أبو عادل "حمود الحسن" لموقع eSuweda: «المستوى الأول من التبن هو القريب من المذريّ، ويتألف من أعواد القمح الخشنة ويسمى "القصل"، ويستخدم في عملية التدفئة، ويزاح عن القمح بين فترة وأخرى بواسطة "المذراية".

المستوى الأول من التبن هو القريب من المذريّ، ويتألف من أعواد القمح الخشنة ويسمى "القصل"، ويستخدم في عملية التدفئة، ويزاح عن القمح بين فترة وأخرى بواسطة "المذراية". أما المستوى الثاني من التبن فهو الذي تدفعه الريح إلى مسافة أبعد لأنه أنعم من "القصل"، ويستخدم كعلف للحيوانات، وكذلك في صناعة اللبن الطيني لكي يجعل الطين أكثر تماسكاً. والمستوى الثالث هو التبن الذي يطير إلى المسافة الأبعد، حيث يكون أكثر نعومة من باقي التبن ويسمى "الهفاف"، ويستخدم في تغذية الأغنام التي تعلف بغية ذبحها والحصول منها على "الدهن"، ويتم ذلك بعد خلط "الهفاف" بالماء مع الشعير المجروش وبعض الحبوب الأخرى، وتعطى إلى رأس الغنم الذي يعلف على شكل كرات تدخل في فمه باليد، مع إضافة الملح لدفع رأس الغنم إلى شرب كميات أكثر من الماء، وهذا يساعد على زيادة سمنته

أما المستوى الثاني من التبن فهو الذي تدفعه الريح إلى مسافة أبعد لأنه أنعم من "القصل"، ويستخدم كعلف للحيوانات، وكذلك في صناعة اللبن الطيني لكي يجعل الطين أكثر تماسكاً.

فلاحون من آل غانم يعبئون التبن في أكياس الخيش

والمستوى الثالث هو التبن الذي يطير إلى المسافة الأبعد، حيث يكون أكثر نعومة من باقي التبن ويسمى "الهفاف"، ويستخدم في تغذية الأغنام التي تعلف بغية ذبحها والحصول منها على "الدهن"، ويتم ذلك بعد خلط "الهفاف" بالماء مع الشعير المجروش وبعض الحبوب الأخرى، وتعطى إلى رأس الغنم الذي يعلف على شكل كرات تدخل في فمه باليد، مع إضافة الملح لدفع رأس الغنم إلى شرب كميات أكثر من الماء، وهذا يساعد على زيادة سمنته».

وجد الفلاحون طريقة عملية لفصل القمح عن التبن، حيث اكتشفوا أن صفاً من الحجارة قادر على الفصل بينهما، يقول الباحث في التراث الشعبي الأستاذ "سلمان البدعيش": «يوضع بين القمح الناتج عن التذرية وبين أنواع التبن صف من الحجارة بجانب بعضها وبارتفاع لا يزيد عن 15 سم، وتسمى "الذرّايات" كي تفصل بين القمح والتبن وتبعد أو تقرب من مكان وقوف (المذرًّي) أو العامل حسب قوة الرياح واتجاهها، فكلما كانت الرياح أقوى كلما كانت المسافة التي تبعد صف الحجارة عن القمح أكبر.

شيخ يقوم بقطف القمح

بعد فصل القمح عن التبن ينقل القصل والتبن والهفاف الناتج عنه كل على حدة بواسطة "الخيشة"، وهي عبارة عن كيس كبير من الخيش يحشى بالتبن بقدر ما يتسع مع ضغط التبن بالأيدي والأرجل كي تتسع "الخيشة" لأكبر قدر ممكن، وتبقى الخيشة على شكلها الأسطواني وتوضع على الباب قطعة دائرية من الخيش أيضاً تسمى "الفوّامة" وتخاط على فم الخيشة بالمسلة وخيط من "المصيص" الغليظ، حيث ينقل التبن على ظهور الدواب ويخزن في "التبّان"، حيث يقود درج حجري إلى سطح التبان الذي تتوسطه فوهة مفتوحة تسمى "الرّوزنة".

يفرغ التبن عن طريقها في التبّان، وكلما أفرغت كمية من التبن ينزل أحدهم من الروزنة لفرش التبن وتوزيعه على زوايا التبان وهذه الطريقة تتيح إملاء التبان حتى السقف ولا يبقي فيه أي جيوب خالية.

التبن المختلط بالقمح على البيدر

لنقل التبن عن البيدر يستخدم عادة أكثر من خيشة، بحيث تكون إحداها على ظهر من يحملها صاعداً بها الدرج أو السلم لإفراغها في التبّان، وأخرى على ظهر الحمار بطريقها من البيدر إلى التبان، وأخرى على البيدر للتعبئة،.. وهكذا.

على أول الدرج المؤدي إلى التبان يوضع حجر كبير بعلو قد يصل المتر، يُمرّر الحمار الذي يحمل (الخيشة) من جانبه وتنزل الخيشة بحيث توضع واقفة على الحجر ليسهل حملها على ظهر من سيوصلها إلى التبان، وهذا الحجر يسمى "المقرص"، ويوضع حجر آخر مقابلاً له وبعيداً عنه بحوالي المتر كي يحدد سير الحمار بينهما ووقوفه جانب المقرص على بعد مناسب كي ترمى الخيشة على المقرص فتأتي في مكانها المناسب.

قبل تقديم التبن كعلف للحيوانات يكربل بواسطة "الكربال" حيث يبقى التبن في الكربال وينزل من فتحاته التراب ونوع دقيق من التبن يسمى "العُور"، وهو يستخدم لرش سطوح المنازل الترابية أثناء دحل هذه السطوح بالمدحلة الحجرية ليمنع التصاق التراب المبتل من الشتاء على هذه السطوح من الالتصاق بالمدحلة».

وفي العودة إلى القمح التي نتجت عن التذراية على البيدر يكون القمح قد تكون على شكل كومة مخروطية مستطيلة تسمى (القضيب)، يقول الأستاذ "جمال أبو جهجاه" لموقعنا: «يتراوح طول القضيب بين الأربعة والثمانية أمتار حسب كمية القمح، كما ويمكن أن يجمع القمح على شكل مخروط دائري ويسمى بهذه الحالة (صُبّه)، إلا أن القمح يكون مخلوطاً ببقايا الحصى والتراب وعيدان القمح الثخينة والأشواك ولفصل القمح عن هذه الشوائب يصار إلى (قطفه) على مرحلتين: الأولى تسمى الغربلة وتتم بواسطة الغربال، حيث توضع فيه كمية من القمح تتناسب مع القدرة الجسدية وقوة الذراعين عند المغربل الذي يقوم بحركات اهتزازية دائرية ثم تحريك الغربال يميناً وشمالاً فينزل من عيونه التراب الناعم وحبات القمح الناعمة والصغيرة التي تعطى علفاً للدجاج.

ويبقى فيه القمح مشوباً ببعض القطع الصغيرة من الحصى والتراب، فيقذف المغربل هذه الكمية من القمح عالياً في الهواء إلى الجانب الذي يقف فيه القطاف الذي يمسك بيديه المقطف، ولا بد من المهارة في قذف القمح من المغربل وتلقيه من قبل القطاف، بحيث تسقط كامل الكمية داخل المقطف ولا تقع أي حبة خارجه ولو بعدت المسافة بينهما مترين أو أكثر، وكان المغربلون يتباهون بزيادة كمية القمح في الغربال وقذفها من أبعد مكان، وكذلك بدقة التصويب ورفعها أكبر قدر ممكن في الهواء، وإيصالها بكاملها إلى المقطف دون سقوط أي حبة خارجه.

والمرحلة الثانية تسمى القَطف، فبعد وصول القمح إلى المقطف المحمول من قبل القطاف يقوم هذا بهز القمح بحيث ينزل من عيون المقطف القمح ويبقى فيه الحصى وقطع التراب والنبات الذي يكبر حجمه عن فتحات عيون المقطف والقش وعقدة الساق في القمح، ويمكن لقاطف واحد أن يتلقى القمح من عدة مغربلين حسب قوته الجسدية».

والجدير بالذكر أن الغربال، والمقطف، والكربال، كل منها مكون من إطار خشبي يبلغ عرضه حوالي 10 سم وسماكته 1 سم ملتف بشكل دائري ليشكل إطاراً مزوداً من الأسفل بثقوب، تمرر من هذه الثقوب خيوط من أمعاء الحيوانات المجففة تنسج وتتقاطع داخل الإطار لتشكل بتقاطعها مع بعضها الثقوب التي تكون أكثر اتساعاً في الكربال وأصغر في المقطف، ثم أصغر في الغربال.