إعادة تأهيل المنازل السكنية القديمة للحفاظ على التراث المادي المحلي هو مشروع جديد يعمل عدد من المهندسين لتطبيقه بغية تحويل هذه المنازل إلى متاحف شعبية تعنى بحفظ التراث وجعله في متناول الجميع.
الفكرة بدأت برسالة ماجستير قدمتها المهندسة "أمل زين الدين"، واستأثر الموضوع على اهتمام المهندس المعماري "سامي باكير" الذي تحدث لموقع eSuweda عن هذا المشروع بقوله: «إن إعادة التأهيل تنبع من حاجة المجتمع إلى الاستفادة من تراثه المعماري والحفاظ عليه بحيث يكون له دور في تحريك عجلة تقدم هذا المجتمع وتطويره، في البداية أود أن أقدم لمحة تاريخية عن السكن في جنوب سورية، حيث تتسم المنازل القديمة في قرى "هضبة حوران" بأنها ذات شكل متماثل وبنية واحدة، فهي تتألف من وحدات سكنية مغلقة من جميع جهاتها ما عدا جهة المدخل الذي يؤدي إلى باحة تتوضع حولها تلك الوحدات، وقد استخدم الفناء كعنصر أساسي في المسكن وذلك لأسباب مناخية وأمنية، ويحوي المنزل أو الوحدة السكنية دائماً على قسمين: قسم خاص بالإنسان، وقسم خاص بالحيوان، والوحدة السكنية يمكن أن تكون مؤلفة من طابق واحد أو من طابقين.
لا شك أن الحفاظ على الموروث المادي واللامادي في محافظة "السويداء" يعد من أول اهتمامات جمعية العاديات، هذا الموروث الذي يشكل ذاكرتنا وماضينا الذي نفخر به، ونفخر بانتمائنا إليه ونحرص دوماً على حفظه ليتعرف عليه أبناؤنا والأجيال من بعدنا، مشروع إعادة تأهيل منازل السويداء القديمة مشروع رائد ومميز، طرحته المهندسة "أمل زين الدين" ونسعى من خلال الجمعية لطرحه وتعميمه، حتى يطبق بشكل فعلي على أرض الواقع، وفي حال تم انجازه بالشكل المطلوب، فإنه سيرفد حركة السياحة في المحافظة بشكل ملحوظ ويقدم الصورة الصحيحة والصادقة عن تراث المحافظة
الوحدة السكنية المؤلفة من طابق واحد تتألف من غرفة رئيسية مربعة الشكل يتوسطها قوس كبيرة، وتنفتح غالباً على غرفتين جانبيتين وفي بعض الأحيان على أربع أو ست غرف مستطيلة الشكل عرضها حوالي المترين، هذه الغرف تتوضع فوق بعضها بعضاً بشكل زوجي، ارتفاعها بارتفاع سقف الغرفة الرئيسية، المستوى السفلي منها مخصص لتربية الحيوانات ويسمى الإسطبل، والقسم العلوي مخصص للنوم، يصعد للمستوى العلوي بدرج موجود في نهاية الغرفة الرئيسية ومثبت بشكل ظفري على الجدار الفاصل بين الغرفة الرئيسية والغرف الجانبية، كما توجد في المستوى السفلي من الغرف الجانبية فتحات أي معالف يتم من خلالها تقديم العلف للحيوانات.
أما بالنسبة للوحدة السكنية فمؤلفة من طابقين، حيث يخصص الطابق الأرضي منها بالكامل للحيوانات، والطابق الأول للإنسان، وحيث توجد فوق الغرفة الرئيسية الموجودة في الطابق الأرضي غرفة مماثلة، تلحق بها عدة غرف جانبية مربعة ومستطيلة الشكل تتوضع فوق بعضها بعضاً بشكل زوجي، وتحتوي الغرفة المستطيلة الخلفية في جدرانها على عدد من النوافذ والخزن الجدارية وتستخدم كلا الغرفتين للنوم، ويتم الوصول إلى الطابق الثاني عبر درج خارجي مستند على الواجهة الرئيسية.
ويمكن تقسيم نماذج السكن في "هضبة حوران" في زمن العرب الأنباط وفي العهدين الروماني والبيزنطي إلى خمسة نماذج وهي: السكن المنفصل وهو عبارة عن وحدة سكنية مستقلة، وهذا النموذج منتشر في أغلب مناطق الهضبة.
السكن الشريطي وهو عبارة عن تجمع عدة وحدات مستقلة تتوضع على صف واحد بشكل شريطي، السكن المفتوح على باحة داخلية وهو عبارة عن توضع وحدات حول باحة داخلية، وهنا نميز عدة أشكال لهذا التوضع: الوحدات تتوضع حول الفناء من جهة واحدة، والوحدات تتوضع حول الفناء من جهتين، والوحدات تتوضع حول الفناء من ثلاث جهات، والوحدات تتوضع حول الفناء من جميع الجهات.
السكن ذو البرج وهو عبارة عن وحدة سكنية مستقلة توجد بها غرفة مربعة الشكل، ترتفع على هيئة برج مؤلف من طوابق، السكن ذو الرواق هذا النموذج انتشر في فترة لاحقة من العهد البيزنطي، حيث تم إضافة رواق أمام الوحدات السكنية».
المهندس "عماد الدين الأطرش" تحدث عن كيفية أعمال الترميم والمستلزمات الأساسية للقيام بها قائلاً: «في البداية لدينا أعمال الترميم أو أعمال الأساسات، فقبل البدء بترميم أي منزل يجب التأكد من الحالة الصحية لأساسات البناء، وأهمية استنادها على التربة القاسية، وفي حال كانت تستند إلى عناصر أثرية يجب دراسة مدى متانة هذه العناصر وقدرتها على التحمل، وذلك اتقاء لأي خطر من أخطار الهبوط والانهيار الذي من الممكن حدوثه أثناء أو بعد عمليات الترميم، يلي ذلك أعمال الجدران حيث نقوم بعملية حقن للجدران وذلك حتى نزيد من قوته وتماسكه، ويتم الحقن بمادة الكلس المائي مع بودرة البازلت أو الآجر الذي لا يؤذي الحجر، وهذه العملية تتم من خلال ثقوب في الجدار يتم توزيعها كل واحد متر، ويجري سكب الملاط السائل حتى يمتلئ كامل الجدار من الأسفل إلى الأعلى.
ومن ثم أعمال تدعيم الأقواس حيث تدعم عن طريق دعامات خشبية لأن الخشب لا يسبب ردود فعل تؤدي إلى الانهيار، وبعدها تدعيم النوافذ والأبواب حيث تدعم بشدادة خشبية».
ويعتبر تنظيف الحجارة البازلتية التي تعاقبت عليها حقب من الزمن، الأمر الأكثر أهمية في عملية التأهيل، وعنه أضاف م. "عماد" قائلاً: «بداية يتم تنظيف الجدران من طبقات الغبار المتراكمة ومن الداخل من بقايا الطينة الترابية والكلسية التالفة، ومن طبقات الاسوداد الناتج عن تراكم غبار الفحم الذي تشكل أثناء أعمال الحرق، كما يجب تعويض الحجارة المفقودة والمكسورة وحواف الأبواب، كما يجب استبدال السواكف المكسورة التي تعلو الأبواب والنوافذ، إلا التي تحتوي على زخرفة أو كتابة فنعالجها بمادة لاصقة، كما يجب تنظيف ومعالجة الواجهات التي تشكل عليها الحزازة وهي مادة بين الفطر والطحلب، تتمدد بداخل الحجر وتقوم بحله وتدميره بسبب فرزها للأحماض، وتكون معالجتها بحقنها بمواد قاتلة للأحياء ثم فركها بفرشاة قاسية».
الكاتب والباحث "محمد طربيه" رئيس جمعية العاديات في السويداء قال: «لا شك أن الحفاظ على الموروث المادي واللامادي في محافظة "السويداء" يعد من أول اهتمامات جمعية العاديات، هذا الموروث الذي يشكل ذاكرتنا وماضينا الذي نفخر به، ونفخر بانتمائنا إليه ونحرص دوماً على حفظه ليتعرف عليه أبناؤنا والأجيال من بعدنا، مشروع إعادة تأهيل منازل السويداء القديمة مشروع رائد ومميز، طرحته المهندسة "أمل زين الدين" ونسعى من خلال الجمعية لطرحه وتعميمه، حتى يطبق بشكل فعلي على أرض الواقع، وفي حال تم انجازه بالشكل المطلوب، فإنه سيرفد حركة السياحة في المحافظة بشكل ملحوظ ويقدم الصورة الصحيحة والصادقة عن تراث المحافظة».