على أنقاض الماضي قامت كنيسة واسعة الردهات اجتذبت أهالي "القريا" بما فيها من سحر وطمأنينة، الكنيسة وحسب راعيها جمعت نوايا المخلصين لتكون مكان روحانياً يقصده أهالي البلدة لنيل البركة والصلاة.
وجود واسع الطيف لهذه الكنيسة بين أبناء هذه الطائفة وغيرها من الطوائف لا يتوقف عن حدود المكان بل يتسع لتكون مركزاً لتدريب الشباب والأطفال ومرجعاً للمشورة والدعاء والتضرع، هي صورة نقلها لنا الأب "عبد الله الشحيد" راعي كنيسة "مار ميخائيل" للروم الكاثوليك في بلدة "القريا" الذي حاوره موقع eSuweda ليحكي لنا قصتها قبل وبعد الترميم.
** للكنيسة هدف، وقضية لا تنحصر فقط في أنها المكان المخصص لتأدية العبادة لأنها ترتبط بمشاعر المؤمنين وحياتهم وعلاقتهم بالدين والتزامهم به، ومن خلالها نحاول دوما أن ننقل الكلمة الروحية ومحبة الإله و محبة الوطن ومحبة الإنسان لأخيه الإنسان، هذه الكنيسة القديمة التي تأسست قبل 1923 وهو آخر التواريخ الموثقة سماها جدي على اسم الشفيع "مار ميخائيل"، وحملت الكنيسة هذا الاسم ومازالت صورة "مار ميخائيل" أحد أهم مقتنياتها القديمة، يوم استلمت الكنيسة كانت بوضع صعب من حيث البناء وبعناية الله وبمساهمة المحسنين نجح مشروع الترميم للبناء بعد دراسة طويلة أهم ما يعطلها الإمكانيات المادية المتواضعة وبوصفنا شرقيين ومازلنا نتبع الطقس البيزنطي كان من المفروض أن تصمم الكنيسة على التصميم البيزنطي أي على شكل صليب لتصمم القباب بشكل محدد مرتفعة السقف تفصل بين صحن الكنيسة والهيكل، لكنها في هذه الحالة ستحتاج لتكاليف كبيرة جدا لهذا ابتعدنا عن البناء البيزنطي القديم، لكن المشروع نجح لأننا وجدنا اندفاعا ومساهمة من أبناء الرعية ومن مختلف الطوائف في هذه البلدة التي تجد فيها للكنيسة معنى عند كل الأبناء، وكان الحرص على دراسة الخطوات كي لا نبالغ بالعمل هدفنا إحياء الكنيسة وتطويرها لتكون لكل المؤمنين.
** حالة لا أقول إنها غريبة لأنها حالة إنسانية جمعت بيني وبين أبناء الرعية وبلدتي الذين نذرت لهم نفسي وأخدمهم بالمجان وبكل محبة وصدق وما كان منهم إلا الصدق والوفاء وعندما أعلنا بداية مشروع الترميم كان الاهتمام كبيراً من أبناء طائفتنا وعلى رأسهم الأستاذ "غسان الرمحين" الذي نذر نفسه لدعم المشروع بكل طاقته وتبرع بمبالغ كبيرة لننجز حلمنا في بناء حديث ينسجم مع قيمة هذه الكنيسة لكننا في ذات الوقت تلقينا من فيض محبة الموحدين المسلمين أبناء بلدتنا ومن غيرهم من الطوائف تبرعات كبيرة وهم الذين قدروا قدسية المكان وليس هؤلاء فقط بل لدينا مجموعة من الشباب المثقف المؤمن في "السويداء" منهم الطبيب "شوقي حديفة"، الذين حرصوا على دعمنا وإلى جانب تقديم التبرعات حرصوا على المساهمة في تزيين الكنيسة ونحن حرصنا على إظهار الاسم تقديراً لهم ولنظهر تلك الحالة الإنسانية التي تستحق الاحترام لأنها بذرة الخير التي تنموا وتزدهر بالمحبة، لذا وعند افتتاح الكنيسة وبحضور السفير البابوي مور سنيور نيكلاوس وتحت رعاية سيادة راعي الأبرشية وحضور رجال الدين وأعيان "القريا" عاهدت فيها أهالي بلدتي أن هذه الكنيسة وملحقاتها الخدمية ستبقى في خدمة أهالي "القريا" اجتماعيا وروحيا وثقافيا.
** حرصت على أن تكون الأيقونات موحدة كلها رسم فنان واحد وهو المرحوم " ميلاد الشايب"، وحاولنا المحافظة على جمالية معينة تتناسب مع قدسية المكان، فالتزيين ليس مهماً لكنه يتم كنوع من التكريم للعزة الإلهية تكريم الخالق يجب أن يكون لائقاً ولنخلق نوعاً من الراحة للمصلي، هنا أيقونة للقديسة "فيرونكا جولياني" ولقديسين شرقيين مثل القديس "شربل" والقديسة "رفقة" وتمثال العذراء "فاطمة" وحافظنا على مقتنيات تحكي تاريخ الكنيسة وأضفنا عليها عدد من الذخائر المقدسة، وفي فترة الصيام لدينا تقاليد لتزين الكنيسة وكذلك في الأعياد التي نحرص فيها على خلق أجواء روحانية يشاركنا فيها زوار الكنيسة ومختلف الطوائف التي نعتز بقربها منا.
** سعة المكان خلقت أمامنا فرصة جديدة للتواصل مع أبناء الرعية الأطفال والشباب ففي العطلة الانتصافية نظمنا معسكراً لأطفال البلدة وكانت تجربة جميلة شارك فيها أطفال القريا من مختلف الطوائف وقد أعدت الكنيسة لاحتياجات المعسكر من مشرفين ومعدات لكن الأهالي أرادوا تحمل تكاليف العمل ومنهم من قدم المساعدة دون ذكر الاسم وهذا ما يقاس على نشاطات الشباب والملتقيات التثقيفية والدينية التي ننظمها باستمرار، كل ذلك جعلنا نكثف الأنشطة وسيكون الصيف القادم حافلاً بالدورات والملتقيات التي نحرص من خلالها على تقديم المعرفة للشباب وإدخالهم ضمن برامج تساهم في تشكيل وعيهم وتنمية طاقاتهم المحبة للحياة الصالحة.