جمع أبناء الريف الساحلي زيت الزيتون ومياه الأمطار في خزانات صخرية نحتت وبنيت في باطن الأرض، فأطلقوا عليها بداية الآبار الكفرية ومن ثم الآبار العربية.

السيد "يوسف أحمد" من أبناء ريف مدينة "بانياس" تحدث لمدونة وطن eSyria بتاريخ 15/7/2013 عن هذه الآبار فقال: «نظراً لقلة المياه والينابيع دائمة الجريان في بعض المناطق والقرى الريفية الساحلية، وعدم توافر أوعية كبيرة لحفظ زيت الزيتون، اتجه أبناء هذه القرى لتجميع مياه الأمطار في فصل الشتاء، بطريقة مميزة حفظت المياه اللازمة والضرورية لاستمرار حياتهم المعيشية والزراعية لمواسم الصيف والربيع، ونحتوا خزانات أخرى لحفظ زيت الزيتون بأفضل حالاته، فأنشؤوا خزانات التجميع الأرضية وأطلقوا عليها اسم آبار لعدة أسباب أهمها طريقة بنائها البدائية في باطن الأرض، واستخدام المواد الأولية المتوافرة في الطبيعة بعد معالجتها بأساليب بسيطة إن لزم الأمر».

من خلال مراقبة والدي أثناء عملية بناء البئر العربي لاحظت أن جدرانه تبدأ بعد منتصف الارتفاع المطلوب لها بالتضيق وصولاً إلى فتحة حصرية صغيرة في الأعلى تغلق بقطعة حجرية ثقيلة تمنع الأطفال من تحريكها، وكانت تملأ هذه الآبار بمياه الأمطار حصرياً

ويتابع السيد "يوسف" في توضيح أنواع هذه الآبار فيقول: «يمتد تاريخ هذه الآبار إلى عدة قرون سابقة، حيث تميزت واختلفت فيما بينها من ناحية طريقة البناء التي تطورت مع تطور الحاجة لها، فبداية هذه الآبار كانت الآبار الكفرية المنحوتة في الصخر الصلد الأصم أو ما يعرف شعبياً بالصخور الزرقاء، حيث يتم اختيار الصخرة المناسبة المغروسة تحت سطح الأرض ليتم العمل على نحتها بطريقة فنية عالية الحرفية، فيكون تجويفها الداخلي أشبه ببهو الغرفة الصغيرة، وله قاعدة شبه مقعرة تضيق كلما اتجهت نحو الأعلى لتشكل الفتحة الرئيسية لها البئر، وهي بشكل مربع أو دائرة نصف قطرها حوالي ثلاثين سنتيمتراً فقط، وكانت تنتشر بالقرب من الحقول والأراضي الزراعية لتؤمن المياه اللازمة لري المحاصيل الزراعية، ولتكون مستودعات تخزين لزيت الزيتون، وتنتشر مثل هذه الآبار في قرية "الدي" التابعة لمنطقة "القدموس" حتى يومنا هذا لكن دون استخدام تخصصي».

بئر كفري مغطى بصخرة منحوت عليها دلالات أثرية

أما الآبار العربية المبنية من الحجارة والكلس فلها طريقة بناء تختلف تماماً عن طريقة بناء الآبار الكفرية، وهنا يقول السيد "أحمد شعبان" أحد من استخدم هذا النوع من الآبار في حياته اليومية وما يزال: «الآبار العربية لها خصوصيتها التي تختلف عن الآبار الكفرية، فهي بنيت بجانب المنازل السكنية لتجميع مياه الأمطار واستخدامها في الحياة اليومية والزراعية للحقول المجاورة لها بمساحاتها المتعددة، وكان لطريقة بنائها مشقة كبيرة تبدأ من حفر الحفرة الكبيرة في باطن الأرض بالمساحة المطلوبة والمرغوب فيها من قبل صاحب البئر، ليتم بعدها بناء جدران البئر من الحجارة الصلبة الصماء المربعة الشكل نتيجة نحتها بأيدي أمهر الحرفيين المختصين بهذا الأمر، إضافة إلى وضع مادة الكلس فيما بين تلك الحجارة لسد الفتحات الناشئة جراء عملية البناء، وكان هذا الكلس يحضر يدوياً بعملية حرق الحجارة الكلسية فيما يسمى الآتون "الفرن" الحجري مع نبات البلان سريع الاشتعال والذي يؤمن درجة حرارة عالية تحول تلك الحجارة إلى بودرة ناعمة يتم خلطها بالماء لتكون جاهزة للاستخدام».

ويضيف السيد "أحمد": «من خلال مراقبة والدي أثناء عملية بناء البئر العربي لاحظت أن جدرانه تبدأ بعد منتصف الارتفاع المطلوب لها بالتضيق وصولاً إلى فتحة حصرية صغيرة في الأعلى تغلق بقطعة حجرية ثقيلة تمنع الأطفال من تحريكها، وكانت تملأ هذه الآبار بمياه الأمطار حصرياً».

بئر تجميع مياه في أحد الحقول الزراعية

السيد "عبد الكريم صقر" أحد من استخدم الآبار العربية في حياته اليومية قال: «اعتمدنا في السابق على تجميع مياه الأمطار بعد تنظيف سطح المنزل ووضع قطعة قماشية "شاشة" على مصرف السطح لمنع مرور الغبار إلى البئر، ووصل هذا المصرف بفتحة البئر حتى يمتلئ.

وكنا نترك هذه المياه عدة أيام حتى تركز ويستقر كلسها في أسفل البئر ليتم بعدها استخدامها لحاجيات المنزل، وتميزت هذه المياه بصفائها ونقائها، وأدركنا هذا الأمر بنقاء كأس الشاي المصنوع منها، وتأكدنا منه في فترة ليست ببعيدة من خلال التحاليل المخبرية».

الباحث التراثي "حسن اسماعيل" تحدث عن الآبار الصخرية فقال: «تميزت الآبار الكفرية بجودة تخزينها للسوائل بداخلها بعيداً عن عوامل الطقس والمناخ، ومحافظتها على برودة المياه في جوفها نظراً لتموضعها في باطن الأرض، إضافة إلى أن مكان تواجدها فهو من يحدد استخدامها للزيت أو للمياه. أما الآبار العربية المبنية من الحجارة والكلس فقد استخدمت لحفظ مياه الأمطار فقط، وقد تطورت عن الآبار الكفرية لصعوبة نحتها وعدم توافر الصخور الكبيرة لتتناسب مع كمية المياه المراد تخزينها من قبل المزارعين لري حقولهم الزراعية الواسعة، أو من قبل أصحاب المنازل لحياتهم اليومية».

وأنهى حديثه بالقول: «تختلف الآبار الكفرية عن الآبار العربية بارتفاع الأخيرة في بعض الأحيان فوق سطح الأرض حوالي المتر عندما يكون عمقها في باطن الأرض غير كاف، وهنا يكون لها شكل اسطواني دائري من الأسفل وحتى الأعلى ما يضطر صحابها لتغطيتها بسقف قوي كان بالأغلب مبني بذات طريقة بناء المنازل التراثية أي من الخشب والطين».