جهزوا "البغلة" يدوياً بمحاذاة النهر الأم، وأغلقوا نهايتها بالبلان ومنعوا الأسماك النهرية من المرور، فاصطادوها وطهوها يدوياً وتناولوها مع خبز "الجليس" (خبز التنور) بجانب طاحونة الشيخ "صالح".
السيد "أحمد عبدو محمد" مختار قرية "سريجس نرجس" التابعة لمدينة "الشيخ بدر" تحدث لمدونة وطن eSyria بتاريخ 25/8/2013 عن الطرق البدائية التي استخدموها لصيد الأسماك النهرية المتوافرة في نهر "البلوطة" بجانب قريتهم، فقال: «إن توافر الأسماك النهرية بكميات كبيرة في نهر "البلوطة" بجانب قريتنا دفع آباءنا لتوظيف قدراتهم العقلية وابتكار وسيلة صيد بدائية عمادها مكونات الطبيعة، بغية الحصول على كميات من هذه الأسماك وتناولها في أوقات الانتظار، خاصة أنه في تلك الفترة الزمنية لم تكن تتوافر في قريتنا أية وسيلة من وسائل الصيد المعروفة في وقتنا الحالي، وهذا أمر عايشناه في مرحلة الطفولة ونتذكره بكل دقة.
هذه الطريقة البدائية الذكية في صيد الأسماك النهرية يعقبها طريقة بدائية بسيطة أيضاً في عملية طهو الأسماك، حيث يتم إشعال النار بجانب الطاحونة بعد تنظيف الأسماك وتعليقها على أعواد الريحان أو الغار ومن ثم انتظار تحول النار إلى جمر ليتم وضع الوجبة فوقها وتقليبها بهدوء حتى تمام الطهو
فطريقة الصيد بسيطة جداً تعتمد على إغلاق القناة "المائية الترابية والحجرية "البغلة" الخاصة بطواحين المياه بنباتات البلان الشوكية ومن ثم حجز الأسماك والإمساك بها يدوياً».
الجد "محمود علي ليلى" ممن عمل على طاحونة الشيخ "صالح" المائية واصطاد الأسماك بهذه الطريقة البدائية، وهنا قال: «في فترة زمنية سابقة عملت على طاحونة الشيخ "صالح العلي" المائية، وكنت من أجل اتمام العمل أجهز القناة الترابية الحجرية التي كانت تسمى في تلك الفترة "البغلة" فأحفرها بمحاذاة مجرى نهر "البلوطة" الذي بنيت عليه الطاحونة وأرصف حوافها بالحجارة، وهذا بغية جر مياهه لمسافة معينة وصولاً إلى الطاحونة المائية وبدء عملها، وكانت هذه القناة تسحب وتجر الأسماك النهرية المتوافرة في النهر بقوة تدفق المياه خلالها، وقبل أن تصب مياهها في أحواض الطاحونة نضع نبات البلان ذو الأعواد القوية والكثيفة ما قبل نهايتها فتسمح بمرور المياه وتمنع مرور الأسماك، وهنا أبدأ بتلقف السمك من بين أعواد البلان وانتظر وصول المزيد منها مع تدفق المياه لاصطيادها».
الأستاذ "كامل عزيز اسماعيل" من أبناء القرية قال: «كنا كأطفال نتلهف للذهاب إلى طاحونة الشيخ "صالح" بغية طحن القمح والحصول على الطحين، أو عصر الزيتون، لأننا نعلم أن هناك من يصطاد الأسماك عبر البغلة والبلان، وكنا نسارع للحصول على إحدى الأسماك المحتجزة، وكان هذا يعتمد على قدرة كل شخص ومهارته في النزول إلى الشرك والإمساك بما يحتجزه نبات البلان من أسماك، أو ننتظر ريثما تحاول سمكة ما العبور مع المياه فنمسك بها.
وهذا الأمر لم يقتصر علينا كأطفال فجميع زوار الطاحونة يجهزون أنفسهم لتناول وجبة السمك اللذيذة خلال فترة الراحة أو انتظار موعد الطحن».
الجد "دمر أحمد" قال: «هذه الطريقة البدائية الذكية في صيد الأسماك النهرية يعقبها طريقة بدائية بسيطة أيضاً في عملية طهو الأسماك، حيث يتم إشعال النار بجانب الطاحونة بعد تنظيف الأسماك وتعليقها على أعواد الريحان أو الغار ومن ثم انتظار تحول النار إلى جمر ليتم وضع الوجبة فوقها وتقليبها بهدوء حتى تمام الطهو».
وعن وجبة الأسماك النهرية قال الجد "دمر": «في تلك الفترة لم تكن الأسماك البحرية متوافرة بالكميات الكافية في قرية "سريجس" ناهيك عن ارتفاع أسعارها مقارنة مع الحصول عليها من النهر وبالمجان، لذلك كانت الأسماك النهرية تلقى رواجاً وطلباً من كل زائر للطاحونة، فترى كل زائر لها قد جهز ناره لطهو ما قد ينعم الله عليه به، إلى جانب تجهيز خبز التنور أو ما كان يعرف ب"الجليس"، وهذا أمر كان يضفي على الجو العام لمرحلة الطحن أو العصر نوعاً من التسلية وإضاعة الوقت خلال مرحلة انتظار الدور».