تعاني "طرطوس" كبقية مناطق صيد الأسماك، من الصيد الجائر، وقد تعددت الآراء حول الأساليب المتبعة وسبل الحل المناسب، فبعضهم طرحوا الجانب التوعوي عند الصيادين، وآخرون رأوا تقصيراً في تطبيق القوانين الرادعة.
للحديث عن أهمية الثروة السمكية والأساليب المتبعة في الصيد الجائر، التقت مدونة وطن "eSyria"، بتاريخ 10 شباط 2014، رئيس جمعية الصيادين في جزيرة "أرواد" السيد "محمد عبد الباري حسين" المعروف بالشيخ "هاني"، وهو من أقدم صيادي جزيرة "أرواد"، حيث قال: «جميع أبناء الساحل ومنهم أبناء جزيرة "أرواد" يعتمدون على البحر وثروته السمكية كوسيلة عيش كريمة لهم، فهم ومنذ الصغر يُعايشون البحر ويعملون فيه، والصيد جزء من تراثنا العريق، وهو مصدر ومورد غذائي متكامل الفائدة بشموله العاملين فيه والمستفيدين من خيراته، ولكن ما ينغص عيشنا عمليات الصيد غير المنضبطة من قبل بعض الصيادين، التي تسحق هذه الثروة السمكية بمختلف مكوناتها، وتهددها بالضياع، ومن ثم تهدد مصدر رزق آلاف العائلات.
الضرر الذي لحق بالثروة السمكية من الصيد الجائر غير المسؤول، انعكس سلباً على معدل حصة الفرد من هذه الثروة وانخفضت إلى الربع تقريباً، ومنعنا كصيادين من الحصول على رزقنا، حتى إنه أثر على نوعية الأسماك والأحياء البحرية الموجودة، فكثير من الأنواع مثل "اللقس الصخري" لم يعد متوافراً كما كان سابقاً من خمسة عقود تقريباً
فكثيرة هي طرائق وأساليب الصيد الجائر، إذ بعض الأشخاص يستخدمون المتفجرات والجرافات الضخمة للحصول على كميات كبيرة من الأسماك، لتجني لهم أموالاً ضخمة، وهم بذلك يهددون مصدر عيش آلاف العائلات الأروادية وغيرها بما يقومون به، وقد حاولنا إيقافهم، ولكن لم يستمع إلينا أحد، وهذا كان دافع إلى هجرة بعض أبناء "أرواد" المعتمدين على الصيد، للعمل بذات المهنة خارج البلاد».
الصياد "عوض الظروف" من قرية "الخراب" الشاطئية، قال: «الضرر الذي لحق بالثروة السمكية من الصيد الجائر غير المسؤول، انعكس سلباً على معدل حصة الفرد من هذه الثروة وانخفضت إلى الربع تقريباً، ومنعنا كصيادين من الحصول على رزقنا، حتى إنه أثر على نوعية الأسماك والأحياء البحرية الموجودة، فكثير من الأنواع مثل "اللقس الصخري" لم يعد متوافراً كما كان سابقاً من خمسة عقود تقريباً».
وفي لقاء مع المهندس "علاء الشيخ أحمد" مدير فرع المنطقة الساحلية في الهيئة العامة للثروة السمكية، حدثنا عن انعكاسات استغلال الثروة السمكية فقال: «إن ازدياد استغلال الثروة السمكية بالقرب من المناطق الساحلية في كثير من البلدان، اضطر بعضاً منها للبحث عن الثروات السمكية في مناطق بحرية بعيدة، وأدى ذلك إلى ازدياد أحجام أساطيل صيد الأسماك، وإلى ازدياد عدد القوارب، وزيادة كفاءتها، خاصة مع بدء استخدام المحركات العاملة بالطاقة، وظهرت أساطيل متخصصة في صيد أنواع معينة من الأسماك وجابت هذه السفن البحار المختلفة، بحثاً عن صيد جديد، وأنواع جديدة تستغلها.
غير أنه تبين مع تزايد المعرفة والتنمية المتسارعة للمصايد، أن الموارد المائية الحية وإن كانت متجددة فهي ليست أزلية، وتحتاج إلى إدارة سليمة، وبالتالي موارد البحر محدودة، ويجب استغلالها بطريقة عقلانية يطلق عليها اسم "الصيد المسؤول" أو الصيد الرشيد، ويجب تطبيق هذا الأسلوب من الصيد إذا أريد أن تستمر مساهمة الصيد في رفاهية التغذية والازدهار الاقتصادي والاجتماعي للأعداد المتزايدة من السكان».
ويتابع السيد "علاء": «إن الصيد الرشيد هو صيد الكميات الزائدة عن حاجة المخزون، التي يستطيع المخزون تجديدها في موسم التكاثر المقبل، إن توافرت الظروف الطبيعية العادية المناسبة لذلك، دون التأثير السلبي في قدرة المخزون على تجديد مكوناته من الأسماك.
وبمعنى بيئي ومن منطلق إدارة المخزون السمكي إدارة رشيدة يجب التحديد أو السماح لعدد معين من القوارب أو الصيادين أو معدات الصيد بصيد الكميات الزائدة عن حاجة المخزون الأساسية، ويفضل أن تكون تلك الكميات من الأحجام الكبيرة التي يكون معدل نموها بطيئاً مع الوقت، والتي لن تساهم كثيراً في نمو حجم المخزون السمكي، لأنها غير فتية».
وعن أهم مشكلات الثروة السمكية قال: «إن أهم مشكلات الثروة السمكية البحرية التي تهددها بالانقراض الصيد الجائر الناتج عن زيادة قدرات الصيد من قوارب ومعدات ووقت، ومن ثم استغلال المخزون السمكي بشكل أكبر من القدرة اللازمة لصيد الكميات الزائدة من المخزون؛ التي لا يمكن تجديدها مستقبلاً وتكاثرها.
وهنا يمكن الحديث عن نوعين من الصيد الجائر: الأول الصيد بعدد كبير من الأقفاص ويهدد الأسماك الكبيرة بشكل يؤثر في قدرة المخزون على التكاثر، ويقلل أعداد البيض التي تطرح سنوياً، والثاني الصيد بالشباك ذات الفتحات الضيقة، التي تستهدف الأسماك الصغيرة التي لم يكتمل نموها بعد.
إضافة إلى شباك الجرف القاعي التي تقضي على مناطق الأعشاب البحرية، مكان تكاثر القشريات والأسماك، وكذلك بالنسبة إلى الثديات والحيتان البحرية».
أما عن الصيد المخالف فيقول المهندس "علاء": «الصيد المخالف هو استخدام المواد المتفجرة أو السموم أو الكهرباء أو الشباك المخالفة لصيد الأسماك، ما يهدد البيئة البحرية بمخاطر لا تحصى.
فالصيد بالمتفجرات يمكن الصياد من الحصول على كمية كبيرة من الأسماك في وقت وجيز وتكلفة منخفضة، ولكن أضرارها هي الكارثية كهلاك الأحياء المائية بكافة أنواعها، وتدمير مواطن التكاثر والتغذية، والتنوع الجيولوجي البحري، والتأثر بالمواد الكيميائية السامة عند تناول تلك الأسماك.
أما الصيد بالسموم فيؤثر في قدرة الأسماك على التكاثر، نتيجة ترسب السموم في عضلاتها، ومن ثم سيؤثر على صحة الإنسان عند تناولها.
في حين أن استخدام الطاقة الكهربائية الناتجة عن المولدات يقضي على مختلف أنواع الأسماك، ناهيك عن التلوث البيئي بالمشتقات النفطية».
ونتيجة لذلك يجب اتخاذ العديد من الاجراءات الضرورية لمنع الصيد الجائر والمخالف، وتفعيل ما يعرف بالضابطة السمكية، وهنا يقول المهندس "حسان سبيهي" معاون مدير الهيئة العامة للثروة السمكية: «يجب وضع ضوابط لحماية الثروة السمكية من الاستغلال المفرط، وتوعية الصيادين والمواطنين بالضرر الناجم عن الصيد الجائر، وتوضيح القرارات الناظمة للصيد في المياه الإقليمية السورية وأوقات المنع، وكيفية تطبيقها للصيادين، وتفعيل القوانين والتشريعات الرادعة لذلك، وتكثيف دوريات المراقبة على وسائل الصيد، لقمع المخالفات، وحظر صيد الأسماك في مواسم التكاثر والإخصاب، ومنع استخدام معدات الصيد الضارة بالثروة السمكية، وتحديد مواصفات معدات الصيد وجهد وطاقة الصيد».
يشار إلى أن هذه المعلومات من اللقاءات التي تمت خلال ورشة عمل أقامتها "وزارة الزراعة" بالتعاون مع "مجلس الغذاء الصحي العالمي" حول مخاطر الصيد الجائر والمخالف، وأهمية الاستغلال المستدام للثروة السمكية، وذلك ضمن "مديرية زراعة طرطوس".