لأكثر من 35 عاماً ومازال المربي "جمال اسماعيل" يعطي جلّ وقته لنشر العلم والمعرفة من دون مقابل، فهو المربي والناشط الاجتماعي الذي استطاع ترك بصماته الخيرة ضمن مجتمعه.
مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 18 تموز 2015، المربي "جمال اسماعيل"؛ ليحدثنا عن بداياته قائلاً: «نشأت في قرية بسيطة ضمن أسرة متواضعة كان لها الفضل في وصولي إلى المرحلة الثانوية، كنت أطمح بدراسة اللغة العربية؛ لكن بسبب الظروف المادية كنت مضطراً لاختيار فرع أستطيع أن أدرسه وأعمل بآن واحد، دخلت العلوم السياسية والتحقت بالخدمة العسكرية بنفس الوقت، لكن لسوء الحظ كان البلد آنذاك يمر بظروف صعبة بقيت لأربع سنوات ونصف السنة في الجيش؛ وهو ما اضطرني لترك الجامعة، وبعدها غادرت إلى محافظة "الرقة" للعمل كمعلم وكيل؛ وهي تجربة كان لها الفضل الأكبر بتنشئتي التربوية، وفي عام 2003 كان هناك مكرمة من السيد الرئيس تمكنت من خلالها من متابعة دراستي في معهد إعداد المعلمين، ثم التقدم إلى الجامعة؛ حيث حصلت على إجازة في كلية التربية».
"جمال اسماعيل" المربي والإنسان، عطاء بلا حدود، تميز في كافة المجالات والاتجاهات، إنه حالة إنسانية واجتماعية وتربوية أعطى جلّ وقته في سبيل مجتمعه وما زال يعطي في كافة المواقع؛ فهو الإنسان الذي يسعى لنشر العلم، ويبحث عن الفقراء والمحتاجين، ويقدم العون لأسر الشهداء والجرحى، هو الحالة الاجتماعية؛ حيث زين حضوره كل ميدان من أجل بناء الوطن وسعادة أبنائه، وهو الحالة التربوية التي أعطت وربّت الأجيال على القيم والخير والعلم والعطاء، فكان معلماً وقائداً تربوياً ترك بصماته الواضحة في كل مجتمع دخل إليه، واستحق التقدير والاحترام
وعن مشواره التعليمي التربوي يضيف قائلاً: «بدأ عملي التربوي في قرية "الزملة" في محافظة "الرقة" التي بلغ عدد سكانها آنذاك حوالي 1000 نسمة، وكنت أول معلم يدخلها، فوجئت عند دخولي إليها أنني لم أجد أي شخص قادر على قراءة أو كتابة جملة واحدة، حاولت استقدام الطلاب إلى المدرسة بأسلوب الترغيب، لكن للأسف فشلت؛ وهو ما اضطرني للاستعانة بالقانون لتطبيق مبدأ التعليم الإلزامي تمكنت من خلاله من إلحاق 75 طالباً بسلك التعليم، واستقدمت كادراً تدريسياً مؤهلاً، عدت معهم إلى أسلوب الأبجدية الأولى "أبجد هوز"؛ فكنا كل يوم نتعلم حرفاً بطريقة الغناء واللعب وأنا من المؤمنين بالخروج خارج سور المدرسة وإشراك مفردات الطبيعة من حولنا بعملية التعليم؛ فهي الكتاب الأكبر الذي يجب أن نقرأ ونتعلم منه، لذلك انطلقت من البيئة المحيطة وهي الرمال، وقمت بتشكيل أحرف من بقايا الكرتون واستخدام الكثبان الرملية وتخصيص كل طالب بحرف وتشكيلة من الرمال؛ ليكون بذلك لعبته المفضلة، تمكنت بهذا الأسلوب من تعليم الأطفال والوصول بهم إلى المرحلة الإعدادية لتواجهني مشكلة تكمن بعدم وجود مدرسة إعدادية، لكن بمساعدة المعنيين تمكنت من إحداثها، وعملت مديراً لكلا المدرستين، وكان هناك رهان بعدم النجاح لكنني كنت مصمماً عليه، وللوصول إلى ذلك كنت أستقدم الطلاب في الفترة المسائية من الساعة 4-10 مساءً؛ أعلمهم وأقدم لهم الطعام والشراب بيدي لتكون نسبة النجاح 100%؛ حتى إن منهم من سبق ابنتي، واستطعت أن أصل بهم إلى الجامعات؛ حيث تخرج منهم ثلاثة مهندسين».
ويتابع: «انطلاقاً من قناعتي بأن دور المربي يجب أن لا يقتصر ضمن سور المدرسة، بل يجب أن يدخل إلى المجتمع المحيط؛ ساهمت بالتعاون مع مشروع تنمية البادية بفتح 17 دورة محو أمية للنساء والرجال، وكنت أمنح المرأة المتزوجة التي تلتحق بها 3000 ليرة سورية آنذاك، والعازبة 1500 ليرة سورية؛ وهو ما ساعد الكثيرات منهنّ على التعلم وأصبحن يراسلن أزواجهن المتواجدين بدول الخليج، وبسبب طبيعة الصحراء وعدم توافر الأشجار كنا نعاني من زحف الرمال الدائم؛ لتشكل حاجزاً حول السور يصعب تجاوزه أحياناً؛ لذلك قمت بمبادرة شاركت بها الطلاب وجعلت كل طالب يزرع غرسة بيده وتسمى باسمه ليهتم بها، وبعد خدمة خمسة عشر عاماً غادرت المدرسة وفيها 1500 شجرة؛ منها 250 شجرة زيتون».
ويتابع بالقول: «هذا ما استطعت عمله في البادية لكن بعد عودتي إلى قريتي تابعت على نفس النهج، لكن بتغير الأشخاص والطبيعة كان الأسلوب مختلفاً، فقد قمت بمبادرة هي الأولى من نوعها على مستوى القطر؛ حيث تمكنت بالتعاون مع ثلاثين مدرساً من إحداث مراكز للتدريب والتعليم تضم طلاباً من عدة قرى، واستمرت لمدة شهرين؛ وهي مجانية بالكامل، وكانت تجربة رائدة وناجحة بكل المقاييس، كما أسعى دوماً إلى الخروج مع طلابي برحلات علمية للاستكشاف في أحضان الطبيعة وخلق حوار ارتجالي بينهم؛ ليعبر كل طالب عما شاهده بطريقته هذا من الجانب التربوي، ولكن لاعتقادي أن الإنسان قادر على أن يكون فاعلاً في أكثر من مجال أوليت الجانب الاجتماعي جلّ اهتمامي، فقد ساهمت بتكوين مجلس القرية الذي يهتم بأكثر من جانب، وأنا المسؤول عن الجانب الثقافي به الذي يهتم بتقديم دورات مجانية ومحاضرات ثقافية للطلاب والأهالي؛ وهي نشاطات تتعلق بالشعر والموسيقا والفنون، وأحياناً دورات للمزارعين لتعليمهم كيفية الاهتمام بمحاصيلهم، وعرض أفلام للمرأة تساعدها في فهم الحياة لتكون فاعلة بالمجتمع بوجه أفضل، كما أقوم كل عام بإحياء عيد المعلم بدعوة اثنين من المعلمين المتقاعدين من كافة المحافظات السورية، وحضور ومشاركة مختلف أطياف المجتمع».
الأستاذ "محمد منصور" زميله في مهنة التدريس؛ شاهد ومطلع على أعماله يقول: «"جمال اسماعيل" المربي والإنسان، عطاء بلا حدود، تميز في كافة المجالات والاتجاهات، إنه حالة إنسانية واجتماعية وتربوية أعطى جلّ وقته في سبيل مجتمعه وما زال يعطي في كافة المواقع؛ فهو الإنسان الذي يسعى لنشر العلم، ويبحث عن الفقراء والمحتاجين، ويقدم العون لأسر الشهداء والجرحى، هو الحالة الاجتماعية؛ حيث زين حضوره كل ميدان من أجل بناء الوطن وسعادة أبنائه، وهو الحالة التربوية التي أعطت وربّت الأجيال على القيم والخير والعلم والعطاء، فكان معلماً وقائداً تربوياً ترك بصماته الواضحة في كل مجتمع دخل إليه، واستحق التقدير والاحترام».
من الجدير بالذكر، أن لدى الأستاذ "جمال اسماعيل" الكثير من الاهتمامات الأدبية والشعرية، وهو محبّ للعمل المسرحي، وفي جعبته ست مسرحيات منها: "الغابة للجميع" بلغة الحيوانات، ومسرحية "حماشي"، ومسرحية "أهلاً بكم"، وهو من المؤسسيين لـ"شباب بصمة صافيتا" التي تهتم بأحوال الناس بظروف الأزمة، كما أسس أسرة "الوفاء للشهداء" التي تهتم بأسر الشهداء، ويشغل أمين سر منظمة "الهلال الأحمر" في "صافيتا"، ومؤسس مهرجان نبع "الغمقة" السنوي؛ وهو مهرجان ثقافي تعليمي ترفيهي تراثي.